الجمعة 19 إبريل 2024
اقتصاد

عزوزي بوزيد: التضخم ظاهرة مالية-اقتصادية هيكلية تدفع الأثمان في إتجاه التصاعد 

عزوزي بوزيد: التضخم ظاهرة مالية-اقتصادية هيكلية تدفع الأثمان في إتجاه التصاعد  عزوزي بوزيد
يتوقع بنك المغرب تضخما قد يتعدى 4.7% على عكس تطمينات الحكومة التي ترى بأن التضخم لن يتجاوز 1,7% ،وفي هذا الإطار اتصلت "أنفاس بريس" الأستاذ الجامعي بوزيد عزوزي و مدير سابق للمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات ISCAE الرباط وشغل مهاما متعددة منها  مدير مديرية المساهمات المالية والصناعية والسياحية  بالبنك الوطني BNDE ،واستقرات رأيه  في تضارب هذه الأرقام بين بنك المغرب والحكومة وماهي انعكاسات التضخم على القدرة الشرائية للمواطن، فاعد  الورقة التالية: 

إن المغرب كسائر دول العالم يعرف حالة اقتصادية تغني تجربته في تدبير المرحلة على ضوء المعطيات الإقتصادية الدولية من تأطير جائحة كورونا إلى ارتدادات الحرب الجارية بين روسيا الإتحادية وأوكرانيا .
إن السؤال :حول التضخم في البيئة الإقتصادية الحالية يؤثث تفكير وتخمينات المسؤولين الساهرين على تدبير الشأن العام ، لإنه مرتبط ارتباطا وثيقا بالحياة اليومية للمجتمع.
 
توطئة لقد نتج عن المناخ الدولي الحالي المتشنج اضطرابات اقتصادية ومالية عمت جميع دول العالم وتنذر بمزيد من التأرجح بين الإستقرار وضعفه وربما عدمه. 
لقد فاجئت جائحة كورونا البشرية برمتها نهاية 2019 وبداية 2020 فهزت إستقرار المجتمعات ونتجت عنها اضططرابات إقتصادية على مستوى الإنتاج وبالتالي على مستوى الإستهلاك وإرتفاع الأثمان مع صمود ساكنة العالم التي استطاعت التكيف مع تداعيات الجائحة. 
 
مباشرة بعد هاته المرحلة الصعبة إنفجرت الحرب الروسية-الأكرانية يوم 24 فبراير 2022 فكان لها التأثير البالغ على الإقتصاد العالمي وتداعيات هاته الحرب على الإنتاج والأثمان وفرص الشغل بترابط مع الزيادات المتتابعة والمسترسلة لأثمان الطاقة والمحروقات من زيت-الوقود والبنزين وغيرهما. 
فانطلقت التكهنات التي أصبحت حديث الخاص والعام في كل انحاء العالم حول إرتداداتها الجيو-سياسية  ونتائجها الجيو-استراتيجية وأبعادها الإجتماعية والإقتصادية في بعدها المعيشي المرتبط بالأثمان وبالقدرة الشرائية للمواطنين كما هو الحال في التضخم. 
                             
إن إرتفاع الأثمان يؤثر مباشرة على القدرة الشرائية للمواطن نظرا لكون المدخول اليومي أو الأسبوعي أو الشهري يفتقد المرونة المطلوبة للتكيف مع طبيعة الأثمان وسلمها؛ فسلم الأثمان يسهل الإرتفاع أكثر منه ما يساعد على الإنخفاض، فالأثمان ترتفع بسهولة كبيرة بينما إرتفاع الأجور يتطلب قرارات ومفاوضات مع النقابات إلخ. 
                             
التضخم هو العملية التي تنتج عن الزيادات المتتالية للأثمان بالموازاة مع تكدس وتزايد الكتلة النقدية والمالية المروجة في السوق المالي والتجاري الصادرة عن معهد الإصدار . 
وكلاهما التضخم والكتلة النقدية-المالية يتسابقان بإسترسال في التقدم نحو مستويات أعلى إذ يصبح إقتناء منتوج مهما قل ثمنه في "الوقت العادي" يتطلب عددا هائلا من الأوراق النقدية كما حصل خلال الأزمة الإقتصادية سنة 1929 بألمانيا إذ أصبح شراء طابع بريدي يتطلب أكياسا من الأوراق المالية. 
 
وينتج عن هاته السلسلة الملتوية عموديا والمتحكم فيها بصعوبة في فقدان القدرة الشرائية عند المواطنين . 
إن التضخم ظاهرة مالية-اقتصادية هيكلية تدفع الأثمان في إتجاه التصاعد باسترسال في كافة القطاعات الإقتصادية المنتجة وبالتالي تنعكس على القطاع الإستهلاكي بمفهومه الإجتماعي. 
 
وتجدرالإشارة إلى وجوب إيجاد فرق بين التضخموالنقص في مستوى المعيشة للمواطنين التي ينتج عنها ضعف القدرة الشرائية التي قد تنزلق إلى فقدانها . 
وهي ناتجة عن عدة عوامل سياسية كالحروب وإقتصادية كالزيادة في أثمان المواد الأولية وإجتماعية نتيجة الإضرابات التي تفرض طلبات الزيادة في الأجور. 

فالتصخم إذن هو عدم قدرة الكتلة النقدية الموجودة والرائجة في السوق المالي على مسايرة تصاعد الأثمان التي تصبح في تصاعد مسترسل ومستمر يتطلب بالموازاة وجود كتلة نقدية كافية لإمتصاص المنتجات المعروضة في السوق الشيء الذي يدفع البنك المركزي، إلى إصدار أوراق مالية بدون مقابل إنتاجي في دواليب الإقتصاد الوطني كما هو حاصل منذ مدة غير قصيرة بالولايات المتحدة الأميريكية التي أصبح فيه مصدر الإصدار FED يطبع ملايير الدولارات بقرار سياسي. 
وهذا ما بدأنا نلاحظه حاليا في عدة دول خصوصا الأوربية مع التصاعد المتتالي لأثمان المواد الأولية خصوصا الطاقة من المحروقات والغاز على المستوى الدولي الناتج عن الحرب الروسية-الأكرانية بعد التداعيات المؤلمة لآفة جائحة كورونا. 

ومما قد يؤزم هاته الحالة في كل بلدان العالم خصوصا البلدان الفقيرة والنامية هو تلوث البيئة الذي له تأثير مباشر على الطقس وانخفاض تهاطل الأمطار المصاحب للجفاف والتقدم السريع للجغرافيا الصحراوية من الجنوب تجاه الشمال. هاته الظواهر ناتجة في مجملها من فعل الإنسان بإشعال الحروب وتلويث الجو ؛ نتائج هاته المعضلات هي نقص في المنتوج الفلاحي وتربية المواشي موازاة مع التزايد السكاني المذهل، إذ تجاوز عدد ساكنة الكرة الأرضية 7,8 مليار إنسان . 
 
وبما أن الإنتاج لا يتزايد بما يكفي فإن الأثمان تتصاعد باستمرار إستجابة للقاعدة الإقتصادية المبنية على العرض والطلب، إذ كلما ازداد الطلب ارتفعت الأثمان خصوصا مع ضعف الإنتاج نتيجة للحروب أو الجفاف أو غيرهما، وهذا هو الأساس الذي يبنى عليه التضخم وتنطلق منه القدرة الشرائية الضعيفةللمواطنين في كل بقاع العالم.
 
تحديد مستوى التضخم 
يتم تحديد النسبة المئوية للتضخم ويتم تقييم مستواه بمعادلات تختلف من مؤسسة لأخرى. 
فقد تجد عددا من مؤسسات الإحصاء وغيرها تستخرج نسب مئوية للتضخم مختلفة بعضها عن بعض لدولة معينة، كل هيئة تدمج أو تنقص معطى إقتصاديا معينا حسب منظورها وحسب النتيجة المتوخاة من المعادلة المستعملة. 

فهاته المؤسسات المختصة والمتخصصة في الدراسات الحيسوبية والرقمية تقدم نسبة مئوية للتضخم لدولة ما حسب مؤشرات أثمان الإستهلاك التي تستعملها حسب زوايا تختلف من مؤسسة إلى أخرى. ومما يزيد إشكالية التدقيق في تحديد نسبة التضخم في كل الدول حاليا هو الضبابية التي تغطي الآفاق الإقتصادية لكل بلدان العالم التي تعرف حاليا عدم إستقرار كبير جدا ؛ فالعالم يعرف هزة كبرى وأصبح في منعرج كبير جدا  مع التحولات الجذرية التي دخل فيها منذ نهاية القرن الماضي والتي تتأكد منذ بداية القرن الواحد والعشرين. فهذا المنعطف يجعل تحديد أرقام التضخم أمرا صعبا جدا لأن جميع الفرضيات تبقى تقريبية وحتى نظرية ما دامت أن المعطيات تتغير من الصباح إلى المساء ومن المساء إلى الصباح الموالي.
 
التضخم والتنمية الإقتصادية 
هذا الواقع أصبح يحتم على مدبري الشأن العام في القطاعات الإقتصادية والمالية المتابعة الدقيقة والحازمة والحاسمة لمحاولة ضبط الواقع الوطني والدولي المتولد في كل برهة وفي كل آن على ضوء المستجدات المتسارعة، لما لهاته المتابعة من أهمية من حيث التداعيات الإجتماعية الجد حساسة والإرتدادات السياسية المتفاعلة مع الأبعاد الوطنية والدولية.
 
إن نسبة التصخم في بلادنا عرفت خلال السنوات العديدة الماضية إستقرارا ملحوظا كانت آخرها 1,4% في 2021 .إلا أن هاته النسبة قد تصل إلى 4,7 % خلال السنة الجارية قبل أن تعود إلى اقل من 2% خلال السنة المقبلة 2023 .وقد نسجل تباين هاته النسب المستنتجة من طرف مصدر الإصدار-بنك المغرب مع التي يستخرجها أطر المندوبية السامية للتخطيط . 
كما أكدت أعلاه ، هاته النسب تختلف من مؤسسة إلى أخرى حسب "مؤشرات الأثمان المستعملة" في المعادلات والمعطيات التي تأخذها كل مؤسسة حسب الزاوية المالية والإقتصادية والإجتماعية التي تنظر منها وترى أنها هي الأفيد للطرح المعمول به من أجل المصلحة الوطنية . 

مصدر الإصدار بنك-المغرب يشتغل مع القطاعات الحكومية وقطاع الأبناك والمال والقطاعات الإقتصادية الفاعلة الصناعية منها والفلاحية والسياحية والتجارية والخدماتية وغيرها مما يؤهلها بالعمل بلوغارتمات ومعادلات مستقاة من المصادر الإقتصادية والمالية التي هي مدعوة بأن تقدمها في ملفات رسمية  معتمدة. 
من باب المقارنة فنسبة التصخم في مصر وصلت إلى 10% خلال فبراير 2022 ، وقد كانت 4,9% خلال نفس الشهر من سنة 2021 .

وفي تونس فقد تأرجحت نسبة التصخم ما بين 5,6% إلى 6,6 % .أما في تركيا فقد وصلت نسبة التضخم 48,69% .
إن الواقع الإقتصادي الذي تعيشه الدول المتقدمة الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية وكندا واليابان وأستراليا أصبح على كف عفريت نتيجة تداعيات وباء كوڤيد. 19  تلتها الحربالروسية-الأكرانية والعقوبات المطبقة على روسيا وما بدأ يتراءى من نتائج إرتدادية على إقتصاداتها ونذير بانخفاض نسبة النمو التي بدأت تتدحرج وحركات إجتماعية إحتجاجية نتيجة لارتفاع نسبة التضخم وإرتفاع أثمان كل المنتجات المعروضة في الأسواق. 

لقد أصبحت نسب التضخم في هاته الدول المتقدمة عالية نسبيا أو جدا لما عرفه مواطنوها منذ أشهر يناير وفبراير ومارس 2022  من إنخفاض في مستوى معيشتهم وتدني قدرة شرائهم حتى أصبح عدد كبير منهم يتفقد قوة يومه من القمامات بكل جرأة. 
حصل هذا حين قفز ثمن البترول إلى مستوايات جد مرتفعة، فمحروق برينت قفز إلى 140 $ للبرميل بداية شهر مارس المنصرم قبل أن ينزل إلى 95,8 $ للبرميل وقفزت نسبة التضخم خلال شهر فبراير إلى 7,9 % في الولايات المتحدة الأميركية، نسبة لم تعرفها منذ حوالي أربعة عقود بعد أن كان في حدود 4,7% نهاية 2021 ؛ ومن المرتقب أن يصل ثمن البرميل إلى 106,8 $  في الأفق المنظور. 
 
من الواضح على ضوء ما سلف أن نسب النمو الإقتصادي ستعرف تقلصا كبيرا نهاية 2022 وربما حتى 2023، على ضوء المعطيات والمؤشرات الوضعية، كما أكدت أعلاه، إذ أن جميع الإحتمالات ممكنة وكل الفرضيات واردة. 
أعتقد أن الأزمة الإقتصادية العالمية الراهنة هي فرصة سانحة للدول النامية بإن تضغط على زر السرعة لوضع إستراتيجية الإنطلاق إلى الآفاق الواعدة عبر البحث العلمي بالمختبرات وتهييء المجتمع بكل مكوناته عبر منظومة تعليمية متنورة تواكب التطور العلمي في إطار حضارة إنسانية ترشف مقوماتها من القيم الإنسانية.