الأربعاء 24 إبريل 2024
فن وثقافة

احتجاج المثقفين باليوسفية... نقطة نظام من أجل الحق والدفاع عن القيم الإنسانية

احتجاج المثقفين باليوسفية... نقطة نظام من أجل الحق والدفاع عن القيم الإنسانية أكد الناقد نور الدين الطويليع على أن المثقف المغربي يوجد في وضعية استثنائية

اعتبر الباحث والناقد نور الدين الطويليع في ورقة أرضية "يوم احتجاج المثقف" بمدينة اليوسفية يوم السبت 26 مارس 2022، أن الحدث محطة نضالية تحت يافطة الثقافة، وبواسطتها، في إطار نقطة نظام، تنادي باحترام قيم "تَامَغْرَبِيتْ" التي تتعرض لمعاول الهدم، وتدعو إلى احترام المغاربة في كرامتهم وأقواتهم ومستوى عيشهم.

وقد حضر اللقاء بفضاء المقهى الثقافي "موكادور"، ثلة من النخبة المثقفة بمدينة اليوسفية، منهم رجل التعليم، والإعلامي والباحث والأديب والشاعر والمسرحي والمبدع والفنان الموسيقي والتشكيلي إلى جانب عدة فاعلين جمعويين كان لهم الفضل في خلق التراكم الثقافي بمدينة الفوسفاط.

وأكد الناقد نور الدين الطويليع على أن المثقف يضطلع، في وضعية مغربية استثنائية، بمهمة رسول اجتماعي، انتدبته المرحلة والتاريخ، ليؤدي تراتيل الرفض والاحتجاج، ويقيم في الناس صلاة الكلمة الصادقة السامقة، والمشاكسة في الآن نفسه، كلمة لا يتوقف فيها عند حدود الرصد والنقد وإطلاق الآهات، ولا يبرح من خلالها سفح التمني والرجاء، وإنما يسمو إلى الأعالي بقوته الاقتراحية التي تقدم البدائل، وتقترح الحلول التي من شأنها أن تنقذ السفينة من الغرق، وتخلص المجتمع من أشواك الجهل والنسف والتدمير والإحباط، وتجعل الطريق واطئا لقراءة الواقع وتغييره من منطلق تكليف رسالي، يبوئ حامله صفات المثقف العضوي المشتبك مع الجماهير، والمعبر عن نبضها، والحامل لهموم الكادحين والمحرومين وأبناء السبيل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وهو المؤهل وحده، لا شريك له، لأداء هذه الرسالة.

واستشهد في ورقة الأرضية الثقافية نور الدين الطويليع بمقولة للمفكر إدوارد سعيد في كتابه (المثقف والسلطة): "لم يحدث أن قامت ثورة كبرى في التاريخ الحديث دون مثقفين...فلقد كان المثقفون آباء الحركات وأمهاتها".

وجاء في فقرة من ورقة يوم احتجاج المثقف: "حتى لا تبقى الجهود مشتتة، ويظل كل منا يبكي على رسومه الدارسة وأطلاله البالية، وحيدا منفردا، منكفئا على ذاته، ولكي لا يتسرب اليأس إلى النفوس، تَطرح فكرة التكتل، في إطار حركة احتجاجية ثقافية، نفسَها بقوة، لأن الجماعة أكبر من عدد أفرادها".

ولأن واقعنا الحالي موسوم بالتكتل، أشار الإعلامي نور الدين الطويليع إلى أن الفساد متواشج، يشد بعضه برقاب بعض، والجهل مركب، تلفه ظلمات بعضها فوق بعض، وسلسلة التراجعات الاجتماعية والحقوقية والاقتصادية متواشجة، لا وجود فيها لحلقة مفقودة...".

وأوضح من خلال أرضية اللقاء بأن الأمر يقتضي منا أن نترك أبراجنا العاجية، ونهدم الهوة الاستعلائية التي تفصلنا عن المجتمع، وأن نحمل مبضع تشريح الواقع، ونقاوم، بناء على ما رصدناه من اختلالات، أورامه السرطانية، ونقدم ورقة العلاج التي من شأن إتقان لغتها، والجرد الدقيق لعناصرها أن يساهم في التعجيل بالتعافي والتماثل للشفاء، في صورة وعي جماعي يُشعر كل فرد في المجتمع بالحاجة الملحة إلى التغيير، ويجعل الطرف الآخر يسمع الطَّرق على الجدران، ويخترق سمعَه نداءُ التغيير، فيبادر إلى فتح الخزان قبل أن تتطور الأمور إلى الأسوأ، وتنتهي الحكاية بموت مأساوي، تُشيَّع فيه أحلامُنا إلى مثواها الأخير.

من جهة أخرى أشار منسق يوم احتجاج المثقف بمدينة اليوسفية (الإعلامي والفاعل الجمعوي أحمد فردوس) إلى مجموعة من الأعطاب والاختلالات التي يعرفها المشهد الثقافي مستندا على قولة الروائي والكاتب شعيب حليفي بأن "الثقافي جزء من المجتمع في أجلى صوره. والمثقف هو التّيرموميتر والسكانير الذي يُخبر بما هو كائن. وكما في كل عصر بالنسبة للثقافة، هناك الحقيقي والمزيف". على اعتبار أن "المزيف سريع العطب لأن صلاحيته منتهية، أما الحقيقي فموجود ويصارع. وقد يخبو أو يستريح ولكنه يعود...يمكن أن نجد هذا في مجالات الفنون مثل السنيما والمسرح والفيديو والغناء وكل أشكال الفرجة.. لأنها الأقرب إلى كل الفئات والتي تريد أن ترى فيها نفسها وترى مستقبلها وتوقظ أحاسيسها وتربط وعيها بالراهن والآتي".

إن تراكمات "المثقف" على المستوى المحلي أو الوطني تؤكد أن الثقافة والفن لعبا أدوارهما في ترسيخ قيم تامغربيت الحقيقية، دون أن ننسى أن "سيرورة الصراع الدائم والأزلي بين السلطة والثقافة باعتبارها مجموعة من القيم العليا التي تنشد العدل والكرامة والعيش الكريم والآمن، كانت هناك وسائل "قذرة" وشيطانية، إما في محاربة الثقافة والمثقف بشكل مباشر أو غير مباشر بالإقصاء والتهميش، أو باحتوائه وتدجينه ليتحول إلى جزء من السلطة وصوتا لها". حسب الباحث شعيب حليفي

ومن المؤكد أن هناك أمل كبير في تجديد النخبة المثقفة لأننا ـ في بعض الأحيان ـ لا نرى إلا الجزء المظلم، و"ننسى أن المثقفين في المغرب أسسوا لثقافة الصراع في أبهى صورها منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي". لذلك فإن الدعوة إلى احتجاج المثقف يوم السبت 26 مارس 2022، هي خطوة أولى، في صيغتها الثقافية، وهي استمرار لما أسسنا له، منذ فبراير 2010 في حركة وُسمت بالمراصدة ونجحت في إحداث رجّة وأسئلة مثل أسئلة اليوم، حول دور المثقف، هل هو في ما ينتجه، فنيا أو إبداعيا أو فكريا وعلميا، يكفي ليؤدي دوره، أم عليه في حالاتنا وما يطبعها من تخلف، أن يسهم بشكل مباشر. وفق تشريح الأستاذ شعيب حليفي الذي يرى بأن "النخبة المثقفة دائما حيّة وتمارس دورها. فقط، بعض الشروط تجعل الأمر أحيانا لا يبرز بشكل واضح، وفي أحيان أخرى يتعذر لأسباب متعلقة بموازين القوى وأحيانا ببعض الانتكاسات. لكن المثقف المغربي لا يمكن أن يتخلى عن دوره أبدا".

في سياق متصل قال عبد الإله أزدو خلال فتح النقاش "كل من ينشد تغييرا إيجابيا داخل المجتمع بفعله وإنتاجه الثقافي الجاد والملتزم، سواء بالموسيقى أو الشعر أو المسرح أو السينما أو الفكر والإبداع في فهو مثقف". وأكد في سياق حديثه بأن الأنشطة الثقافية داخل المؤسسات التعليمية تلعب دورا مهما في تأطير الشباب وتسليحه بالقيم، مركزا على مقولة "لَأَنْ تَبْنِي قاعة للأنشطة بمؤسسة تعليمية خير من أن تضيف قاعتين للدّرس". على اعتبار أن قاعة الأنشطة هي المشتل الحقيقي لمحاربة الهدر المدرسي وتأطير الشباب. واستغرب قائلا: "كيف يعقل أن مجموعة من المؤسسات التعليمية تشيد اليوم دون استحضار قاعات الأنشطة الثقافية والفنية والبيئية". وشدد في مداخلته على أنه "يجب العودة إلى تكثيف الأنشطة وخلق الأندية بالمؤسسات التعليمية (سينمائية وبيئية وفنية ومسرحية...). لأن الرهان اليوم على نساء ورجال التعليم للعب أدورهم (ن) في إشاعة العلم والمعرفة وتحبيب مختلف الفنون للتلاميذ من داخل المؤسسات".

وتقاسم أغلب المتدخلين عامل تراجع الفعل الثقافي على المستوى المحلي والوطني، وغياب المثقف في الساحة الثقافية لعدة أسباب ترتبط بالسياق الوطني الذي عرف انتكاسة ثقافية بعد أن تحول "الداعية" إلى "مثقف وعالم" وتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى فضاءات تنوب عن المؤسسات الثقافية والفكرية والإبداعية وتمرر المغالطات في شتى الميادين. في الوقت الذي كان "المثقف" يقود التغيير ويطرح الإشكالات وينتقد السياسات العمومية والاختلالات والأعطاب التي تطفو على سطح المجتمع المغربي ويطرح البدائل الممكنة.

وقد أقر المتدخلون في يومهم الاحتجاجي بأن هناك تراجعات خطيرة تمس قيم تامغربيت، داعين إلى ضرورة الترافع عن الحق في العودة إلى الثقافة والفكر من خلال إقامة الندوات والمحاضرات وتنظيم مهرجانات ثقافية وفنية وتراثية والتي راكمتها عدة تجارب جمعوية بشراكة مع مؤسسات اقتصادية واجتماعية وقطاعات تهتم بالشأن الثقافي والفني.

وفي سياق متصل وجه المتدخلون الدعوة إلى المؤسسات المنتخبة وقطاع الفوسفاط والسلطات المعنية إلى ضرورة إعادة فتح مجموعة من الفضاءات ذات الصلة بالثقافة في وجه الشباب، وتجهيزها (المركز ثقافي، دار الشباب الأمل، قاعة الأفراح التابعة للفوسفاط، قاعة سينما الحمراء التي تتعرض للتدمير، نادي الفروسية التقليدية بقطاع الفوسفاط،...).

وفي ختام يوم احتجاج "المثقف" تم الاتفاق على إصدار بيان يرصد كل الأعطاب والاختلالات التي مست المشهد الثقافي محليا ووطنيا، وطرح البدائل الممكنة من أجل نهضة ثقافية تعيد للمثقف أدواره الطبيعية في المجتمع.

 

 

 

ملاحظة:

تمت يوم السبت 26 مارس 2022، مواكبة نشاط مركز عبد الله العروي للبحث العلمي والابداع بمدينة الشماعية خلال مناقشة تجربة الباحث مصطفى حمزة المتخصص في التاريخ المحلي والجهوي، وخلاله تمت أيضا مناقشة يوم احتجاج "المثقف" وسياقها الوطني والمحلي بحضور شباب وفعاليات المدينة حيث سيصدر ثلة من المثقفين بالشماعية عاصمة أحمر بيانا في الموضوع.