الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

عبد الرحيم شراد يجيب عن سؤال الحاجة الحمداوية "مْنِينْ أَنَا وُمْنِينْ أَنْتْ آ هْيَا وِينْ"؟

عبد الرحيم شراد يجيب عن سؤال الحاجة الحمداوية "مْنِينْ أَنَا وُمْنِينْ أَنْتْ آ هْيَا وِينْ"؟ الحاجة الحمداوية وعبد الرحيم شراد

"مْنِينْ أَنَا ! وُ مْنِينْ أَنْتَ؟". عيطة، من العيوط الجميلة، التي اشتهرت بها الحاجة الحمداوية. للأسف في العيطة دائما هناك شاعر في الظل، يكتب الكلمات ويضع اللحن . وهناك مطرب يحفظ هذا الكلام لكي يردده أمام الناس و يحقق به الشهرة، دون أن يفقه معناه.

 

سأحاول اليوم أن أفتح سر هذه العيطة الجميلة. إنها تحكي قصة شاب التقى بشابة وضربا موعدا للقاء لكنه أخلف موعده. "ﯕَلْتِي تْجِي وُ مَا جِيتِي.. اَلْحُبْ بَزَّافْ عَلِيكْ ". في بداية اللقاء كان التعارف فسألها وسألته. وردّت على سؤاله في تعجب  بقول: "مْنِينْ أَنَا!" ثم أردفت، (ومن أين أنت؟) "مْنِينْ أَنْتَ آهْيَا وِينْ؟" .

 

هي لا تريد الجواب، بل هو كلام فيه دلال المرأة، و كأنها تقول له، (ولماذا تسأل فأنا وأنت من المغرب). "أَنَا مَنْ حَوْزْ اَلْمَغْرِبْ". ليس المقصود به هنا منطقة الحوز، و إنما المراد بهذه الكلمة كل الأراضي التي تحت حيازة ونفوذ المغرب . ثم تستمر في حديثها، (هل في كلامي عيب ؟). "آ اَلْخَاوَةْ مَا ﯕَلْتْ عَيْبْ؟". ثم تصمت و كأنها قرأت سؤالا في نظراته إليها لتبدد ظنونه قائلة: "عْلَى رَبِّي"، أي ما زلت لم أتزوج بعد و ليست لي علاقة تربطني بأي شاب. ألا نقول نحن هذا التعبير؟. "مَازَالْ عْلَى رَبِّي".

 

ما نفهمه من منطوق الكلام هو أن هذه الشابة قد جمعت مسبقا و قبل اللقاء ما يكفيها من المعلومات عن الشاب و أصوله، فهي مْعَاشِيَّةْ من "لَمْعَاشَاتْ" و هو قَدْمِيرِي الأصل من "لَقْدَامْرَةْ". نستنتج هذا من كلام نفس الأغنية/العيطة: "وَلَمْعَاشِي سِيدِي سْعِيدْ. مُولْ اَلزِّيتُونَةْ"، بمعنى أنها تخبره أنها من "لَمْعَاشَاتْ". وهذه عادة عند المغاربة قديما. (يقول لك الرجل مثلا أنا من مراكش فترد عليه سبعة رجال . أو يقول لك الدار البيضاء فتقول سيدي بليوط)، لهذا لم تتأخر في أن تخبره بأنها تعرف أصله بقولها: "وَا اَلْقَدْمِيرِي سِيدِي عْمُرْ. مُولَى حَمْرِيَّةْ". بمعنى تقول له: (أنت قَدْمِيرِي من دوار القدامرة جماعة الزيايدة إقليم بنسليمان).

 

 لقد عرفته بأصلها وكشفت له أن أصله لا يخفى عليها: "هَا كِيفِي وُ هَا كِيفِي وُ هَا كِيفِي" تعبير عن المحادثة والكلام العادي عند أول لقاء. كيف أنت؟ كيف أحوالك؟ إلى غير ذلك من قبيل هذا الكلام . لكنها تعود إلى فكرتها الأولى و كأنها تقول له "إن كنت أنا معاشية و كنت أنت قدميري فالمغرب يجمعنا"، و في ذلك تشير إلى البعد الروحي الذي تبناه سلاطين الدولة العلوية منذ المولى سليمان. الرابطة التيجانية فتقول: "وَا اَلتِّيجَانِي سِيدِي أَحْمَدْ مُولْ اَلْوَظِيفَةْ". (إن معنى "اَلْوَظِيفَةْ" هنا هو مجموع الأوراد التي كان يرددها سيدي أحمد التيجاني). هكذا يكون التعارف الأول قد تم بين الشاب والشابة.

 

بقي أن نطرح السؤال: ترى، هل كانت الراحلة الحاجّة الحمداوية تعرف معنى ما تردده؟ طبعا و حده الشاعر المسكين كان يعرف معنى ما كتب، غير أنه اختار البقاء في الظل.