الثلاثاء 23 إبريل 2024
سياسة

هذه أسباب استقالة المثقف وانكفائه عن الخوض في القضايا العامة

هذه أسباب استقالة المثقف وانكفائه عن الخوض في القضايا العامة محمد بوكرمان محام وعضو اللجهة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة فاس
تتحدث هنا عن نخبة المجتمع المشكلة للفئة المثقفة بالمعنى الذي لا تشكل فيه هذه الفئة وفقط انتليجانسيا لتفسير الواقع وتشخيصه وإعادة تركيبه فكريا وابداعيا بل تتعدى ذلك لتشكل طليعة لتغيير هذا الواقع، بهذا المفهوم فإننا نتبنى الانحياز الغرامشي لأطروحة المثقف العضوي الذي يعتننق هموم ومشاكل مجتمعه وينحاز لقضايا فئاته المضطهدة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ويكرس دوره الثقافي للدفاع عنها. هكذا شكل فلاسفة الأنوار بأوروبا بدورهم الثقافي قاطرة الانتقال الاجتماعي والاقتصادي من مرحلة إلى أخرى إلى جانب الفنانين والروائيين الذين بصموا مرحلة تاريخية كاملة بإبداعاتهم التي شكلت بوصلة للمجتمع برمته.
وطنيا كان للمثقفين دور محوري في مشاريع الإصلاح التي عرفتها المملكة منذ مشروع دستور 1908 إلى وثيقة المطالب الإصلاحية لسنة 1934 الى الانخراط في معركة الاستقلال والتي شكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال  11 يناير 1944محطتها المركزية.
كما كان للفئة المثقفة دور أساسي في معركة الإصلاح الدستوري والسياسي ما بعد الاستقلال، والتي ساهمت في ارساء نظام دستوري يؤسس للتعددية الحزبية.
كما كان لها الفضل الكبير في التأسيس لمنظومة القيم والدفاع عن تفعيلها والنهوض بها وحمايتها على جميع المستويات السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية.
إلا أن دور النخبة المثقفة ما فتئ يعرف تراجعا مضطردا منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي، كان أهم ملامحه انكفاء أغلب المثقفين عن الخوض في القضايا العامة وانفصالهم عن هموم المجتمع، وهي الوضعية التي تعمقت مع مرور الزمن رغم التطورات والأحداث التاريخية  التي عرفها المجتمع والدولة على السواء، والتي كان من شأن مشاركة المثقفين فيها أن يشكل مساهمة تاريخية نوعية في مسار تطوره.
وإذا كانت بعض القراءات لوضعية انكفاء النخبة المثقفة قد أرجعت ذلك إلى ما سمي بـ”الوعي المتأخر للمجتمع” الذي يعيق أي انعطافة أو تقدم تاريخي في هذه المرحلة التاريخية التي يعيشها المجتمع، فإن التجربة السياسية ابانت على أن المجتمع في غير يسير منه لا ينظر بعين الرضا للمثقف كحامل للواء الإصلاح.
وهو ما نلحظه من خلال استقراء المنافسة الانتخابية التي تكون فيها الغلبة في غالب بل في جميع الأحيان لفئة الأعيان وليس للنخبة المثقفة، بانتصار الناخبين للفئة الأولى على حساب الفئة الثانية.
إن النخبة المثقفة بقدر ما انخرطت في مختلف قضايا المجتمع، فان الفئات الاجتماعية لم تنصف هذه النخبة، والتي شعرت بالخدلان وتشكلت لديها قناعة  بأطروحة “التأخر التاريخي للمجتمع” والمعيق لأي تطور واعي لأوضاعه على المستوى المنظور.
إن انكفاء المثقف عن الخوض في القضايا العامة بالشكل الذي تشكل فيه النخبة المثقفة ضمير المجتمع بالدفاع عن منظومة القيم والدعوة لاحترامها من قبل الجميع مجتمعا ودولة وتنظيمات، ورغم ما يساق من تبريرات لذلك، يشكل عطبا بنيويا في مسار تقدم ممارسات الفاعلين وفي بناء وتفعيل منظومة القيم.
هذا الدور الذي يجب استعادته بإرجاع الثقة للمثقف في دوره التاريخي من جهة واسترجاع ثقة المجتمع في نخبته المثقفة من جهة أخرى. أما آليات تحقيق ذلك فتحتاج إلى إبداع مشروع ثقافي مجتمعي يؤمن بالمعرفة والثقافة والعلم كرافعة لأي تطور مجتمعي، خاصة مع ما نعيشه من تطورات اقليمية ودولية تهدد كيانات الدول الوطنية وانتشار مخاطر الإرهاب المعولم على الدولة والمجتمع على السواء.