الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد حمزة: الحاجة الى مجتمع العلم والمواطنة

محمد حمزة: الحاجة الى مجتمع العلم والمواطنة محمد حمزة
أزمة كورونا علمتنا أن سلامة المواطنات والمواطنين مرتبطة  بالعلم والمعرفة. والمدخل لبناء مجتمع العلم والمواطنة هو إصلاح شمولي للقضاء على الزبونية بكل اشكالها للانتقال لمجتمع المواطنة الشاملة، و دلك بربط إصلاح التعليم بإصلاح النظام السياسي المغربي لإرساء علائق اجتماعية خاضعة لرابطة القانون . إصلاح يشجع الكفاءة و الابتكار و ينمي الثروة الوطنية، و يقر بتساوي الفرص و يستحضر التوافق الوطني المنتج و التصور الوطني الحديث المتمركز على الإنسان و على سيادة العلم و المعرفة. 

الديمقراطية مدحل لوضع برنامج التقويم والتصحيح المستمر الديمقراطية كما هو العلم عملية تصحيح مستمرة. لذا لا يقينيات في العلم والديمقراطية ما يحررنا من مسلّماتنا المُسبَقة. فالنظريات العلمية الجديدة تُستبدَل النظريات العلمية القديمة كاستبدال نظرية أينشتاين العلمية بنظرية نيوتن واعتبار نظرية أينشتاين هي الأصدق مؤقتا و العلم بهدا المعنى هو اعطاء نماذج للواقع نسبية وموقتة. وهذا ما يحدث بالضبط في الديمقراطية؛ في النظام الديمقراطي تستبدَل السياسات القديمة و تحل مكانها سياسات جديدة من خلال استبدال ممثلي الشعب. الديمقراطية عملية تصحيح دائمة للسياسات تضمن الديمقراطية الحريات والحقوق الإنسانية بفضل القضاء على إمكانية احتكار السلطة. وكما تنجح الديمقراطية في التخلص من احتكار السلطة تنجح أيضاً في القضاء على احتكار الحقائق و المعارف فالنظام الديمقراطي يدع لكل فرد حرية أن يختار معتقداته وتصرفاته شرط أن لا يعتدي على حقوق الآخرين.
 
وبما أن العلم لا هو غربي ولا هو شرقي بل إنساني، يقول البير جاكار، فإنه يبقى الإطار الذي يمكن أن تتوحد داخله جميع الثقافات بنفس الصرامة العلمية  ،ففي هدا الإطار يمكن العمل على تفعيل اللقاءات كلما اعترضت الإنسانية مشاكل. 
الطائفة العلمية متفقة الآن على نسبية المعرفة لقد أصبح الكون حسب  النظرة العلمية الحديثة الآن يسير نحو إنتاج هياكل جد معقدة ومركبة ويبقى الجسم الأكثر تعقيداوتركيبا هو دماغ الإنسان٬ المكون من ملايير النورونات و ملايين الملايير من التوصيلات.
العالم المحيط بنا هو غاية في التعقيد(التركيب) ومملوء بأشياء عجيبة ومدهشة فحبة صغيرة تصبح شجرة كبيرة والزوابع تمسح المحيطات بشكل دائم٬ أما البراكين فتؤنبنا لما تنفجر و ترش الأرض بشلالات من السوائل...

التعقيد (التركيب) موجود في كل مكان وتعميمه يمكن أن يكون عملا تتلاقى فيه حقول معرفية مختلفة كالفيزياء والسوسيولوجيا
والمعلوميات٬ والذكاء الاصطناعي٬ والبيولوجيا... الخ لكن  و لحد الآن فالطرق المؤدية لنقط الالتقاء المحتملة تبقى غير واضحة بشكل جيد٬ لكن بعض الأبحاث الأولية الفيزيائي  الفرنسي  برنارد ياسبانيات  تبدو اليوم واعدة بالتقدم.

إن فكر التعقيد هو تجاوز للإفراط في القوانين الكلية  التي تبناها علم القرن 17 و 18،  فالعلم الكلاسيكي قام بعمل جبار في مناهضة مقولة   الكل لغز ''  كمسلمة لعلوم ماقبل الحداثة٬ والآن نعرف الثورة التي خلقها التصدي لهذه المقولة. فتشتيت اللغز في الحياة العادية يحرض على الكسل الثقافي٬ والاعتقاد باللغز ينشر الثقة العمياء في الشعوذة و الدجل و بالتالي ينجم عن هذا فكر التعصب بنتائجه الكارثية.
العلم الكلاسيكي سقط هو الآخر في اختزال علموي ناصر ولو بخجل '' الكل واضح" والذي يوهم بأن بضع كلمات بسيطة كافية للجواب على الأسئلة الجوهرية التي تواجه العلم الآن. إن مناهضة فكرة «الكل لغز» ، يقول الفيزيائي  الفرنسي  برنارد ياسبانيات  لا تعني أن « كل شيء واضح »٬ كما أن القطيعة مع المعرفة التامة والأمينة لا تعني « كل شيء غامض».  فالتعميم يؤدي في بعض الأحيان إلى « اللا معلومة » حيث يسرب الإنسان داخل نموذج علموي سيماته مبادئ أولية بسيطة ويقودنا  وبسهولة إلى تمويه « بساطة مصطنعة»  على  «تعقيد/ تنوع» لا محدود لعالم حقيقي.

عصر المعرفة الحديثة إذن هو عصر التعقيد (التركيب) والحقيقة المؤقتة واللا يقين الذي لا يعرفه إلا يقينا واحدا، يقين الحركة والنسبية وتجديد الجديد. وتبقى التحديات الأكثر صعوبة، قول المفكر الفرنسي ادغار موران هي تغيير طرق تفكيرنا لمواجهة التعقيد المتصاعد ومعرفة المعرفة كسلاح في مواجهة الإخطار الدائمة لعدم الوقوع في الخطأ والوهم اللذين لا يتوقفان عن التشويش على العقل الإنساني. معرفة تسمح بتمثل العلاقات والتفاعلات بين الأجزاء والكل داخل عالم التعقيد.

الديمقراطية هي ايضا مسارا مركبا واختيارا استراتيجيا لمحاورة عالم دينامي ، صدفوي، متنوع. و المجتمع الديمقراطي هوايضا سيرورة إنسانية تراكمية و ارتقائية مركبة، يساهم في بناءها بشكل حاسم المواطن (ة) الديمقراطي(ة).
الديمقراطية بحسب ادغار موران  لا تتقوّم، باعتبارها إشكاليّة سياسية فحسب، بل هي في صميمها إشكاليّة متعدّدة الأبعاد؛ أي أنّها بقدر ما تعمل على ترسيخ فكرة المواطنة وجعل الإنسان طرفاً فاعلاً في الحياة السياسيّة يتمتّع فيها الأفراد بحقوقهم كمواطنين، إلاّ أنّها تمثّل في الآن ذاته مدخلاً لتغذية روح التعدّد على المستوى الفكري والثقافي والاجتماعي إنّ حاجة الديمقراطيّة إلى التعدّد، يضيف الكاتب ، تنبع من حاجتها إلى ما به تغتني الأفكار وتتلاقح وتسمح ببناء علاقة مركبة بين الفرد والمجتمع ، وهدا ماقاله ايضا كارل ماركس بان المجتمع اكثر تركيبا. 

تتأسس الديمقراطية من مراقبة جهاز السلطة من طرف المراقبين، ومن تم التقليص من الاستعباد. وبهذا المعنى فالديمقراطية هي أكثر من مجرد نظام سياسي، إنها خلق متجدد لحلقة مركبة و ارتدادية حسب تعبير ادغار موارن ، ينتجها المواطنات والمواطنون وتعيد بد و رها إنتاجهم.

الديمقراطية تحتمل التقدم و التراجع، الفشل والنجاح. فإعادة توزيع السلط في أي مجتمع من المجتمعات ليست قضية نظرية ولا إيمانية و لا ثقافية، ولكنها تستدعي معركة حقيقية. ذلك أنها تمس مصالح فئات و طبقات حية موجودة على الساحة، وقادرة على الحركة والدفاع عن مكتسباتها. وتكريس الحريات السياسية ليست هي الأخرى أيضا مسألة أخلاقية أو قيمية، ولكنها مرتبطة مباشرة بالتوزيع المادي للموارد. فمتى تمكن المواطنات والمواطنون من حرياتهم السياسية، صار بإمكانهم الاعتراض على الاستخدام الاحتكاري لهذه الموارد من قبل نخب دائمة وقائمة.
 
المواطنة الحقة هي مقدمة النظام الديموقراطي ولضمان سيادة المواطنة لابد من اشتراطات ديمقراطية حقيقية وكما هي الديمقراطية فان المواطنة هي ايضا مفهوما مركبا  محورها الفرد، من حيث هو عضو مشارك في الجماعة الوطنية. وهذا الفرد وهو بهذه الصفة خاضع لنظام محدد من الحقوق والواجبات وبعبارة أخرى: الوطنية والمواطنة وجهان متباينان من وجوه الارتباط بالجماعة الوطنية، ووجودها السياسي.