السبت 27 إبريل 2024
مجتمع

رئيس هيئة الوقاية من الرشوة يكشف الفساد في زمن كورونا

رئيس هيئة الوقاية من الرشوة يكشف الفساد في زمن كورونا محمد بشير الراشدي، رئيس الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية
كشف رئيس للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في جلسة العمل المخصصة لتقييم الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة، بمجلس النواب، الخميس 21 أبريل 2022، عن مخرجات عدد من الدراسات والتحاليل التي قامت بها الهيئة، والتي أفضت إلى بلورة آراء وتوصيات، سواء تلك التي سبق للهيئة أن نشرتها في تقاريرها السنوية أو الموضوعاتية أو تلك التي لم يتم بعد نشرها، وذلك من أجل تزويد اللجنة الموضعاتية بمجلس النواب بالمعطيات والعناصر للمساهمة في تدعيم أشغالها المتعلقة بتقييم تنفيذ الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2018/2021.
وأوضح رئيس الهيأة أن هذا اللقاء يشكل مظهرا ملموسا للعمل المشترك والتكامل المؤسساتي والوظيفي بين مختلف المؤسسات المعنية بتطوير جودة وشفافية التدبير العمومي وتعزيز الحوكمة الرشيدة والنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
كما أننا نعتبر أن عمل لجنتكم الموقرة وما يمكن أن تفضي إليه من نتائج، ذا أهمية خاصة، لما يمثل إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية من دور محوري في بناء المشروع المجتمعي الذي نصبو إليه جميعا، وفي دعم النموذج التنموي الجديد الذي تسعى بلادنا لتحقيقه".
وأكد على أنه"استحضارا للموقع المركزي لورش تخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد، في تحقيق هذا الإصلاح، فإن هذا اللقاء الذي يندرج في إطار تقييم وتقويم البرامج والمشاريع المتضمنة في الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة، ليعد لحظة مهمة ضمن مسلسل يرمي إلى تثمين المكتسبات مع الوقوف على العقبات والنواقص وأسباب الإخفاقات لتجاوزها والاتجاه نحو فتح حقبة جديدة من الإصلاحات والتحولات العميقة ببلادنا".
وشدد رديس الهيأة على أن " رصد وتشخيص وضع الفساد وتطوره، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى محيطه الإقليمي والدولي، يمثل منطلقا هاما لفهم هذه الآفة وتمظهراتها، بهدف التمكن من تطويقها وتطوير سياسات وآليات التصدي لها.وهو ما حدا بالهيئة فتح مجموعة من الأوراش لتعزيز الآليات المعرفية وتعميق الدراية الموضوعية بآفة الفساد وتمظهراتها في بلادنا، من أجل تقوية القدرات المؤسساتية والمجتمعية لتطويقها وجعل الفساد يأخذ منحنى تنازليا ملموسا ومستداما".
ومن بين الاوراش التي تم فتحتها للوقوف على تطور وضع الفساد وتحليله، الوارد بشكل منهجي في تقاريرها السنوية، نشرت الهيئة نشرت تقريرا خاصا بالدراسة المعمقة التي أنجزتها انطلاقا من معالجة وتحليل المعطيات التفصيلية الاصلية للمصادر الأساس لمؤشر إدراك الفساد لمنظمة الشفافية ترنسبرونسي الدولية. وانكبت هذه الدراسة على تصنيف العوامل المكونة والمؤشرات الفرعية، حسب نوعية علاقتها ومستوى تأثير الإجراءات المتعلقة بها على تطور الفساد، ثم تشخيص وتحليل منحنى تطور كل عامل من هذه العوامل، على مدى أزيد من عشر سنوات، لتخلص إلى أن المؤشرات الفرعية الأكثر أثرا على الفساد، تبقى في مستويات سلبية إلى سلبية جدا بنسبة 69%، لا من ناحية الوضع ولا من ناحية التطور.
وكان من بين أهداف الدراسة المذكورة، يشرح رئيس الهيأة ، المساهمة في تدقيق الأسباب وراء استمرار الوضع الغير مرضي لتفشي "الفساد في المغرب، إذ لم تتمكن بلادنا، بعد أزيد من عقدين، من تحسين تصنيفها الا بنقطتين وتُراوح درجات متدنية، رغم الجهود الكمية المبذولة من خلال المخططات والمشاريع والإجراءات ذات الصلة بالوقاية ومكافحة الفساد".
وتؤكد الهيئة، وفق رئيسها، على "ضرورة تطوير التشخيص، بالاعتماد على آليات متجددة، على الخصوص على مستوى التحليل الميداني، لتنضاف إلى المؤشرات المعتمدة حاليا، مع إيلاء الاهتمام الخاص لتوظيف آليات البحث العلمي والإحصائي، وتنمية تطبيق تكنولوجيا المعلوميات والبيانات الضخمة (big data) والذكاء الاصطناعي (intelligence artificielle) في مجال فهم وإدراك وتتبع ظاهرة الفساد".
ومن أجل تسليط الضوء على خصوصية وضعية الفساد خلال سنتي 2020 و2021، ذكر رئيس الهيأة بأن " هذه الفترة تميزت على المستوى العالمي بالثقل الكبير لجائحة كورونا وتداعياتها، حيث أكدت كل التقارير الدولية بهذا الخصوص، من جهة، على أن هذه الجائحة ليست مجرد أزمة صحية واقتصادية، بل أيضا أزمة فساد أرخت بتجلياتها على تقويض الاستجابة العالمية، العادلة والمنصفة، لمواجهة الجائحة، وأبرزت، من جهة ثانية، أن ضعف المنظومة الصحية لدى الدول الفقيرة واستشراء الفساد فيها ساهم في إيجاد أرضية خصبة لحدوث انزلاقات ذات صلة بأفعال الفساد استغلت الطابع الاستعجالي والآني لآليات وبرامج مقاومة الجائحة. كما شددت المنظمات الدولية والمؤسسات الوطنية المعنية، على أن مقومات الشفافية والحكامة الجيدة لا تتنافى مع توفير إمكانيات مرنة وقادرة في نفس الوقت على مسايرة وتحصين العمل الاستعجالي من الانفلاتات المحتملة للفساد".
وعلى المستوى الوطني، لم يكن المغرب، يشرح رئيس الهيأة، في هذه الفترة، ليظل بمنأى عن امتدادات هذه الجائحة؛ حيث سجل تصنيفه في مؤشر إدراك الفساد تراجعا مقارنة مع 2019، الأمر الذي عزاه واضعي التقرير المتعلق بهذا المؤشر على الخصوص إلى عدم مواكبة التدابير الاستثنائية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الجائحة بإجراءات مصاحبة لضمان الشفافية والرقابة، لا سيما فيما يتعلق بالمشتريات العامة ومنح الدعم والتعويضات".
وتطمح الهيأة، خلال الحقبة الجديدة، إلى توطيد قيم النزاهة والحكامة الرشيدة وتطويق مظاهر الفساد وتحجيمه، حيث واصلت الهيئة خلال المرحلة الانتقالية، العمل التأسيسي الذي باشرته منذ 2019، بدءا بالمرافعة من أجل وضع الإطار القانوني لتمكين الهيئة من المقومات الضامنة للاشتغال بالفعالية المطلوبة وتوطيد أسس التكامل والتناسق المؤسسي الوطني؛ حيث واكبت، مسار عرضِ القانون رقم 46.19 ودراسته إلى غاية المصادقة عليه بالإجماع من طرف غرفتي البرلمان، خلال الدورة ال"استثنائية لشهر مارس 2021".
وأكد المتحدث على أن هذه المصادقة جاءت كتتويج لمسار استغرق أزيد من سنتين، تخللته عدة محطات ونقاشات معمقة، اتسمت بروح الإقناع والاقتناع والبحث عن الاتقائية بين جميع القطاعات والسلطات المعنية، مما سمح بتجاوز كل الصعوبات، بلوغا إلى تقوية الصرح المؤسساتي بإحداث هيئة مختصة ذات صلاحيات وازنة سواء على مستوى المهام التي هي مطالبة بإنجازها مباشرة أو على مستوى الدور المنوط بها لضمان الاتقائية والفعالية والتآزر بين الفاعلين المؤسساتيين، من خلال قيامها بالإشراف والتنسيق وتتبع وتقييم السياسات العمومية ذات الصلة بالوقاية من الفساد ومحاربته و" شر قيم النزاهة والشفافية والحكامة المسؤولة".
وسار إلى أن المشرع المغربي بمصادقته على هذا القانون، سهر على ترجمة المقتضيات الدستورية في الموضوع، والتجاوب مع المواصفات المعيارية ذات الصلة؛ في إطار يكرس تناغم دقيق بين مبدأي الحفاض على الاستقلالية الدستورية للهيئة من جهة، وتكامل عملها مع السلطات والمؤسسات المعنية من جهة ثانية".
وإذا كان مسار اعتماد الصيغة النهائية للقانون 46.19 قد استلزم وقتا ليس بالهين، فمن المؤكد، يشرح رئيس الهيأة، أن هذا الوقت اُسْتُثمِرَ ليشكل فرصة لتوحيد وجهات النظر وكسب الدعم الواسع، الشيء الذي من شأنه أن يفتح الأفق نحو تنزيل أكثر سلاسة وفعالية وتعبئة لجميع المتدخلين في إطار التنسيق المحكم لأدوارهم ومسؤولياتهم في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته".
وبالموازاة مع هذا المجهود التأسيسي، وفي أفق دخول القانون 46.19 حيز التنفيذ، بعد تعيين أعضاء مجلسها وأمينها العام، عملت الهيئة، خلال هذه الفترة الانتقالية، على مواصلة إعداد أرضية صلبة، مؤسسة للنقلة النوعية نحو حقبة جديدة في مكافحة الفساد في بلادنا؛ حيث توجهت جهودها، نحو بلورة المضمون الاقتراحي والإنتاج الفكري لتعزيز وإعادة تأطير الرؤية الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وتقديم الآراء والتوصيات للسلطات العمومية بشأن المواضيع ذات الأولوية ؛ بما يتوخى التماس الفعالية والوقع المباشر على الشرائح الاجتماعية الواسعة، ويسهم في إعادة بناء الثقة لدى سائر المعنيين لضمان انخراطهم في مسار الإصلاح.
ومواصلة للجهود والاولويات ذات الصلة بالخطة الوطنية لإصلاح الإدارة، كان أول عمل قامت به الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بعد تعيين رئيسها في دجنبر 2018، يتعلق بتقييم دقيق للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتقديم توصيات ترمي إلى إعادة هيكلة الاستراتيجية وتدقيق مضامين البرامج والمشاريع المكونة لها، وتقوية حكامتها وتنسيق وتتبع إنجازها، مع التأكيد على ضرورة وضع معايير لتحديد الأولويات انطلاقا من مستوى الوقع والأثر المتوخى على المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والمجتمعيين.
وذكر المتحدث أنه تم اعتماد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد خلال شهر دجنبر 2015، التي جاءت بعد مسار أطلقه المغرب منذ أزيد من 15 سنة، عبر عدة مبادرات لمكافحة الفساد، اقترنت بالتزام إقليمي ودولي تجسد من خلال الانضمام إلى عدة اتفاقيات، منها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، واتفاقية الاتحاد الإفريقي بشأن الوقاية من الفساد ومحاربته. حيث تم وضع برامج عمل حكومية، في 2005 ثم برامج عمل حكومي آخر في 2010 وإطلاق مجموعة من الإصلاحات وتعزيز الترسانة القانونية التي تهم الوقاية من الفساد ومكافحته، كالقوانين المتعلقة بالتصريح بالممتلكات وحماية الخبراء والشهود والمبلغين وإجراءات لتحسين الخدمات العمومية وتعزيز الشفافية في مجال تدبير المال العام وغيرها من المبادرات.
وتتمثل هذه التطورات المهيكلة، في الاختيار الديمقراطي للأمة، والتزام الدولة بإرساء مبادئ الحكامة الجيدة والنزاهة والشفافية، الذي كرسه دستور 2011، بشكل ثابت ومستدام، لستم بعدها إطلاق ورش إعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في سنة 2013 في إطار مقاربة تشاركية منفتحة على القطاع الخاص والمجتمع المدني، حيث تمت المصادقة على الصيغة النهائية في دجنبر 2015.
وفي دجنبر 2018، أي بعد ثلاث سنوات من إطلاقها، انكبت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ضمن أوراشها الاستراتيجية ذات الأولوية، التي أطلقتها مباشرة بعد تعيين رئيسها، على إنجاز تحليل وتقييم شاملين لها، بالنظر إلى الوضع الغير مرضي لتطور الفساد في بلادنا وإلى الإشكالات والملاحظات التي طرحتها هذه الاستراتيجية، سواء فيما يتعلق بالمقاربة أو فيما يتعلق بهيكلتها ومضامينها.
وفي هذا الإطار، جعلت الهيئة من إضفاء دينامية جديدة على الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتسريع وتيرة تنفيذها وتقوية أثرها، واحدا من أوراشها ذات الأولوية.
لأجل ذلك، انطلقت الهيئة من إنجاز تقييم موضوعي للاستراتيجية الوطنية، ولمِا تَمَ إنجازه منها، وأعدت تقريرا تحليليا وتوجيهيا، تؤكد فيه على أهمية هذه الاستراتيجية، باعتبارها إطارا عاما لقيادة وتنفيذ السياسات العمومية في مجالات التربية والتحسيس والوقاية من الفساد ومحاربته، غير أنها أكدت على أن هذا الإطار يحتاج إلى إعادة التأطير ودعمه وتعزيزه وتوجيه أولوياته، بما يضمن تحقيق الالتقائية والتماسك ودعم النتائج بالنسبة لمجموع الفاعلين في القطاعين العمومي والخاص وفي المجتمع المدني.
وحتي يتم إدراج مكافحة الفساد ضمن منظور استراتيجي بأهداف مسطرة، وعمليات محددة، وبُعد تشاركي، وآليات حكامة للتتبع والمواكبة والتقييم، قدمت الهيئة منظورها التقييمي الأوَّلي للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، مؤكدة على ضرورة إعادة هيكلتها، وتدقيق مضامين برامجها ومشاريعها، ومراجعة إطار حكامتها، وآليات تتبعها والإشراف عليها، بهدف تحسين نجاعتها وتقوية آثارها الإيجابية على الفئات المستهدفة.
ووقفت الهيئة في تقييمها لهذه الاستراتيجية على مجموعة من الأعطاب وراء الحد من نتائجها ووقعها المنشود، خاصة على مستوى هيمنة الإنتاج التشريعي والتنظيمي دون استثماره وانصهاره في إطار مشاريع وبرامج شمولية ومهيكلة، وعلى مستوى نقص الالتقائية والترابط القوي والواضح للأدوار بين مختلف المتدخلين، وغياب البعد المندمج للمشاريع، والنقص الملحوظ في مواكبة وتدعيم بعض المشاريع ذات الأثر الملموس، وطغيان الطابع القطاعي العمودي على معظم المشاريع في غياب الطابع العرضاني والالتقائية بين القطاعات، وعدم فعالية بعض حلقات حكامة الاستراتيجية، وافتقاد البعد التقييمي وقياس الأثر، إضافة إلى غياب بعض المحاور الأساسية والمؤثرة كالفساد المرتبط بالحياة السياسية والمسار الانتخابي وغيرها من العوائق التي يمكن الاطلاع عليها بتدقيق في التقرير الذي خصصته الهيئة لهذا الموضوع.
ومن أجل التقييم المذكور، واقتناعا منها بضرورة توخي الانسجام والتكامل والوضوح على مستوى التصور والبرمجة، واستهداف الفعالية والأثر الملموس والوقع الإيجابي على المواطنين، قدمت الهيئة توصياتها للنهوض بمقومات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتمحورت بشكل خاص حول أهمية الخروج بالنسبة لكل برنامج بمخطط عمل شامل يضمن التجانس والوضوح، واعتماد مخطط عمل سنوي يحدد الأولويات ويترجم إلى مشاريع مهيكلة أفقية ومجالية، وتطوير نظام للمؤشرات يشمل مختلف أبعاد الاستراتيجية، والارتقاء بنظام حكامة الاستراتيجية لضمان وضوح الرؤية والانخراط الشامل، والنهوض بالتعبئة المدعومة مباشرة من طرف كبار المسؤولين، وتبنِّي منهجية موحدة وفعالة في إدارة المشاريع، مدعومة بمنصة تشاركية مقرونة بالمؤشرات الناجعة التي تُمكِّن من التتبع وقياس النتائج المحققة.
وقد حظي تقرير الهيئة، بالمصادقة من طرف أعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، المُجتَمِعَة برئاسة السيد رئيس الحكومة بتاريخ 15 فبراير 2019، وتم اعتماد التقرير المذكور كورقة توجيهية ومؤطرة للاستراتيجية، مع تأكيد الالتزام القوي لمختلف الأطراف المعنية من أجل ضمان نجاحه؛ حيث مكنت مختلف الاجتماعات الموالية المخصصة لهذا الغرض من تسليط الضوء على أوجه التقدم المحرز على مستوى تنفيذ البرامج والمكتسبات التي تم تحقيقها، وكذا محدوديتها، كما مكنت من تعبئة وانخراط كافة الأطراف المعنية في المقاربة المعتمدة.
ورغم ما لوحظ، خلال الشهور الموالية، من تفاعل إيجابي لمجموع القطاعات المعنية، والذي تمثل في عقد اجتماعات تحضيرية تم الاجتماعات التنسيقية للبرامج العشرة للاستراتيجية برئاسة مشتركة للوزير المسؤول عن كل برنامج إلى جانب رئيس الهيئة، إلا أن الهيئة رصدت فيما بعد فتورا في تنزيل مضامين هذه الورقة التوجيهية، خاصة على مستوى الإشراف والتنسيق؛ بما رسخ العودة الى تَغْليب البعد القطاعي وحال دون ضمان إطلاق وتتبع المشاريع المسطرة كأولويات في برنامج العمل السنوي، وبالتالي لم يتحقق التقدم بالمستوى المطلوب لا في إنجاز مخط عمل أولويات 2019 ولا في مخطط 2020 الذين وضعا بشراكة مع مختلف القطاعات والسلطات المعنية.
رئيس الهيأة إلى أن تقييم نتائج انجاز الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، مكن عددا كبيرا من المشاريع من تنفيذها كليا أو جزئيا، لكن لا يزال يتعذر الوصول إلى الأهداف الاستراتيجية والتنفيذية القادرة على تحقيق التغيير المستهدف، حيث أن النقائص المسطر في تقارير الهيئة في هذا الموضوع تبقى قائمة، خاصة فيما يتعلق بحكامة الاستراتيجية والتعبئة المطلوبة على جميع المستويات بما يضمن تحديد ووضع وإنجاز الأولويات المهيكلة وذات الوقع، مع مسايرة وضمان بلوغ الأهداف المبرمجة واستثمارها في إطار ديناميكية مبنية على تراكمات مؤسسة وواعدة، رغم أن اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، منذ تأسيسها، لم تعقد إلا اجتماعين إثنين، كان آخرُهما اجتماع 15 فبراير 2019.
وعلي مستوى النهوض بمهامها في التوجيه والاشراف وبدورها كقوة اقتراحية منوط بها إبداء الرأي ورفع التوصيات والاقتراحات، بادرت الهيئة، في سياق مواكبتها للمجهودات ذات الصلة بمجال تدخلها، تقديم مجموعة من التوصيات في إطار إبداء رأيها بخصوص مجموعة من مشاريع القوانين، وقامت بتحليل التشريعات الوطنية من زاوية مدى ملاءمتها للاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، كما عملت على استهداف مجموعة من المواضيع ذات الأولوية في مجال الوقاية ومكافحة الفساد وتهييئ أرضيات تحليلية ومنفتحة على خيارات مفتوحة للنقاش، وصولا إلى استخلاص التوصيات وإنجاز تقارير مفصلة بشأنها، تَمَ نشرها أو سيتم نشرها. وهو دفع الهيئة للحرص على إصدار توصيات موضوعية وبناءة وعملية، كفيلة بتمكين الجهات المعنية من الانتقال بها من مستوى الطرح والاقتراح إلى مستوى التجاوب والتفعيل؛ حيث عملت على تحصينها بمجموعة من الضوابط، القائمة بالأساس على الانطلاق من تشخيص دقيق للواقع وللتشريعات الوطنية المرتبطة بالموضوع، والتفاعل مع المعايير والتشريعات الدولية.
وفق هذا المنظور، واكبت الهيئة القانون المتعلق بتبسيط المساطر الإدارية ، حيث اعتبرت هذا القانون رافعة لتفعيل الحق الدستوري في الولوج وفي جودة الخدمات الإدارية، وإزاحة العراقيل التي كانت وما زالت ترهق المواطن في تعامله مع الإدارة، وتعوق الاستثمار، وتشكل مرتعا لتفاعل سلوكات الفساد، كما أكدت على أهمية الاستجابة لمطلب التغلب على الإشكاليات المتعلقة بهذه المساطر، خاصة على مستوى تعقيدها وتضخم وثائقها وعدد المتدخلين فيها، مع العمل على تقوية أحكامه بمقتضيات ترتب المسؤولية الشخصية على الموظفين المخالفين لمجموعة من مقتضياته، كمطالبة المرتفقين بوثائق ومستندات غير منصوص عليها أو غير تلك المدونة والمنشورة بالبوابة الوطنية، أو مطالبته بنسخ تزيد على ما هو محدد لكل وثيقة أو رفض التسلم ورفض التوصل بملف من مواطن أو أي مرتفق؛ حيث يتعذر أو يستحيل على المرتفق إثبات سلوك رفض الإدارة التسلم إلا عن طريق المفوض القضائي، الأمر الذي لا يخدم أهداف التبسيط والشفافية في تدبير علاقة المواطن بالإدارة.
وشددت على الاستفادة من فرص نزع الطابع المادي والتقليص الأدنى للاحتكاك والتيسير والقرب التي توفرها التكنولوجيات الحديثة، في إطار منظور شمولي ينهض على التقائية متماسكة بين مكونات هذا الورش، تمكينا للمرفق العمومي من تقديم خدمات عمومية موجهة لمختلف أصناف المرتفقين بمواصفات الجودة المتعارف عليها.
كما أوصت بتقوية آليات التظلم ومعالجته بالسرعة والفعالية المطلوبة. وعلى ضرورة مصاحبة الأوراش المتعلقة بتبسيط المساطر وتقديم الخدمات العمومية، بشقيها المادي واللامادي، بمؤشرات قادرة على قياس النجاعة والجودة والوقع على المواطنين والمرتفقين.
وفي دراستها لمشروع القانون بمثابة ميثاق المرافق العمومية (قبل أن تتم المصادقة عليه)، اعتبرت الهيئة هذا المشروع أحد تجليات الانشغال العام بمسألة انضباط المرافق العمومية بمبادئ الحكامة الجيدة التي يتعين أن تُؤطر بالأساس مسؤوليها ومواردها البشرية انضباط تسييرها وجودة خدماتها، وذلك باعتبارها مبادئ لا غنى عنها لضمان انخراط المرافق العمومية في مفهوم الخدمة العامة، القائمة أساسا على الترشيد والتبسيط والالتقائية والقرب والجودة والنجاعة واستحضار منطق النتائج.
وأوصت الهيئة بتدعيم القوة الإلزامية للمقتضيات المتعلقة باحترام القانون وبضمان الاستمرارية في أداء الخدمات، مع ترتيب المسؤولية عن كل إخلال بهما، وحثت على اعتماد آليات التدقيق التنظيمي والتدبيري، ومعايير قياس الجودة وتكلفة الخدمات وآجال تقديمها، وتنفيذ الأحكام والقرارات والأوامر القضائية النهائية الصادرة في مواجهة المخالفات المتعلقة بها، دون تأخير. كما أكدت على أهمية التنصيص على احترام شفافية ونزاهة وتكافؤ الفرص في مسار التوظيف، وإقرار نظام أجور عادل وشفاف ومتماسك ومنسجم، يحفز على تطوير الكفاءات وجودة الأداء للخدمات العمومية، مع تجنب مستقبلا، منح أي تعويضات أو علاوات غير مستحقة أو غير مسندة بقواعد قانونية. ولم يفت الهيئة أن تطالب بإدراج مقتضيات تهم تطوير جودة وفعالية الميزانية والارتقاء بآليات تتبعها وتقييمها. كما أكدت على أهمية التقليص إلى الحد الأدنى لنظام الترخيص واستبداله بنظام التصريح أو دفتر التحملات أو عقود البرامج، وكذا العمل على إقرار نظام تقييم مستقل وشفاف ودوري لأي تدخل عام انتقائي "للدعم الموجه"، والحرص على اعتماد مبادئ العدالة والإنصاف فيما يتعلق بمتطلبات المس بالملكية.
وبينما قدمت الهيئة رأيها بشأن مشروع القانون المتعلق بالإدارة الرقمية، أكدت فيه على أهمية التسريع بالتحول الرقمي للإدارة المغربية، وجعله من بين الرافعات الأساسية لتجويد الخدمات العمومية وتحسين علاقة المواطنين بالإدارة، وأداة جوهرية لضمان الشفافية ومنع الفساد.
وفي هذا الاتجاه، توصي الهيئة بتخفيض الفترة الانتقالية لرقمنة الوثائق والقرارات الإدارية إلى سنتين أو ثلاث سنوات على أكثر تقدير بدل خمس، مؤكدة على أن هذا الأجل معقول، لا من الناحية الزمنية ولا من ناحية برمجة الميزانية، مذكرة بما تم تحقيقه لتدبير مستلزمات جائحة كورونا 19.
كما سجلت الهيئة اكتفاء المشروع بإلزام وكالة التنمية الرقمية، في تنزيلها للمنصة الوطنية لتبادل المعلومات بين الإدارات، باعتماد مؤشرات تقنية محضة، بدل التنصيص على اعتماد مؤشرات موضوعاتية، تهم أساسا مجال الخدمات المشتركة، والمهام المتقاطعة، والاختصاصات المتكاملة؛ بما يضمن عقلنة وترشيد الكثير من الخدمات، وتعزيز تجانسها، وتسريع إنجازها، وبما يرفع منسوب الشفافية والمساءلة في المجالات التي تحتاج إلى تضافر وتكامل الجهود بين عدة مؤسسات؛ كما هو الحال بالنسبة لمكافحة الفساد.
واستجابة منها لطلب الرأي حول مشروع مرسوم بمثابة مدونة قيم وأخلاقيات الموظف بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، بالإضافة إلى تقوية وتدقيق مقتضيات هذه المدونة، أوصت الهيئة، على الخصوص، بالتنصيص على العقوبات التي يمكن ترتيبها على عدم احترام مقتضيات هذه المدونة، ووضع تدابير للتحفيز والتشجيع على الانخراط الفعلي للموظفين في تملك مقتضياتها، وإرساء مسطرة للتبليغ عن الانحرافات السلوكية بالإدارات، واستهداف الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بمدونات لحسن السلوك تلتزم بالمبادئ العامة لهذه المدونة وتراعي الخصوصيات الوظيفية والمهنية للهيئات المذكورة. كما أكدت الهيئة على ضرورة سريان هذه المدونة على جميع مستويات المسؤولية بالمرافق العمومية، بالتنصيص الصريح على الوزراء ورؤساء الإدارات والمنشآت العمومية وغيرهم، فضلا عن ضبط المقتضيات المتعلقة بتلقي ومنح الهدايا وبمنع تضارب المصالح وبتقوية لجنة الأخلاقيات.كما أعدت تقارير أو أرضيات تأطيرية بشأنها في أفق تتبع مآلها وفتح نقاش حولها واغنائها، وذلك وفق منظور مندمج ومتكامل، يعكس تصور الهيئة ورؤيتها النابعة من موقعها المؤسسي.
ومن بين المواضيع ذات الصلة بإصلاح الإدارة، وضع إطار يلزم ويقنن التصريح بحالات تضارب المصالح؛ حيث تعتبر الهيئة أن المشرع مطالب بالتنزيل الأمثل لمقتضيات الدستور التي نصت على المعاقبة القانونية على المخالفات المترتبة عن حالات تضارب المصالح، وذلك باعتماد توجه تشريعي يضمن تدقيق المفهوم وتوحيده، ويُحدد ضوابط الوقاية والزجر الكفيلة بأن تسريَ على جميع المعنيين، وذلك بتوجيه الجهود بشكل خاص نحو اعتماد نظام التصريح الإجباري بالمصالح الشخصية المرتبطة بممارسة الوظيفة أو النشاط أو المهنة، والتصريح بكل حالة من حالات تضارب المصالح التي يمكن للمسؤول أن يواجهها والتنصيص على اضطلاع هيئة عمومية بتلقي وتتبع ومراقبة هذه التصاريح، وتخويلها الموارد الكافية للنهوض بهذه الصلاحيات، وإقرار عقوبات تَنْصَبُ على التأخر في تقديم التصريح أو عدم تقديمه أو عدم تطابقه أو عدم صحته، مع تقرير جزاءات تتراوح، حسب خطورة الأثر المحتمل للحالة، بين التأديب والغرامة والتوقيف المؤقت للأجر والإعفاء والعقوبة الحبسية والنشر العمومي للعقوبات.
وبخصوص الموضوع المتعلق بنظام التصريح الإجباري بالممتلكات، قامت الهيئة بتشخيص النظام الحالي وبدراسة مقارنة على أساس المعايير والمرجعيات ذات الصلة، لتفضي إلى التوصية بمراجعة شاملة لهذا النظام، بغاية توطيد الدور الذي يجب أن يحققه في اتجاه إذكاء دينامية في حماية الوظائف العمومية والنهوض بحكامة ممارسة المسؤولية في تدبير الشأن العام، معتبرة أن استشراف إطار قانوني موحد وناجع وفعال في هذا المجال، يمر بالضرورة عبر تأصيل رؤية جديدة لهذه الآلية الاحترازية والرقابية، انطلاقا من مرجعيتين أساسيتين؛ الأولى تتمثل في المنظور الدستوري الشمولي للحكامة الجيدة، والثانية في المواصفات المعيارية العالمية المستنبطة من الاتفاقيات والتشريعات الدولية الناجحة في هذا المجال.
وتجاوبا مع هذه المبادئ عملت الهيئة على تقييم المنظومة التشريعية الوطنية للتصريح الإجباري بالممتلكات، نبهت إلى أنها تعاني من أعطاب هيكلية تطال تعدد النصوص وعدم فعالية وتدني مستوى تجاوب الآليات التي اعتمدتها القوانين الوطنية لتأطير هذا المجال مع المواصفات المعيارية ذات الصلة.
وأوصت الهيئة بالإسراع بملاءمة أو التثبيت القانوني لمجموعة من المقتضيات المرتبطة بالمحيط القانوني لتفعيل منظومة ناجعة في هذا المجال، خاصة فيما يتعلق بجانب التجريد المادي لهذا المحيط القانوني، والذي يشمل على الخصوص، الإحالات الإلكترونية والهوية الموحدة والتوقيع الإلكتروني، والعنوان الرقمي المصدق عليه. كما حثت الهيئة على إنضاج التفكير في الصيغة الملائمة لتوسيع الشفافية وتعزيز الثقة في التدبير العام، عبر تنزيل مبدأ العلنية ومستوى إتاحة المعلومات المتعلقة بالتصريحات.
وأكدت الهيأة على أهمية التحديد الهادف للأشخاص الملزمين ولعناصر الثروة المعنية، مع توخي الضبط والدقة والتفصيل في المعلومات المتعلقة بالممتلكات، خاصة من خلال شموليتها لقيمة الملك ووقت تملكه ومكان وطريقة اكتسابه والقيمة المادية للإصلاحات التي يكون قد خضع لها.
ودعت الهيئة، في تقريرها الخاص بهذا الموضوع، إلى استثمار الإمكانات التكنولوجية المتاحة لضمان الفعالية والعقلانية للنظام المستهدف، مما سيسمح من تبني استمارة المعلومات على أساس معايير الكشف والنجاعة والتبسيط، وإرساء مساطر مضبوطة وناجعة للإحالة وتبادل المعلومات، خاصة عبر توظيف الدعامات الإلكترونية التي تسمح بالإرسال عن بعد والتفاعل، مع التأكيد على مبدأ "وثوقية" الإرسال عبر الآليات المذكورة سالفا، وكذا استعمال بروتوكول مشفر يسمح بالإرسال بطريقة آمنة، إضافة إلى وضع سجل مركزي للمصرحين.
كما أبرزت أهمية اعتماد وتيرة موضوعية للتصريح تشمل التصريح عند تولي المنصب، وبعد المغادرة، مع اعتماد مبدأ التصريح التكميلي عند حصول تغييرات مهمة في الممتلكات وعند تغيير المنصب، مع التوجه نحو اعتماد تحيين التصريح سنويا، تجاوبا مع التوجه نحو اعتماد نظام التصريح الإلكتروني، ونظام التعبئة المسبقة لاستمارة التصريح والتحين الأوتوماتيكي للمعلومات.
ومن أجل ضمان العقلنة والنجاعة في معالجة ومراقبة والتحقق من المعطيات المضمنة بالتصريحات، أوصت الهيئة بتوحيد وتشبيك قاعدة المعطيات مع الإدارات الأخرى، واعتماد نظام للتحقق من صحة التصريحات يتضمن معالجة المعطيات لاستهداف الحالات التي قد تمثل تباعد مع المعايير القياسية، مصحوبة ببرامج تلقائية ومباغتة للانتقاء. كما تضمنت توصيات الهيئة بخصوص هذا النظام، فتح قنوات لتلقي التبليغات والشكايات، واستغلال القنوات المفتوحة لتبادل المعلومات والتنسيق المحكم مع الإدارات والهيئات المعنية والمتوفرة على المعطيات المستهدفة وخاصة مع مكتب الصرف وإدارة الضرائب وإدارة الجمارك والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية ومؤسسات الائتمان والابناك الحرة، لتقريب وتقاطع المعطيات والتحقق من صحة التصريحات.
وبالنسبة للأفعال المخلة بمنظومة التصريح بالممتلكات، أكدت الهيئة على ضرورة التحديد الشامل والدقيق لها، من خلال شمول المخالفات لفعل الامتناع عن التصريح، والتصريح المتأخر عن موعد وضعه، والتصريح غير المكتمل أو الناقص، والتصريح غير المبرر، وعدم القدرة على تبرير الزيادات المرصودة في الثروة، والتصريح الكاذب، مع ترتيب جزاءات مناسبة وقابلة للتطبيق على المخالفات المرتكبة؛ بما يقتضيه الأمر من تناسب بين العقوبات الإدارية أو الجنائية، وبين المخالفات المرتكبة، وبما يستدعيه مبدأ التجاوب مع "الحرمان من عائدات الأموال المحتمل اكتسابها عن طريق ارتكاب أفعال غير مشروعة"، وكذا "الحرمان من بعض الحقوق"، مع اعتماد مبدأ نشر العقوبات، لتمكين معاينتها من طرف سائر المصرحين ومن طرف المجتمع وبالتالي لجعل هذا المبدأ رافعة للشفافية وللوقاية ووسيلة للردع في نفس الوقت.
وأوصت الهيئة بضرورة مد جسور قانونية واضحة بين قانون التصريح بالممتلكات والقانون المتعلق بالإثراء غير المشروع الذي أصدرت بخصوصه رأيا خاصا؛ بما يضمن النجاعة والانسجام والتكامل القانوني المطلوب بينهما.
أما بخصوص تثبيت وتعزيز الحق في الولوج وإتاحة المعلومات؛ فقد أثارت الهيئة مجموعة من الإشكاليات المرتبطة أساسا بمدى سريان الحق في الولوج إلى المعلومات على بعض المجالات، وبكيفية معالجة التضارب الملاحظ أحيانا بين النص العام وبعض النصوص الخاصة، فضلا عن الإشكاليات المتعلقة ببعض مظاهر القصور في النصوص المؤطرة لهذا المجال.
ولمقاربة مختلف هذه الإشكاليات، فتحت الهيئة، من خلال منشوراتها، النقاش حول مكتسبات وإكراهات إتاحة المعلومات ومبدأ رفع السر المهني، ونشر قرارات التأديب، والمعلومات المتعلقة بالتصرف في الملك الخاص للدولة، ونشر تراخيص الاستغلال، ونظام معلومات الصفقات، إضافة إلى إتاحة المعلومات المتعلقة بمجال الرواتب والأجور، وتمويل الأحزاب؛ حيث ناقشت مختلف الجوانب المتعلقة بهذه المجالات من زاوية تغليب مبدأ إتاحة المعلومات باعتباره جسرا أساسيا لتحقيق الشفافية والنهوض بالحكامة الجيدة.
وشددت على أن السياق الوطني العام يتيح حاليا فرصا ثمينة، كفيلة باستثمار التراكمات وتتمين الإنجازات، لإذكاء دينامية جديدة وقوية تروم نحو فتح حقبة جديدة لمكافحة ناجعة لآفة الفساد في بلادنا، انطلاقا من القناعة المشتركة، بأن اختلالات الحكامة وممارسات الفساد عقبةٌ كابحة للاختيار الديموقراطي وللمسار التنموي للبلاد. كما أن استثمار العوامل المواتية لتحقيق أهداف التوجهات الطموحة للبلاد، يستدعي الانخراط في التعبئة الشاملة الحالية، والتي يؤطرها سياق المصادقة على النموذج التنموي المنشود، وكذلك الإرادة المعبر عنها في البرنامج الحكومي الذي ارتقى بقضية مكافحة الفساد وتعزيز المساءلة وقيم النزاهة إلى درجة أولوية وطنية.
وأشارت الهيئة الس أنها أعدت في إطار المهام والمسؤولية الملقاة على عاتقها، رؤيا واضحة وطموحة، ترجمتها الى مشروع التوجهات الاستراتيجية المستقبلية لسياسة الدولة في مجال الوقاية من الفساد ومحاربته وكذا التدابير والأليات الكفيلة بتنفيذها، من طرف السلطات المختصة في إطار إصلاحات عميقة ومهيكلة، سيتم فتح النقاش بشأنها مع كافة الفاعلين المؤسساتيين والمجتمعيين.