الثلاثاء 7 مايو 2024
كتاب الرأي

رشيد يحياوي: الكلمة لروسيا..بوتين يحقق مكاسب لم تكن في حسبانه

رشيد يحياوي: الكلمة لروسيا..بوتين يحقق مكاسب لم تكن في حسبانه د/رشيد يحياوي
تتسارع الأحداث في أكرانيا بنحو أكبر من حسابات بوتين وذلك بتحقيق أهداف أكثر مما كان يصبو إليه. وعليه فإن رياح بوتين تجري بما لا تشتهيه سفن دول أوربا. فمكاسب الروس بعضها تحقق في الحين والبعض الآخر سيتكشف قريبا مع مرور بعض الوقت.
ذلك أن مطالب بوتين التي كانت في بداية الأزمة تتمحور حول الاعتراف الدولي بروسية إقليمي الدونباس ولوغانسك وكذلك شبه جزيرة القرم، ثم ضمان حيادية أكرانيا وعدم انضمامها إلى حلف الناتو تم تجاهلها من طرف بلدان الغرب، بل زايدت وأزبدت في فرض عقوبات على كل ما يسمى روسيا، فلم تستثن في ذلك إنسيا، ولم تراع صحيحا كان أو معاقا، سياسيا أو رياضيا ولم تستفت في ذلك حكما أو قاضيا. مما أكسب بوتين شعبية في الداخل الروسي وخارجه وانبهار من طرف الكثيرين به واعجابهم بشخصيته الصلبة وبسياسته الثابتة.
ولنبدأ تحليلنا من خلال هذه الشعبية التي اكتسبتها شخصية الرئيس بوتين، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن أزيد من 50 بالمائة من الفرنسيين يؤيدون بوتين ومقتنوع بأسباب تدخل جيشه في أكرانيا. و بالمقابل هناك استهجان لسياسة أمريكا وحلف الناتو في تعاملهما مع الجارة الأكرانية حين شجعوا أكرانيا على تقديم طلب الانضمام للناتو و لكن تركوها عند اللشدة تواجه الدب الروسي دون سند بشري فعلي مباشر، بل اكتفيا بضخ معدات حربية و بعث قوافل مرتزقة تزيد من إشعال لهيب نار المواجهة بدفع الروس لاستعمال أسلحة متطورة جدا لا قبل للعالم بها .
كذلك لوحظ استنكار واسع للطريقة الانتقائية التي تعاملت بها دول أوربا مع أصناف الجنسيات الهاربة والمهاجرة من أكرانيا.
وعبر عن سأم عام من المنطق العقابي الأمريكوأوربي على روسيا وقبلها دول ممانعة مثل الصين، و الذي أصبح هجينا تذروه رياح شعوبها المتضررة منه في المقام الأول، وهي التي خبرت أن العقوبات الاقتصادية و الديبلوماسية وحتى العسكرية لا تنفع إلا في زيادة أمد الأزمة(كما هو الحال أيضا مع فنزويلا، إيران، كوريا كوبا و حتى روسيا من قبل).
ثم إن العالم الذي كان ملتفا على أمريكا لم يعد كذلك إطلاقا،إلى درجة أن السعودية التي كانت اللبنة والدعامة الأساسية لاعتماد الدولار في المعاملات البترولية منذ عام 1974 وتبعتها باقي دول العالم منذ ذلك الحين، بدأت تتخلى عن هذه السياسة وأعلنت أنها يمكن تسديد مستحقات مبيعاتها من النفط للصين الزبون الكبير بعملات غير الدولار -في سابقة- مثل ألوان الصيني، على غرار ما طبقه بوتين على الدول الغير صديقة عندما فرض تسديد ثمن مشترياتها من النفط والغاز الروسيين بالروبل. كل ذلك زاد من حنق بايدن وخرجاته الهزلية التي خصت شخص الرئيس الروسي بنعوت لا تحترم الأعراف الديبلوماسية، وهي بعيدة عن اللغة الرزينة العقلانية بحيث تضيق فرص التوصل الى حلول سلمية في أكرانيا وتؤزمها، بعكس ما تسعى إليه الدبلوماسية الأكرانية والروسية ذاتيهما وغيرهما من الدول الصديقة وطبعا باقي شعوب العالم.
كيف يمكن فهم هذا؟
هل هو ضغط نفسي؟ أم هو جزء من المقاربة الأمريكية؟
الآن أمريكا عاجزة عن التدخل عسكريا في أكرانيا، وبالتالي فهي تريد تغيير حسابات بوتين بالضغط على الداخل الروسي؟ أم هي حسابات تتعلق بكسب الناخب الأمريكي والأوربي؟ هل هي مواجهة مع شخص بوتين؟ أم هل أصبح بوتين بالفعل هاجسا لساسة أمريكا والاتحاد الأوربي؟
كل ذلك يخدم مواقف بوتين عندما يكشف سياسات الغرب في خطاباته التحليلية الدقيقة واكتشافات عسكره الميدانية على غرار فضح وجود مختبرات بيولوجية أمريكية بأكرانيا وعلاقتها المباشرة بابن الرئيس بايدن.
بل إن منع قنوات سبوتنيك و(آر تي) من البث في أوربا وأمريكا قد عرى زيف ادعاءات الغرب برعاية حقوق الرأي والتعبير.
من جهة أخرى، فإن الأزمة الأكرانية ساهمت في الكشف عن سوأة الإمبراطورية الكارطونية الأوربية للمخدوعين بها، باعتبار أنها كانت تتغذى على خيرات روسيا وتتدفأ بغازها وتتنقل بنفطها (وقبل ذلك كانت مكسية ومتخمة بخيرات مستعمراتها الإفريقية، الآسيوية و الأمريكولاتينية)
يجب التنبيه إلى أن الهجوم على روسيا اقتصاديا تم منذ سنين وبالضبط منذ ضم شبه جزيرة القرم وكان يتم التحضير لمحاصرتها جغرافيا، وروسيا بفعل تفوقها الاستخباراتي لم تكن غافلة عن ذلك طبعا وبذلك قامت بحملتها العسكرية التي اعتبرتها ضرورة حتمية لم تستطع تجنبها وهذا ما يفسر هذا التدخل في أكرانيا الذي له تبعات مدمرة من كل المستويات ...
والطرف الغربي له فكر ليبرالي يقدم المصالح الاقتصادية فهو لا يهمه معاناة الشعب الأكراني ولا يعنيه موضوع إطالة أمد المواجهة العسكرية، بل العكس فهو يستثمر هذه الأزمة. وما إصرار أمريكا على توريط روسيا و بالدرجة الأولى أكرانيا و تأزيم الوضع بها -رغم ما يظهر خلاف ذلك-وتفخيخ المحادثات الرامية للسلم الكوني إلا علامات شؤم وإشارات على حقائق تغفل عن العامة و كثير من الخاصة إلى أن ما تخفيه أمريكا لتشريد الشعوب و تفرقتها كعادتها أعظم بكثير مما يقال ويحكى عبر آلياتها الإعلامية، الغربية منها والخليجية والتي تخدم من حيث لا تدري سياسة بوتين و تكسبها بفضل جهلها ما لم يكن في الحسبان.