الجمعة 26 إبريل 2024
مجتمع

لماذا تربع المغرب على عرش البلدان الإسلامية في دقة رؤية هلال الشهور الهجرية؟

لماذا تربع المغرب على عرش البلدان الإسلامية في دقة رؤية هلال الشهور الهجرية؟ الخبير الفلكي المهندس محمد شوكت عودة
مقارنة مع العديد من البلدان الإسلامية، عرف المغرب بالدقة التي يتميز بها في رصد بدايات الشهور الهجرية. إذ يعتمد المغرب على وسيلتين أساسيتين في عملية مراقبة الأهلة، في الثامن والعشرين من كل شهر تعلن وزارة الأوقاف عن الدعوة إلى مراقبة الهلال يوم التاسع والعشرين وتقدم أرقام هواتف لمراقبين رسميين منتشرين في أكثر من 270 نقطة مراقبة على امتداد التراب المغربي.

يتصل هؤلاء وجوبا بمصالح الوزارة المختصة لتقديم نتائج المراقبة وملء استمارة تجيب على أسئلة تدقق الرؤية وتحدد بعض مواصفاتها، ثم يتم انتظار القوات المسلحة الملكية التي تقوم كذلك بدورها في المراقبة وترسل تقريرا في الموضوع، وعندما يتم تجميع ومطابقة النتائج الميدانية يكون هناك إعلان برؤية الهلال أو عدم رؤيته.

ولا يكتفي المغرب في عملية مراقبة الأهلة بالرؤية المجردة لنظارة الأوقاف حتى وإن كانت تتم في 270 نقطة عبر المملكة بل يتم تدقيق نتائج المراقبة الميدانية ومقابلتها مع نتائج الحسابات الفلكية، التي تعتمد على آخر ما وصل إليه علم الفلك في حساب أطوار القمر والشمس وسيما غروبهما في أي نقطة من العالم والتي تتطابق غالبا مع رصد كل منهما بالعين المجردة.

من الناحية التقنية فإن الهلال إذا تم رؤيته في الشرق العربي فمن اللازم أن يظهر في المغرب العربي، لاأن ذلك يعني أنه بلغ حدود الرؤية وابتعد عن الشمس بما فيه الكفاية لإمكان رؤيته. وبما أن غروب الشمس بالمغرب يتأخر لساعات عن غروبها بالمشرق فإن الهلال يزيد ابتعادا عن الشمس ويزيد مكثا فوق الأفق الغربي.

وحسب الباحثين في الجوانب العلمية لرؤية الهلال، فإن مرجعية المغرب في مراقبة الهلال وضوابطها جاءت من علماء في الأندلس وعلماء الشرق أيضا، ومنذ قرون من التجريب ثبتت صحتها، وهي ضوابط تدرس بالخصوص في جامعة القرويين. ويعتمد المغرب معايير دولية في تأكيد رؤية الهلال.
 
ويعتبر المغرب من بين البلدان المعروفة عالميا بالدقة في رؤية الهلال، وهذه شهادات ودلائل على هذه الميزة الفريدة، التي يختص بها المغرب من بين سائر أقطار العالم الإسلامي. نذكر منها شهادة الخبير الفلكي، المهندس محمد شوكت عودة، في بحثه بعنوان" الهلال بين الحسابات الفلكية والرؤية".

وأوضح الخبير الفلكي الذي شغل منصب رئيس المشروع الإسلامي لرصد الأهلة، عضو اللجنة الرسمية لإثبات الأهلة في الأردن والإمارات، وعضو مؤسس في الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، أن معظم الدول الإسلامية، للأسف، لا تتحرى الهلال على مستوى رسمي، بل تكتفي بدعوة المواطنين للتحري، مؤكدا أن الدولة العربية الوحيدة التي تتحرى الهلال كل شهر، وليس فقط في رمضان وشوال، وتعلن نتائج التحري رسميا وبشكل فوري عبر وسائل الإعلام هي المملكة المغربية.
 
وذكر الباحث بخصوص أسباب مشكلة التحديد الخاطئ لبدايات الأشهر الهجرية، أن الحسابات الفلكية المتعلقة برؤية الهلال دقيقة، والفلكيون متفقون فيما بينهم على مواعيد الاقتران وغروب الشمس و القمر، إلا أنهم مختلفون فيما بينهم على اعتماد المعيار المحدد لبداية الشهر الهجري، إذ نرى أن اختيار المعيار ليس من اختصاص الفلكيين، بل يجب تحديده من قبل الفقهاء، كما أن الفلكيين مختلفون فيما بينهم على تحديد إمكانية رؤية الهلال، إلا أن سبب هذا الاختلاف يعزى إلى عدم إلمام بعض الفلكيين بحديث ما توصل إليه علم الفلك في هذا المجال.

و كذلك فإن عدم إلمام معظم متخذي القرار في الدول الإسلامية بأساسيات فلكية بسيطة أدى إلى تفاقم المشكلة بشكل أكبر، فإن قبول المسؤولين شهادة بعض الشهود برؤية الهلال عندما تدل الحسابات الفلكية أن الاقتران لم يحدث بعد أو أن القمر يغيب قبل الشمس عبارة عن ماساة لا تدل إلا على جهل هؤلاء المسؤولين بأبسط المسلمات العلمية، كما أن تقييم صحة شهادة الشهود برؤية الهلال هي ليس من اختصاص الفقهاء، بل ينبغي تقييمها من قبل فلكي متمرس، و لكن للأسف في معظم الأحيان يتم إصدار الحكم على صحة شهادة الشهود من قبل فقهاء ليسوا على علم بابسط المسلمات العلمية! و خير دليل على ذلك الإعلان الرسمي لبعض الدول بثبوت رؤية الهلال و القمر غير موجود في السماء أصلا! فقسم من الفقهاء يعتبر علم الفلك ضربا من التنجيم، وقسم آخر يصفه بعدم الدقة و العشوائية.
 
لا يمكن تصور حل لهذه المشكلة، وفق الخبير الفلكي، دون تضييق الهوة ما بين الفلكيين و الفقهاء و إعطاء كل جانب دوره من المسألة، فلا بد من عقد لقاءات تجمع الجانبين تناقش فيها المشكلة بشكل جدي بعيدا عن المؤتمرات الشكلية التي لا تعقد إلا لكي يدلي كل بدلوه دون استعداد لسماع الرأي الآخر، إننا بحاجة إلى حوارات و نقاشات جادة تنبثق عنها نتائج واقعية قابلة للتطبيق.

و كذلك ينبغي على المؤسسات الفلكية العمل على نشر أساسيات بسيطة عن رؤية الهلال بين عامة الناس، و ذلك عن طريق إلقاء المحاضرات لطلبة المدارس و الجامعات و كليات الشريعة والأئمة و الوعاظ، و نشر مواعيد شروق و غروب القمر في الصحف اليومية، و نشر إمكانية رؤية الهلال في الصحف المحلية عند بداية كل شهر هجري.

ومن المتطلبات الحيوية في هذا المجال الاهتمام الرسمي بالرصد الشهري للهلال، بحيث توجه الدعوة للمواطنين بما فيهم أئمة المساجد والفقهاء والوعاظ للمشاركة بعملية تحري الهلال كل شهر، على غرار المملكة المغربية.