أكد عبد الرفيع حمضي، مدير مديرية حماية حقوق الإنسان والرصد بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن قانون العقوبات البديلة أثار نقاشا محمودا بين رجال القانون والفاعلين المدنيين وعلماء الاجتماع والأكاديميين.
وأشار حمضي في ندوة، حول قانون العقوبات البديلة، ضمن برنامج "خميس الحماية"، بمشاركة المندوبية العامة لإدارة السجون ووزارة العدل، إضافة الى بعض الفعاليات الحقوقية والمدنية بأن العقوبات البديلة لا تخص المغرب وحده، بل إجراء أخذ به النظام القضائي الأمريكي في بداية السبعينيات من القرن الماضي، كما تم تطبيقها في أوروبا في بداية الثمانينيات، وتعد التزاما حقوقيا كما قالت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في إحدى تصريحاتها، فهناك عدد من التقارير الأممية التي دعت إلى تبني هذا النوع من العقوبة، كما كتب عن الموضوع عدد من رجال الفكر والفلاسفة مثل بورديو وفوكو، فالموضوع لم يكن مرتبطا فقط بالسجين والدفاع وإدارة السجون بل أخذ بعده الفلسفي.
من جهته أشار محمد الهاشمي، مدير الدراسات بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومدير بالنيابة لمعهد حقوق الإنسان ادريس بنزكري بالرباط، أن المغرب سيمر بفضل هذه التجربة من باراديغم العقوبة الأقرب إلى الانتقام إلى مفهوم أكثر إنسانية للعقوبة، داعيا مختلف الفاعلين إلى بذل مجهود في التواصل لتفادي الخلط وسوء الفهم لدى بعض الناس فيما يتعلق بالعقوبات البديلة، على اعتبار أن العقوبة في نهاية المطاف ليست هدفا بحد ذاته بقدر ما هي وسيلة، موضحا بأن العقوبات البديلة يتجلى فيها البعد المتعلق بالعقوبة كوسيلة وليست كغاية في حد ذاتها.
وأضاف الهاشمي أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان كان شريكا في مرحلة من مراحل إعداد هذا القانون، حينما طلب منه إبداء رأيه بشأنه، ونظم لقاءات في هذا الباب وقدم رأيا في الموضوع، وكان هاجسه أن يكون هذا القانون منسجما مع الدستور وخاصة البابين الثاني والسابع اللذان يتضمنان المقتضيات المتعلقة بالحريات والحقوق الأساسية والسلطة القضائية وحقوق المتقاضين وكان هاجس المجلس الوطني لحقوق الإنسان هو البحث عن إجابات عملية لمشكلة أو ظاهرة الاكتظاظ بالسجون، مشيرا بأن العقوبات البديلة تقدم بعض مداخل مواجهة هذا الإشكال وتجاوز السلبية المرتبطة بالعقوبات القصيرة المدى، مضيفا بأن العقوبات البديلة حينما تدخل حيز التطبيق قد تساهم في التقليص من هذا الإشكال بشكل كبير وربما ستعود على المجتمع بالفائدة، وخاصة عقوبة المنفعة العامة التي تعتبر معطى جديدا في بلادنا، وربما ستؤسس لمفهوم جديد في العقوبة.

أنس سعدون
أيوب أبو جعفر، رئيس قسم السياسة الجنائية بمديرية الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة، تطرق في مداخلته إلى أهمية إصلاح منظومة العدالة الجنائية والسياسة العقابية على وجه الخصوص، وهو إصلاح طال انتظاره، مضيفا بأن قانون العقوبات البديلة يشكل طفرة نوعية في السياسة الجنائية، لأنه يتضمن نظاما عقابيا بديلا للعقوبات السالبة للحرية، مضيفا بأن الغاية من العقوبات البديلة هي تمكين المؤسسات السجنية والإدارة السجنية من تأدية وظيفتها في إصلاح وتأهيل السجناء في ظروف إنسانية، وهذا لن يتأتى إلا عبر التخفيف من الاكتظاظ بهذه المؤسسات عبر اعتماد العقوبات البديلة.
وأكد أن هذا النظام العقابي الجديد يعد ورشا ملكيا، حيث ما فتئ الملك محمد السادس ينادي في العديد من الخطب باعتماد هذا النظام وتوسيع فرص الإفراج عن السجناء، وأنسنة السجون.
كما تطرق إلى اختيار الجرائم المشمولة بهذا القانون والذي لم يأت، بحسب المتحدث، من فراغ، فقد جاءت العقوبات البديلة لمواجهة ما يسمى بالإجرام البسيط وليس الجرائم الخطيرة، فتم حصرها في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها خمس سنوات، وتم استثناء تطبيقه في حالة العود، وأيضا تم استثناء مجموعة من الجرائم التي اعتبرها المشرع لا يصلح معها اعتماد هذا النظام العقابي من قبيل جرائم الاستغلال الجنسي للقاصرين، جرائم الاتجار الدولي في المخدرات، جرائم الاتجار في المؤثرات العقلية، جرائم الرشوة والغدر، والجرائم العسكرية.
وأشار المتحدث إلى أن اعتماد هذا النظام العقابي الجديد كان لابد منه من أجل التخفيف من اكتظاظ السجون، حيث وصل عدد الساكنة السجنية في أغلب الإحصائيات المتوفرة الى ما يفوق مائة ألف نزيل، وأشار أن حوالي 35 ألف نزيل استفادوا من النظام العقابي الجديد بعد دخوله حيز التنفيذ، مضيفا بأن حوالي خمسة آلاف شخص محكوم عليهم في حالة سراح في عقوبات نافذة يمكن أن يشملهم هذا النظام البديل.

عبد الله مسداد
والجميل في هذا القانون - بحسب المتدخل - هو أنه أتاح للمحكمة أن تحكم بواحد أو أكثر من العقوبات البديلة في آن واحد، مثلا شخص محكوم بثلاث سنوات حبسا نافذا، يمكن للمحكمة أن تمتعه إما بعقوبة بديلة واحدة أو أكثر، ويمكنها أن تجزء هذه العقوبة البديلة، مثلا سنة عمل من أجل المنفعة العامة وسنتين من المراقبة الإلكترونية.
من زاويته تطرق مولاي ادريس أكلمام مدير العمل الاجتماعي والثقافي بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج إلى فلسفة العقوبات البديلة، مشيرا بأن الهدف منها هو تغيير تمثل المجتمع للجريمة والمجرم، والتركيز على الإنسان كإنسان، ومسائل تقويم سلوكه أكثر من التركيز على الجريمة في حد ذاتها، وقد تم إسناد مهمة تتبع تنفيذ قانون العقوبات البديلة لمندوبية إدارة السجون بموجب القانون.
وأشار فيما يخص المراقبة الإلكترونية أنه تم الاستماع إلى مجموعة من الشركات، حيث تم على إثر ذلك بلورة تصور حول الحاجيات التي تلائم الواقع المغربي فيما يخص المراقبة الإلكترونية، والآن – يضيف - هناك شركة معنية بهذه المراقبة الإلكترونية، ويتعلق الأمر بالسوار الإلكتروني، وهي الآن تشتغل من أجل توفير هذه التجهيزات في الوقت المناسب. على مستوى العمل من أجل المنفعة العامة استعانت إدارة السجون بالاستشارات التي قامت بها وزارة العدل لدى القطاعات وبرمجت اجتماعين في الأسبوع المقبل من أجل تدارس سبل تنزيل هذا القانون.
وعلى مستوى الموارد البشرية أشار المتدخل أن الموارد البشرية للسجون تشتغل في وسط مغلق، والآن تغيرت الأمور، وفي انتظار السنة المالية المقبلة لتوفير الموارد البشرية اللازمة استعانت المندوبية بالموارد البشرية الحالية، الآن 700 موظف تم اختيارهم للاشتغال في العقوبات البديلة وتم إخضاعهم لتكوينات عامة وستخضع لتكوينات مكثفة فيما بعد.
كما تطرق أكلمام إلى المؤسسات التي ستشتغل بهذه العقوبات البديلة، حيث تم تحديد 58 مؤسسة سجنية من أصل 74 مؤسسة من أجل تركيز الجهود وترشيد الموارد البشرية والمالية في المدن التي تتوفر على أكثر من مؤسسة سجنية اختارت مؤسسة سجنية في المدينة، باستثناء مؤسستين وهما المحمدية وميسور اللتان لا تتوفران على الفضاءات اللازمة لتنفيذ هذا القانون.
كما تم – بحسب نفس المسؤول - توفير الفضاءات والتجهيزات اللازمة على مستوى المؤسسات من أجل إعمال هذا القانون، كما تم إعداد دليل إرشادي وعملي لفائدة الموظفين من أجل الاشتغال به عند دخول هذا القانون حيز التنفيذ.
ويرى أنس سعدون قاضي مكلف بمهمة لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن قانون العقوبات البديلة، يعد ثورة على مستوى فلسفة العقوبة وثورة على مستوى منطق العقوبي التي تعادل السجن، حيث جاء القانون الجديد ليكرس نوعا من العقوبة التي يمكن أن تحقق العدالة حتى ولو كانت بواسطة أخرى غير السجن، كما أنه يعد ثورة – يضيف سعدون - على مستوى تبني المقاربة الحقوقية والتي تقوم على فكرة أساسية وهي أنسنة العقاب، وهي ثورة تحتاج إلى مقتضيات وإجراءات مواكبة، لأن القانون بحد ذاته لا يكفي من أجل تحقيق المقتضيات المتوخاة منه، مشيرا بأن هذا القانون يحتاج إلى اعتماد منظومة مرافقة على مستوى القوانين وعلى مستوى السياسات العمومية تأخذ بعين الاعتبار العوامل غير القانونية التي تؤثر في تطبيق كل قانون جديد.
وفيما يتعلق بالتحديات أشار سعدون أن أول تحدي هو التحدي الثقافي أي كيفية إقناع المجتمع بأن العقوبة البديلة هي فعلا عقوبة، كما أن قانون العقوبات البديلة يتوقف على القوانين الإجرائية وله علاقة بالقانون الجنائي في شموليته والذي ينتظر مراجعته، وله علاقة بسيل كبير من القوانين الجنائية الخاصة، مبرزا بأن المنظومة القانونية تعاني من تداخل التشريع، حيث أصبح المنع والزجر هو الأصل، فكيف سنضمن انسيابية في تطبيق قانون العقوبات البديلة في بيئة جنائية قديمة؟ يتساءل القاضي سعدون.
من جهتها تطرقت فتيحة اشتاتو، محامية بهيئة الرباط الى العقوبات البديلة باعتبارها تتماشى مع تطور المجتمع الحداثي، وأشارت أن العقوبات البديلة وسعت اختصاصات المحامي، بحيث أن المحامي أصبح يتدخل قبل المحاكمة وأثناء المحاكمة وبعد إصدار العقوبة، مؤكدة على أهمية اطلاع المحامي على مضامين القانون الجديد والحرص على تطبيقه، كما دعت إلى ضرورة تعديل القانون الجنائي لضمان الاستفادة من قانون العقوبات البديلة، كما تطرقت إلى دور المحامي في مراقبة صحة وسلامة الاجراءات القانونية ومراقبة ساعات العمل المحددة في إطار المنفعة العامة ومراقبة الأحداث، وما إذا كان الحدث المحكوم عليه بالعقوبة البديلة يسمح تكوينه الجسماني بتطبيق العقوبة البديلة.

فتيحة اشتاتو
عبد الله مسداد، الكاتب العام للمرصد الوطني للسجون، أشار من زاويته أن العقوبات البديلة تعد خيارا وتوجها حقوقيا دوليا، مبديا رفضه ربط العقوبات البديلة بظاهرة الاكتظاظ بالسجون، وأوضح أن إقرار العقوبات البديلة كانت له مقدمات، مشيرا بأن إصلاح منظومة القوانين لعبت فيه الحركة الحقوقية دورا كبيرا وفاعلا من خلال الترافع ومن خلال الاقتراحات والتوصيات، كما تطرق الى أهمية المقتضيات التي تضمنها دستور 2011 فيما يتعلق بقضية النزلاء، وأكد على ضرورة الحماية القانونية للسجناء وضمان كرامتهم، منوها بانخراط المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية وضمنها المندوبية العامة لإدارة السجون ووزارة العدل والمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أصبح يضطلع بمهمة الحماية وتتبع القوانين من خلال التقارير والتوصيات والآراء الاستشارية.
وأشار أن المرصد المغربي للسجون قام بمواكبة استباقية لصدور قانون العقوبات البديلة حيث فتح نقاشات تحسيسية مع المحامين والقضاة، كما عقد لقاء مع القطاعات الحكومية وممثلي الجماعات الترابية من أجل التحسيس بالعقوبات البديلة ومعرفة مدى استعدادهم لاستقبال الأحكام المتعلقة بالمنفعة العامة، إضافة إلى عقد لقاء مع الجمعيات لتعبئتها وقياس مدى استعدادها للمشاركة في هذا الورش.

مولاي ادريس أكلمام