الجمعة 26 إبريل 2024
اقتصاد

الصيدليات بالمغرب.. "متجر" يخفي في صمت محنة العاملين الاجتماعية والمادية

الصيدليات بالمغرب.. "متجر" يخفي في صمت محنة العاملين الاجتماعية والمادية قرارات الطرد التعسفي الذي أصبح متفشيا وبطرق واهية

"تعبنا وعيينا بزاف بزاف كاع .."

بات ذلك هو الشعار الذي يتأبطه في صبر وأناة ومعاناة على مدار الأسبوع العاملات والعاملون بقطاع الصيدليات ببلادنا. وضعٌ، زاد من وتيرة الحدة فيه بما تحمله تداعياته من آثار نفسية واجتماعية عميقة على كافة المستخدمات المستخدمين، تطور جائحة كورونا، فرضت سياقاتها لمحالة، ظروف العمل الصعبة والقاسية، والتأمين والأمن، ناهيك عن احترام العديد من مقتضيات مدونة الشغل المتعلقة بالتعويض عن الحراسة والأعياد الوطنية، وقرارات الطرد التعسفي الذي أصبحت اجراءاته مصاحبة وملازمة لشغيلة القطاع دون اعتبارٍ من قبل عدد من المشغّلين الصيادلة لمقتضيات قانون الشغل وأعرافه، وبعيدة في هكذا حالات، عن التداعيات الاجتماعية المترتبة عن الوضعية الوبائية في ندرة واختفاء بعض الأدوية الأساسية.

السيدة (م.ع) مستخدمة بإحدى صيدليات ابن امسيك بمدينة الدارالبيضاء، دخلت متم السنة الماضية (2021) عقدها الخامس، متزوجة، أم لثلاثة أبناء، لم تتمالك أعصابها وهي تتلقى من زبون في مقتبل العمر ولج الصيدلية بعد أن أركن سيارته قريباً منها، تاركا المحرك مشغلا وتجلس إلى جانب مقعده شابة في عقدها الثاني كما يبدو من ملامح وجها الشاحب، كلاما يفتقد لكل قيم الاحترام والتعامل المفترض حضور أدبياته وسيادته في مثل هذه الحالة بين طرفي المعاملة التجارية، بعد اشعاره بأن الدواء المطلوب مفقود، وأن الصيدلية من جانبها، وضعت بشأنه طلبا أكثر من مرة لدى الجهات الموزعة للأدوية. استشاط الرجل غضبا وهو يغادر الصيدلية، مما جاءت به المستخدمة من توضيح بخصوص عدم التوفر الدواء المطلوب من قبله وهو يكيل لها تهما مجانية، رخيصة وحاطة بالكرامة، على مرأى ومسمع من رفاقها في العمل والزبناء، لم تجد معه حينها من ردٍّ وهي تجلس القرفصاء غَيرَ "سير آسيدي الله يأخذ فيك الحق، ها الصيدلية مفتوحة جيب البوليس يفتشو إلى كنّا مخبّين هذ الدوى ديالك".

 نقابي يكشف جزءا من المستور

من جانبه قال سعيد فتح الله، الكاتب الوطني للنقابة الوطنية لمستخدمي الصيدليات المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وهو يقارب في تصريحه مآلات الوضع لمواجهة تحديات واكراهات العاملين بالقطاع، "إن طبيعة قطاع الصيدليات هو قطاع تجاري ويتميز أساسا بِصِغر الوحدات، وبقلة عدد المستخدمين في كل وحدة"، حيث أن عدد العاملات والعاملين بالوحدة يضيف "يبدأ من أجيرٍ إلى أربعة أجراء، وقد يصل العدد في أقصاه إلى سبعة"، وهو ما لا يخول لهذه الفئة حسب إفادته بمعظم الصيدليات من انتخاب مندوب للأجراء. ناهيك يضيف "عن الصعوبات التي نجدها من قبل عدد من المشغلين في اتباع نظام مندوبي الأجراء بمقتضى اتفاق كتابي"، مع استحضاره في هذا الخصوص، قلة الاطر النقابية.

وأكد فتح الله في سياق تصريحه، أن جميع اطارات الصيادلة بما فيها المجلس الجهوي للصيادلة، ونقابة الصيادلة، والصيادلة، رفعوا يقول "من سقف جشعهم بشكل مخيف"، وهو ما يشكل في تقدير المسؤول النقابي الكونفدرالي، تجاوزا صريحا لكل الالتزامات التنظيمية والقانونية، وبرر ذلك بإقدام الصيادلة على إلغاء جميع المناسبات الوطنية من دائرة العطل المؤدى عنها، وكذا التعويض عن عدد ساعات العمل التي تتجاوز المدة القانونية المنصوص عليها فيها مدونة الشغل، وكذا، تلك المدرج منها في إطار نظام الحراسة.

 الحقوق الاجتماعية للعاملين بؤرة توتر اجتماعي

لم يتأخر رد النقابة الوطنية لمستخدمات ومستخدمي الصيدليات بالمغرب المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، على ما يعرفه القطاع من تجاوز واستهتار بالحقوق والمكتسبات الاجتماعية والتضييق على الحريات، وعبّرت في بيان للمكتب الوطني، عن استنكار تنظيمها الشديد للوضع الذي وصفته بـ"المأساوي" الذي يعيش على وقعه العاملون بالقطاع سواء من حيث ظروف العمل، أو فيما يخص طبيعة العلاقة الشغلية السائدة بأكثر من "مقاولة"، أو الجانب المتعلق منه بحقوقهم المادية والأدبية، لافتة أن من شأن هذا الوضع الذي يرخي بظلاله على معظم الصيدليات، أن يضخ جرعة اضافية من مظاهر التوتر والاحتقان الاجتماعي وسط فئة  من المفترض تقول النقابة الوطنية "أن تحض لطبيعة عملها وخصوصيته المتمثلة في تأمين خدمة دوائية للمرضى والمصابين بكافة الأمراض على درجة خطورتها، بتقدير خاص من المشغلين".

وشدد بيان المكتب الوطني، في هذا الخصوص، على أن السائد في العلاقة الشغلية، وعلى خلاف كل التوقعات، وكما طالبت النقابة بذلك في أكثر من مناسبة، يقول المصدر ذاته، لم تخرج في تفاصيل تركيبتها عن اتباع عدد من المشغلين سياسة الهروب إلى الأمام في التعاطي مع انتظارات المستخدمين المادية والأدبية. لافتا أن الفوضى العارمة، أضحت العنوان الأبرز والغالب على هذه العلاقة من خلال سيادة يقول "قرارات الطرد التعسفي الذي أصبح متفشيا وبطرق واهية"، واتباع موازاة بذلك، يضيف "عدد من المشغلين سياسة الترهيب والوعيد لكل من يخالف أوامرهم المتجاوزة في مضمونها لمقتضيات مدونة الشغل"، ناهيك عن "تفشي ظاهرة الاعتقالات في حق عدد من الأجيرات والأجراء بتهم واهية".

الصيادلة وسياسة اللامبالاة

حملنا دفتر انشغالات مستخدمات ومستخدمي القطاع ووضعنا الكثير من عناوين مضامينها الرئيسة على أنظار عدد من الصيادلة بمدينة الدارالبيضاء، البعض رفض الحديث إلينا من أول لحظة بعد أن وضعناه في صورة الموضوع وطبيعته الاجتماعية، ولم يجد من مخرج للإدلاء بتصريح على أسئلتنا غير توظيف لغة "الاعتذار"، وقد علت مُحيّا بعضهم ابتسامة خفيفة سرعان ما اختفى بريق ملامحها وهو يلج مكتبه الوتير الذي يجلس إليه لماما كما سيهمس لنا بعدئذ وفي حذر شديد أحد العاملين وهو يقوم بخدمة الزبناء. في حين لم يكلف البعض الآخر، نفسه، عناء الاستماع إلى حديثنا بعد أن رمق خلسة ميكروفون كاميرا التصوير، وهو يظهر نفسه منشغلا بالحديث مع جهة ما على هاتفه النقال، مكتفيا بإرسال إشارة من يده اليسرى يعبّر فيها عن رفضه الادلاء بتصريح، دون أن يكلف نفسه عناء معرفة طبيعة الموضوع. بينما آثر البعض الآخر منهم، ودون كثير مبالاة، ترديد جملة نشاز "احنا تنعملو في إطار القانون، وما عندنا حتّا مشكل مع الخداما دياولنا".


النقابة ترفع شعار جميعا من أجل تقنين وتنظيم القطاع

كلام الصيادلة لا يستقيم في نظر النقابة الوطنية وحقيقة الوضع السائد. واعتبرت في بياناتها وبلاغاتها الإخبارية، أن المناضلات الشريفات والمناضلين الشرفاء الذين لا يقبلون في حياتهم المهنية بالذل والإهانة ولهم عزت نفس، ويريدون أن يعيشوا في جو ينعم فيه المستخدم (ة) بالحرية والكرامة والديمقراطية وحقوق الإنسان وحياة تتوفر له فيها شروط الاستقرار والطمأنينة والتطور والعيش الكريم، ركبوا موج التحدي، وأسسوا دفاعا عن كل أشكال التجاوزات والخروقات والشطط في استعمال السلطة الذي يطال الكثير منهم في أكثر من مقاولة، إطارا تنظيميا يتمثل في النقابة الوطنية لمستخدمي الصيدليات المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.

النقابة في بياناتها وبلاغاتها حددت أهداف التأسيس في الدفاع والترافع عن قضايا وهموم وانشغالات العاملين بالقطاع وتحصين حقوقهم ومكتسباتهم والعمل على تجويدها وترسيخ مبدأ الحريات النقابية.

أهداف، يعكسها بجلاء يقول ممثلو النقابة، شعار النقابة الوطنية كما هو وارد في برنامجها التنظيمي والنضالي: "جميعا من أجل تقنين وتنظيم القطاع"، مبرزين في سياق تصريحاتهم المتطابقة، أن اطارات الصيادلة تمكنوا من استغلال هشاشة البنية التنظيمية في بعض المدن وتوظيفها سلباً في استغلال صريح لموقع مسؤوليتهم وفي تعارض واضح مع مقتضيات قانون الشغل، للحؤول دون انخراط المستخدمين في العمل النقابي الذي تقوده النقابة الوطنية بطرق لم تتردد التصريحات، في وصفها بـ"المنحطة" حتى يبقى الوضع، يضيفون "كما هو عليه".

واعتبر المتحدثون في افادتهم، أن الشغل الشاغل لهذه الإطارات لا يحيد عن قاعدة "تحقيق أكبر ثروة في أقرب وقت"، إلا أنهم في المقابل يقوقون "تمكنوا من توريط المستخدمين والمستخدمات في مجالات لا علاقة لهم بها، وذلك في غياب شبه دائم لصاحب الصيدلية من جهة، وفي غياب أيضا، لقانون واضح يحمي مصالح المستخدم والمستخدمة بهذا القطاع"، الشيء الذي سينعكس سلبا تصيف التصريحات ذاتها "على اوضاع كافة العاملين المادية والاجتماعية وكذا المستقبلية".

 تلك الأسئلة.. من هو المستخدم بالصيدلية ووظائفه؟! ...

تحيط في نظر المهتم والمتتبع والباحث والمتدخل في قطاع الصيدليات، حزمة أسئلة تتعلق في جوهرها بطبيعة وخصوصية الصفة المهنية المفترض أن يحملها العامل بقطاع الصيدلة، وشكلت للضبابية التي تحيط بها لدى هذه الفئة من العمالة، مساحة واسعة من اهتمام وانشغال النقابة الوطنية، وآثرت انطلاقا من مهامهما التمثيلية، طرح ورقتها بكل شفافية وموضوعية وجرأة، والاشتغال على تيمتها بحثا عن ماهية العامل الصيدلي ووظيفته، من هنا أسَّست في أدبياتها لسؤال، "من هو المستخدم الصيدلي" (؟!)

هل هو تقني بالصيدلية؟
هل هو مساعد تقني؟
هل هو مساعد صيدلي؟

هل هو مهني بالصيدلية؟
هل هو بائع بالصيدلية؟
هل لديه شهادة تأهيلية للقيام بمهامه المهنية؟
ماهي الشروط التي يجب ان يتوفر عليها ؟
هل يتمتع بجميع حقوقه القانونية ؟
هل يتمتع بالمكتسبات: منح خاصة بعيدي الفطر والأضحى، عاشوراء، رأس السنة، الدخول المدرسي، النقل السكن...؟
هل لديه منحة خاصة عن المبيعات طبقا للقانون؟
هل يشتغل 44 ساعة في الأسبوع طبقا للقانون؟
وهل هناك مؤسسة تسهر على استكمال تكوينه كما كان في السابق سنة 1973؟


مهام ثقيلة في صيغة واجبات

لم يَحُل دفتر الانشغالات  بما تحمله من آثار وتداعيات نفسية واجتماعية مستدامة على مستخدمي الصيدليات من القيام بمهامهم المهنية بأسلوب وسلوك يرقى في تصريف خدماته إلى أسمى قيّم التعامل، تفرضها كما يبدو جليا من خلال الوقوف عند الكثير من الحالات،  خصوصية  الزبون/ المواطن، الذي لا يجد أمام وضعيته الصحية الطارئة أو المزمنة أو العرضية، من أجل الاستفسار أو الاستشارة الأولية قبل التوجه في أحايين كثيرة إلى الطبيب، أو من أجل اقتناء الدواء، أو إعداد بعض التركيبات الدوائية وغيرها، من وجهةٍ، غير المستخدم بالصيدلية. ناهيك عن قيامهم (بصيغة الجمع) بمهام ارشاد المريض إلى الطبيب المختص، وترتيب الأدوية وحفظها وفق المعايير والشروط والضوابط المختبرية، والمراقبة المستمرة لتاريخ صلاحية استعمال الأدوية.

 مهامٌ، يضطلع بإنجازها العاملون بالقطاع في ظل غياب قانون متوافق عليه تقول تصريحات وإفادة أكثر من رأي التقيناه، يحمي في مقتضيات مواده، مصالح المستخدم، ويؤهله من خلال تفعيل آلية التكوين والتكوين المستمر من الحصول على شهادة تأهيلية تخول بموجبها أفراد الهيأة من ممارسة نشاطها المهني بكل شفافية بقطاع الصيدلة.

من هنا، تبدأ رحلة البحث الهادئ حينا، والمتعب أحيانا أخر، والمليء بالمنعرجات والمنحنيات أحايين كثيرة، للعاملين بقطاع الصيدليات لانتزاع جزء من مطالبهم المعلقة، في أفق تحقيق انتظاراتهم الهاربة، وإن لم يكن القبض عليها بالشيء البعيد المنال، ولسان حالهم في النقابة الوطنية لمستخدمي الصيدليات يقول: "ذلك أمرٌ لا مناص منه، ويستوجب الكثير من النضال والتضحيات والتضامن".