Saturday 2 August 2025
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: هذا المغرب.. الذي صار صعودُه مصدر قلق!!

 
محمد عزيز الوكيلي: هذا المغرب.. الذي صار صعودُه مصدر قلق!! محمد عزيز الوكيلي
سبق لي، في مقال سالف، أن تطرقتُ للمسار التصاعدي، الذي يرسمه المغرب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً... وكيف أنّ ذلك يشكّل مصدر انزعاج متفاقم لدى الجار الشرقي المصاب بكل الآفات، إلى درجة تجعله يعتبر كل تقدم وتطور لبلادنا في أي مجال من المجالات بمثابة مساسٍ خطير بأمنه وسيادته الوطنية، وهو الذي قدم الدليل على أنه لا يفهم، في موضوع السيادة خاصةً، إلا كما يفهم الحمار المُحَمَّل بالأسفار والمجلدات في مضامين حُمولتِه!!

بيد أن هذا القلق لم يقف عند حدود ذلك الجار، بل صار، ربما بطريق العدوى، يصيب دولاً وأنظمة أخرى، بعضها في مثل هوان جارنا الشرقي يأكله الحسد وتلسعه نيران الغيرة، مثل تونس، وبعضها الآخر يشعر بأننا صَعَّبْنا عليه مأمورية المنافسة، مثل مصر وجنوب إفريقيا، أقصد منافستنا نحن، في مجالات إنمائية غير قليلة، من بينها صناعة السيارات وتصديرها؛ وصناعة قطع غيار الطائرات وتركيبها؛ وصناعة النسيج والجلد، والأغذية الزراعية والبحرية؛ وصناعة مشتقات الفوسفات من الأسمدة والكيماويات؛ ومؤخَّراً تصنيع معدن اليورانيوم المخصَّب؛ وصناعة الرقائق؛ وبطاريات السيارات والمَركَبات الأخرى؛ وصناعة المنتوج السياحي المتنامي باستمرار إلى درجة جعلت المغرب يوالي تحطيم أرقامه القياسية في السياحة، وحده، وبدون منافسين حقيقيين، ليتقدم على كل من مصر وجنوب إفريقيا، وما أدراك ما مصر في مجال السياحة على الخصوص؛ ثم الاستئثار بقصب السبق في إنتاج الطاقات المتجددة والنظيفة، من كهرباء شمسية، وريحية، ومن هيدروجين أخضر، والتخطيط لجعل هذا النوع من الطاقات الصديقة للبيئة في قائمة الصادرات المغربية المستقبلية، إلى أوروبا، وإلى غيرها!!

ثم ها هو، الآن، يقدّم نفسه كجسر متفرّد بين إفريقيا من جهة، وأوروبا وأمريكا وآسيا وحتى دول الخليج العربي من جهة ثانية، مستأثرا بالدرجة الأولى بثقة الأشقاء الأفارقة، الذين خَبَروا المغرب، ووثِقوا في قدراته وكفاءاته كوسيط مأمون الجانب، بينهم وبين كل جهات المعمور، يؤهله لذلك الدورِ ويمنحُه الأولويةَ والأسبقيةَ موقعُه الجغرافيُّ الجيوقاري، والجيوسياسي، وأمنُه، واستقرارُه، ومنظورُه البراغماتيُّ القائم على خدمة مصالح "الجنوب/جنوب" أولاً، وعلى مبدأ "رابح/رابح"، الذي يحل بكل أريحية محل طرائق التعامل الاستعلائي والانتهازي الذي كانت قد درجت عليه القوى الاستعمارية الآفلة!!

بل إن المغرب في إقلاعته المستمرة والمتجددة هذه، صار مصدر قلق لقوى كبرى صديقة، أو في حكم الصديقة، لأنها ترى نفسها مضطرة اضطراراً إلى المرور نحو إفريقيا عبر البوابة المغربية حصرياً، لأن المغرب يشكل لدى الأشقاء الأفارقة، بلا منازع، شريكاً ووسيطاً في آن واحد، يتأكد صدقُه ونزاهتُه في التعامل على أرض الواقع، مع توالي الاتفاقيات، والمعاهدات، والشراكات، التي يجري إبرامها وعقدها مع دول الشمال، والتي يكون المغرب فيها، إفريقياً، بمثابة الشربك والوسيط والضامن وصمام الأمان في نفس الآن!!

ولا تخفى على المتتبع اللبيب أسبابُ هذا القلق لدى كبريات القوى العالمية، والتي من بينها، على الخصوص، أن المغرب سار بعيداً في تنويع شراكاته مع مختلف تلك القوى، فعقد صفقات مع روسيا، ومع الصين، ثم مع الهند، وتركيا، والباكستان، وأغلبُها في مجالات أمنية وعسكرية وتكنولوجية معلوماتية وسيبرانية، وفي الوقت ذاته ظل يطوّر شراكاته مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وخصوصا منه إسبانيا وفرنسا، وحتى ألمانيا، التي أبدت قلقها بصراحة إزاء ما سمّته "تَفَوُّقاً مغربياً متسارعاً ومُخِلاًّ بالتوازن المفترض بين الدول المغاربية" (!!!)... فمتى كانت ألمانيا العملاقة والمتقدمة منشغلةً ومهمومةً بتوازن القوى بين بلدان المغرب العربي؟ أو شمال إفريقيا؟ ولماذا لم تُعَبّر عن نفس ذلك الانشغال عندما كان رصيد الجزائر من العملة الصعبة يقاس بآلاف الملايير من الدولارات، بينما كان المغرب بالكاد يَجِدُّ ويَكِدُّ لكي يصل بين طرفَيْ سنواته المالية؟!

كل ما سلف ذكره، جعل المغرب أكثر تحرُّراً واستقلاليةً في اختياراته السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية والثقافية... وكل ذلك، لا تحبه القوى العظمى، ولا ترضاه، وخاصة عندما يصدر عن بلد يُصنَّف من لدُنِها صغيراً كمغرب الأمس، لأنها لم تتعوّد على أن يعاملها الصغار معاملة الندية، فبالأحرى أن ينافِسوها ويخطفوا منها أسواقها التي كانت تستأثر بها في الماضي القريب، كما هو الشأن في أسواق السيارات بالاتحاد الأوروبي والعالم العربي وإفريقيا، والتي صار للإنتاج المغربي فيها الرصيدُ الأعظمُ والكلمةُ الفصل!!
 
المغرب، الآن، منطلِقٌ في مسار تصاعدي عجز مغاربة أنفسهم، أقصد الاتّكاليون الانهزاميون، عن تتبعه، وأقصد تحديداً مجموعات عباد الكوفية وبيادق إيران ومَن داروا في فلكها، فقعدوا إلى الأرض واكتفوا بالعويل والنحيب تحت مسميات نُصرة فلسطين والقضية الفلسطينية، بينما حقيقة أمرهم أنهم قلقون مع أسيادهم ومُمَوِّليهم من كل هذا الذي حققه المغرب وما زال سائرا في طريق تحقيقه، مِن الصعود إلى الأعالي... ولا شيء آخرَ مِن الآن فصاعداً، غير الصعود إلى الأعالي!!
ومأدبة البكاء والعويل في الشيراتون !!! 
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد