الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي: مهمة حكام الجزائر تنمية بلادهم وتقويتها وليس الحرب ضد المغرب

كريم مولاي: مهمة حكام الجزائر تنمية بلادهم وتقويتها وليس الحرب ضد المغرب كريم مولاي
أتابع في الأيام الأخيرة أخبار العلاقات الجزائرية ـ الإسبانية بكثير من الاستغراب والدهشة، لا سيما بعد التوتر الحاصل في العلاقات بين البلدين الجارين المغرب والجزائر، وحز في نفسي أن تصل حدة الخلاف بين الجزائر والرباط أن تهدد الجزائر مدريد بإلغاء اتفاق الغاز الموقع بينهما، إذا تأكد لديها بأن إسبانيا تصدر الغاز إلى المغرب..
أفهم بحكم التاريخ والتجربة أن الحزازيات بين الجيران، خصوصا من العرب ربما تكون قاسية، وقد يأخذ حلها وقتا طويلا قد يستمر لأجيال، لكنني لم أستطع أن أستوعب أن يصل الأمر إلى هذا الحد.. إذ لا يوجد ما يبرر كل هذه العداوة إذا ما وضعنا كافة القضايا الخلافية على طاولة الحوار والنقاش.. 
ولقد كنت أحسب أن التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتشابك العلاقات بين الشعبين الجزائري والمغربي كفيلة بإزالة ما علق في النفوس من ضغائن، لكن هيهات أن تفيد كل هذه التحديات في إقناع من يرى في الحروب والخلافات مع الجيران وسيلة لإشغال الرأي العام المحلي عن ضرورة الإصلاح الديمقراطي الحقيقي.
قطعت الجزائر الرسمية علاقاتها الديبلوماسية مع المغرب، بعد أن كانت قد أغلقت حدودها البرية منذ ما يزيد عن ربع قرن، وهي الآن تطرق الأبواب لمزيد من حصار المغرب، والحديث عن عدو قادم من الجوار المغربي، لا سيما بعد استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل.. 
وبغض النظر عن الموقف من أن التطبيع مع الاحتلال مرفوض، فإن وضعه على رأس أولويات شروط استعادة العلاقات بين الجزائر والمغرب فيه كثير من التضليل والتوشويش، إذ لو كانت العلاقات مع الاحتلال هي شرط إقامة الجزائر لعلاقاتها مع بقية الدول، لكانت قد قطعت علاقاتها مع جميع الدول الغربية وغالبية الدول العربية التي تقيم الكثير منها علاقات ديبلاوماسية مع الاحتلال بعضها معلن وبعضها الآخر تحت الطاولة.
ربما سيكون من الأجدر على قادة النظام الجزائري إما أن ينصرفوا إلى البناء الداخلي الديمقراطي، والبدء بحوار وطني حقيقي يعيد رسم السياسات والأولويات بعيدا عن استعداء الجيران، أو أن يعلنوها حربا ضد الجميع، ولا يقيمون علاقات إلا مع نظام انقلابي في تونس، لم يحقق لشعبه إلا مزيدا من الفقر والتقارير البائسة عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، بعد ثورة شعبية نادرة في بداياتها وتفاصيلها ومآلاتها..
إن من شأن الالتفات إلى القضايا الداخلية ومصارحة الشعب الجزائري بكل التحديات التي خلفتها جائحة كورونا ثم الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وقبلها الأوضاع العسكرية والأمنية المضطربة في دول الساحل الإفريقي، وفي ليبيا، التي تشير كل التوقعات إلى أنها مقبلة على جولة صراع جديدة، بعد عودة العمل بحكمتين واحدة في الغرب والأخرى في الشرق.. أقول من شأن الالتفات إلى القضايا الداخلية وتنقية المناخ السياسي عبر حوار وطني يقود إلى توافقات سياسية حقيقية تؤسس لانتقال ديمقراطي حقيقي ينهي عقود الاستقواء بالقوة العسكرية على السياسيين، واستخدامهم في مشاريع تبين أنها لا تخدم إلا أجنداتهم الضيقة..
إن الجزائر بما لها من ثروات طبيعية حيباها الله بها، وبما لها من ثروات بشرية يمكنها أن تكون رائدة في إنجاز تنمية اقتصادية حقيقية تعود بالنفع عليها وعلى جيرانها من الدول المغاربية والإفريقية، وتسهم في إعاجدة تشكيل المشهد العربي، لا سيما وهي تستعد لاستضافة القمة العربية نهاية العام الجاري.. أما الاستمرار في استعداء الجيران، وقيادة حرب ديبلوماسية واقتصادية مع شعب مغربي يدرك الجزائريون جميعهم أنهم أشقاء في الدين وشركاء في التاريخ والجغرافيا والمصير فلن تزيد الجزائر إلا عزلة وضعفا.. 
الخلافات في الرأي بين الدول جزء طبيعي من العمل السياسي واختلاف الرؤى، وهي تدافع بين بني البشر، أما أن يتحول التدافع بالرأي إلى تناطح يهدف لنفي الآخر واستئصاله بمختلف الطرق، فهذا هدف يأتي على أصحابه قبل أن يأتي على الآخرين..