الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

أيت سعيد يفضح مسودة مشروع قانون "العدول" المجحفة 

أيت سعيد يفضح مسودة مشروع قانون "العدول" المجحفة  عبد السلام آيت سعيد
أكد عبد السلام آيت سعيد، أستاذ باحث في الحكامة التوثيقية ومقاصد الشريعة، وعضو لجنة الحوار في الهيئة الوطنية للعدول سابقا، أن الحديث على الإصلاح الجذري، والبنيوي لمنظومة التوثيق العدلي، يكاد أن يكون ضجيجا في المحافل والملتقيات الرسمية، وفي الخطاب السياسي الرسمي للمشرفين على القطاع، وشدد في حوار مع جريدة "أنفاس بريس" على أن منهجية صياغة "مشروع تعديل 03.16 " لا تنسجم مع المرجعية الدستورية، ومبادئ الحكامة الجيدة ومخرجات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة.
    
لماذا قوبل مشروع مسودة تعديل قانون 03.16 بردود فعل سلبية وسخط عارم في صفوف قاعدة العدول؟ 
يشكل صدور مسودة تعديل قانون 03.16 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق العدلي (خطة العدالة) سخطا عارما في صفوف القاعدة المهنية للسادة العدول نظرا لمضامينها، ومقتضياتها القانونية المجحفة في حق أقدم مهنة في تاريخ منظومة المهن القانونية والقضائية بالمغرب. فمشروع مسودة تعديل القانون 03.16 لا يجسد إرادة التغيير والتجديد، وهي أولى الأولويات في برنامج الهيئة الوطنية للعدول وقيادتها.
والتوثيق العدلي مهما لحقه من مشاكل وأعطاب وإقصاء وتهميش، وما اعتور مساره التاريخي، والتشريعي من مظاهر الخلل والتعثر، بسبب ما اقترفه أهل الدار من الداخل أولا، أو ما تعرض له من سهام الأعداء والخصوم، واللوبيات من جهة أخرى فإنه يبقى مع ذلك أمل ممتهنيه، ومرجع المجتمع المغربي باعتباره رصيدا حضاريا مغربيا، ومكسبا تاريخيا للمغاربة منذ عهد الأدارسة إلى اليوم.

هل روعي في هذا المشروع التعديلي لقانون 03.16 مقترحات الهيئة الوطنية للعدول ومضامين الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة؟ 
جوابا على هذا السؤال القيم والجوهري، وبناء على تجربتي المتواضعة كعضو لجنة الحوار سابقا، وكباحث في الشأن التوثيقي، أكاد أجزم أن الحديث على الإصلاح الجذري والبنيوي لمنظومة التوثيق العدلي، يكاد أن يكون ضجيجا في المحافل والملتقيات الرسمية وفي الخطاب السياسي الرسمي للمشرفين على القطاع.هكذا نرى مع الأسف الشديد، ومنذ زمن بعيد ثلاث ولايات حكومية–أربع وزراء في قطاع العدل- ما زالت مطالب الهيئة الوطنية للعدول تراوح مكانها بل هي ملفوفة في الملفات على الرفوف، وما خفي في النوادي والصالونات للجهات الضاغطة والمناوئة أكثر.
ولابد أن نميز بين الصورة الوردية العاطفية، وبين الحقيقة الواقعية المرة.
وللأسف منهجية صياغة "مشروع تعديل 03.16 " لا تنسجم مع المرجعية الدستورية ومبادئ الحكامة الجيدة ومخرجات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة الذي خصص قسطا وافرا من توصياته لإصلاح منظومة المهن القانونية والقضائية، سواء على مستوى التحديث، والتخليق، والتكوين وتأهيل المنتسبين إليها، أو على مستوى تقوية قدراتها ودعم آليات تعزيز ثقة المواطن فيها، وإيجاد ضمانات للمتعاملين معها والمرتفقين.
ومن بين هذه "المهن" مهنة التوثيق العدلي، حيث نص الميثاق في شأنها على مجموعة من التوصيات الرامية إلى مراجعة قانونها في اتجاه تعزيز استقلالها والإرتقاء بما يسهم في تحديثها وتخليقها ووضع مدونة السلوك تتضمن القواعد الأخلاقية والمهنية، وكذلك التوصية بفتح المجال للمرأة لممارسة المهنة.
 
لماذا تطالبون بإلغاء خطاب القاضي على الوثائق والعقود؟
الملاحظ والمؤسف في "المشروع" لا وجود لمفهوم "تعزيز استقلالية المهنة" فجل المواد من 16-17-22-25-26-27-33-45-49..، مازال دور القاضي المكلف بالتوثيق حاضرا في مقتضيات المشروع، علما أن "دور قاضي التوثيق" في مهام العدول، وممارستهم المهنية لم يعد ما يبرره من الناحية العملية، والواقعية وهذا تحجير للراشد، وتعارض مع المقتضيات الدستورية خاصة قاعدة:"ربط المسؤولية بالمحاسبة" بل إن خطاب القاضي على الوثائق لم يكن معمولا به في القرون الأولى، ولم يكن حكما شرعيا واجبا على العقود والشهادات..، حتى ولو جاء بصيغة المصادقة أو التوقيع الإلكتروني.. فالإجراء لم يعد لازما في زمن الرقمنة، والإدارة الرقمية، والانتقال الرقمي الذي يعرفه المغرب .
كما أن مراقبة القاضي المكلف بالتوثيق أضحت مراقبة شكلية لا تفي بالمقصود، والقاضي لا يتحمل أي مسؤولية عملية مع العدول الموثقين.
كما أن الدواعي، والأسباب الموجبة لاستحداث مؤسسة قاضي التوثيق، وخطابه، ومصادقته على الوثائق العدلية لم تعد قائمة، كما أن المفاهيم، والظروف والأحوال تغيرت، وتبدلت والمستويات العلمية الجامعية للسادة العدول (إجازة/ ماستر / دكتوراه) تستوجب بالضرورة الاستغناء عن الخطاب، أو المصادقة التي تعتبر في واقع الحال إجراء بيروقراطي لا يتماشى مع النجاعة والشفافية والحكامة الجيدة.
كما أن هذا "المشروع" خيب آمال السادة العدول الموثقين فيما يخص توصية "الميثاق الوطني" الرامية إلى الإرتقاء بما يسهم في تحديث المهنة في مجال التلقي الفردي للعقود والمحررات والشهادات، "فمشروع التعديل" ما زال يكرس الثنائية في الممارسة المهنية التي أملتها الظروف التاريخية، والفهم الميكانيكي للنصوص الشرعية، ومقتضيات المذهب المالكي لمفهوم الشهادة في قضايا الأسرة كالزواج، والطلاق، والرجعة، والمراجعة، والاستلحاق، ومراقبة الهلال.
فهناك إكراهات، وصعوبات في الثنائية تؤثر على حسن سير المرفق العدلي، والمكتب العدلي، علما أن التلقي الفردي معمول به في معظم دول المشرق العربي مثل سوريا ولبنان ومصر والسعودية...
بل السؤال المطروح في هذا السياق : ما الفرق بين الموثق العصري/ NOTAIRE والموثق العدلي – العدل- ؟ الاول متحرر والثاني مقيد، والعجيب أنهما متساويان في شروط الولوج، والمراقبة، والتأديب ومختلفان في مساطر العمل والإنجاز والإمتيازات التشريعية ...

 
فهل من نصير وناصح شفيق لأهل الحل والعقد في هذا البلد؟ 
نـحن أبناء هذا البلد-وأنا جزء منه– وهذه الحضارة الاسلامية والدولة المغربية نـحن نتاجها..، نعم شرعية الإنتماء هي التي تمنحنا شرعية الصراخ والنقد والمطالبة، ما زال ينتابنا حُلم وأمل الإنعتاق، نعم ما زال في هذا البلد الامين حكماء وشرفاء يمزجون بين النزوع الوطني الأصيل والتوجه الحداثي العقلاني لفك أغلال هذه المهنة والدفع بها نحو الانفتاح والتحديث [ وفي الأطلال القديمة توجد الجواهر الثمينة ] كما قال جلال الدين الرومي.
 
وماذا عن شهود اللفيف، ما هي صيغته في المشروع الجديد ؟
لأسف، في هذا المشروع تم الإبقاء على عدد شهود اللفيف كما جرى به العمل (12 شاهدا).
وكما تعلمون أن اللفيف العدلي، أو المواجب العدلية من وسائل الإثبات التي انتقلت إلينا من العمل القضائي والتراث الفقهي المالكي، وهي من الأمور  الإجتهادية التي جرى بها العمل في الغرب الإسلامي، والفقهاء لم يتفقوا على نصاب عددي معين لشهادة اللفيف ، لأن هذا الأمر لم يرد به دليل نقلي، بل خضع لمطلق اجتهاد الفقهاء بحسب موضوع الشهادة وزمنها وشخص الشاهد، ولهم في ذلك أقوال ومذاهب ...
وفي لجنة الحوار السابقة التي كنت عضوا فيها نصت المسودة على تحديد عدد شهود اللفيف في خمسة بدلا من إثنا عشر عدلا الجاري بها العمل.
والإبقاء على اللفيف بشكله الحالي فيه تعسير على الناس وعدم مراعاة تبدل الأحوال والظروف ... فليس العبرة بالعدد وإنما المقصود والمعتبر ما يحصل به الظن الغالب بالضرورة .
كما أن هذا الموقف لا يراعي توصية الميثاق الوطني الرامية إلى الارتقاء بما يسهم في تجديد المهنة.
فأنصار الحرفية التقليدانية المتشبثين بما جرى به العمل التوثيقي(12 شاهدا) هم أنفسهم الذين صمتوا عن شهادة المرأة في عقود الأبدان: الزواج والطلاق والرجعة وشهادة المرأة في اللفيف(المادة: 67-68....) وهذا تناقض في المواقف وتحكم بدون دليل؟ 
وقد قال بهذا العدد (5 شهود) ثلة من العلماء المالكية، فلماذا نعاكس التجديد والاجتهاد والتحديث، ونكرس النمطية والتخلف.

وما هو موقع المرأة العدلة في هذا المشروع التعديلي؟ 
للأسف كما قيل قديما:"إذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع"، فالذي نستشفه من"المسودة" بخصوص المرأة العدل عبارة عن تمثلات نمطية في عبارات مسكوكة جاهزة تمت صياغتها بإحكام في إطار قواعد قانونية تكرس النظرة الدونية. مقارنة بزميلاتها في المهن القانونية والقضائية الأخرى كالمحامية والموثقة والمفوضة القضائية.
فالمنزع الذكوري، والتقليداني المتمثل في الخاضعة، والتابعة والناقصة والحاملة، في المسودة الحالية تسكت شهرزاد عن الكلام في المساواة والإنصاف، بل لا يحق لها أن تتكلم أو تطالب منذ البداية بحقوقها.
وحدَهُ مهندس التشريع هو الذي يتحدث ويُقَنِّن ويحكم عليها بما يشاء، ومن "النص ما قتل".
ومن المفارقات العجيبة أن هذه التمثلات النمطية في النص التشريعي تناقض "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة" التي وقع عليها المغرب ، والتي تدعو إلى كفالة الحقوق المتساوية للمرأة .. في جميع الميادين، وسن تشريعات وطنية تحرم التمييز ...
 
ما هي دلالات فتوى المجلس العلمي الأعلى ومخرجاتها؟ 
منذ الولاية السابقة ظهرت رواية "الفتوى" كورقة حمراء في وجه الهيئة الوطنية للعدول بخصوص المطالب المفصلية، وترسخت صورة "المقدس في مقابل المدنس"، وأضحت الفتوى ترتيلة من التراتيل التي يترسل بها الوزراء والمسؤولون في المحافل والملتقيات، وجلسات الحوار، مع الهيئة الوطنية للعدول.
هذا فضلا عن عدم نشر "الفتوى" إن وجدت، وعدم الكشف عن مضامينها..
نعم تظل ورقة "الفتوى" مؤثرة في مسار الحوار ومطالب العدول، لتمرير الموقف الرسمي، والإجهاز على المطالب المشروعة للسادة العدول وإضعاف المحاور والتأثير عليه، والسؤال المطروح: هل "الفتوى" هي التي ترسم التوجهات الاصلاحية والتحديثية للهن القانونية والقضائية –خاصة مهنة العدول– أو المقتضيات لدستورية ومضانين الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة؟ وهل ينبغي للهيئة الوطنية أن تلقي الحبل برمته، أو بالتعبير الفرنسي: هل يجوز أن نرمي الطفل وماء الحمام؟ 

لكن الفتوى حكم شرعي لازم لا يقبل المزايدة النقابية والسياسية؟ 
نعم، أنا معك بأن "الفتوى" حكم شرعي، وبأن المجلس العلمي الأعلى مؤسسة دستورية المخول لها الإفتاء في القضايا العامة، وصيانة الفتوى من المتطفلين وبعض الفتاوى الغريبة عن البيئة المغربية، لكن لابد من توضيح بعض المفاهيم والكشف عن ضوابط الفتوى ومنهجيبة اشتغال الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء "التابعة للمجلس العلمي الأعلى".