الأربعاء 3 يوليو 2024
اقتصاد

لحسن العسبي: ذاكرة الجفاف بالمغرب.. في ألف سنة عشنا 34 جفافا قاسيا

لحسن العسبي: ذاكرة الجفاف بالمغرب.. في ألف سنة عشنا 34 جفافا قاسيا لحسن العسبي
ثمة جملة تقول الكثير ب "متحف محمد السادس لحضارة الماء" بمراكش، حين تفيد بأنه على امتداد القرن 20، هناك زحف من الجنوب صوب الشمال بالمغرب لتقلص نسبة "وفرة الماء"، بسبب تقلص التساقطات ونضوب الفرش المائية المتواصلان، وكذا تنامي ارتفاع الإستهلاك البشري والفلاحي للثروة المائية ببلادنا. بل إن ثمة أرقام مدققة بذلك المتحف الفريد من نوعه بكامل إفريقيا (هناك متاحف للماء متعددة بالعالم، لعل من بين أشهرها متحف مدينة أرنم بهولندة ومتحف باريس وتولوز بفرنسا ومتحف لندن ببريطانيا. ما جعل اليونيسكو تقرر إنشاء رابطة لمتاحف الماء عبر العالم)، أقول هناك أرقام مدققة حول نسب ذلك التراجع للثروة المائية بالمغرب خلال 120 سنة الماضية.
هل هذا يعني أن الجفاف صار قدرا مغربيا؟. هل علينا توطين أنفسنا للتعايش مع شح ماء السماء ونضوب سلسبيل المياه فوق جغرافيتنا المغربية؟.
إنها أسئلة مقلقة تفرضها دورة مواسم الجفاف التي أصبحت تتكرر كل أربع سنوات ببلادنا، بعد أن كانت إلى حدود 50 سنة الماضية، تتكرر كل 15 إلى 20 سنة. ولعل ما نسجله اليوم في موسم 2021/ 2022، ما يقدم المثال على مستوى الصلافة التي بلغها الجفاف مغربيا. ما يجعل السؤال المحوري هنا هو: هل مستوى هذه الصلافة في الجفاف جديدة ببلادنا، أم إن هناك ذاكرة للجفاف عند المغاربة، تجعله ثابتا من ثوابت دورة المطر عندنا؟.
الحقيقة إن كتاب المطر المغربي مثير، إذ تتجاور فيه، وتتساند دوما، صفحات ندية مع صفحات جافة قاحلة. ولعل المثير أكثر، هو أن مدى الطقس، مغربيا، يشتط أحيانا في هذا الإتجاه أو ذاك. إذ أحيانا، نصل حدود الفيضان، وأحيانا أخرى نصل حدود القحط. مما يجيز لنا القول إن سيرة المطر عندنا، هي سيرة متقلبة وبها تطرف في الإتجاهين.
بالتالي، فإن جفاف هذه السنة 2022 (الذي يظهر حتى الآن أنه سيكون قاسيا جدا)، يعيد إلى الذاكرة تاريخ الجفاف بالمغرب، من حيث إنه ظاهرة تتوالى ببلادنا منذ قرون. وليس اعتباطا أن ما أنتجه المغاربة عبر التاريخ من أمثال وحكم وقصص حول دورات الجفاف يقوم مادة خصبة للقراءة والتحليل السوسيو – نفسي والسوسيو – تاريخي، تسمح برسم خريطة لشكل بناء الوعي المغربي في علاقته بالماء وفي علاقته بالمطر وفي علاقته بالسماء. أليست الأناشيد الشعبية للطفولة المغربية سوى ملمحا من بين ملامح أخرى عدة عن ذلك، تلك التي رددتها أجيال وأجيال منهم عبر القرون، التي يقول واحد منها مثلا: "تاغنجا تاغنجا، يا ربي تصب الشتا" (وهو نداء شعبي مغربي عتيق تتعاضد فيه الأمازيغية مع العربية، حيث إن كلمة "تاغنجا" بالأمازيغية تعني "المغرفة" أو الملعقة الخشبية، كناية عن العطاء والخصب والغذاء).
إنني أشتغل منذ سنوات على مشروع ل "كتاب المطر المغربي"، أدون من خلاله منذ سنة 2007، كل قطرة مطر تنزل على التراب المغربي، ومع توالي السنوات أصبح ممكنا إقامة مقارنات بين السنوات المطيرة أو المتوسطة أو الجافة ببلادنا، ودورتها. وبعد 15 سنة يسمح لي ذلك التدوين بالجزم، مقارنة مع دراسات وإحصائيات وطنية سابقة منذ سنة 1914، على أن دورة الجفاف قد اتسعت أكثر بالمغرب (وبكامل شمال إفريقيا وجنوب أروبا) خلال الأربعين سنة الأخيرة، حيث انتقلنا من دورة جفاف تسجل كل 15 إلى 20 سنة في مواسم الستينات والسبعينات، إلى دورة جفاف تسجل كل 5 أو 4 سنوات منذ 2010. بكل ما لذلك من إسقاطات على دورة الإنتاج الفلاحي وعلى الثروات المائية (الجوفية أو السطحية). مثلما أن نسبة التساقطات الثلجية قد تراجعت بشكل مهول ببلادنا خلال 40 سنة الأخيرة، حيث انتقلنا من مستوى سمك تساقط ثلوج كان يصل إلى حدود سنة 1979، حوالي المترين في كامل أعالي الأطلسين الكبير والمتوسط، إلى بالكاد معدل سمك يقارب 35 سنتمترا منذ 2010 في تلك الأعالي.
هل هي تداعيات التلوث البيئي عبر العالم، ونتائج ثقب الأوزون، أم هي في مكان ما نتائج شيخوخة الأرض ضمن الناموس الطبيعي لتطور الحياة بها؟. إنه سؤال كبير جدا، لا يمكن الجزم بجواب قطعي حوله. لكن المسجل هو أن مناخ اليوم ليس هو مناخ العقود القليلة الماضية.
لابد من تنبيه القارئ الكريم، هنا، إلى أن خط المطر عندنا مغربيا مختلف عن خط المطر بباقي بلدان شمال إفريقيا وكل بلدان المشرق العربي، لاعتبارات جغرافية وكذا لاعتبارات مرتبطة بحركة الرياح بمختلف مستوياتها (سواء العليا أو السفلى). فخط مطرنا المغربي مرتبط ارتباطا عضويا بالمجال الهوائي الضخم للمرتفع الآصوري (جزء الآصور البرتغالية المقابلة لشواطئنا الأطلسية بحوالي ألف كلمتر أو يزيد قليلا)، وأن ذلك الخط يتحكم في سيرة المطر للمغرب والبرتغال وثلثي إسبانيا. بالتالي حين يهطل المطر بمنطقتنا فهو يهطل على المغرب والبرتغال وإسبانيا في نفس اليوم، وحين يتقلص هطوله فإن الأمر ينسحب علىهم جميعا بتفاوتات كلما اتجهنا من الجنوب صوب الشمال. بينما بالنسبة للجزائر وتونس فإن خط مطرهما مرتبط أكثر مع خط المطر النازل من إنجلترا وفرنسا وصولا إلى إيطاليا. وما يجعل التيارات الهوائية مختلفة في منطقتنا المغاربية، هو الحاجز الضخم الذي تمثله سلسلة جبال الأطلس بالمغرب (سواء أمام التيارات الهوائية الغربية الرطبة، أو التيارات الهوائية الصحراوية الجافة الصاعدة من الجنوب أو القادمة من الشرق)، وكذا سلسلة جبال "سييرا نيفادا" بالجنوب الإسباني العالية بأكثر من 3400 مترا عن سطح البحر، فهي حاجز طبيعي آخر، يعزز من تيار هوائي بحري خاص بالمغرب والبرتغال وإسبانيا. (حتى في حركة الطيران، فإن كل المسافرين القادمين من شمال أروبا صوب مطار الدار البيضاء، يستشعرون تأثير تيارات هوائية ومطبات هوائية فوق المسافة الممتدة من تطوان حتى لشبونة، بسبب تأثير حاجز جبال سييرا نيفادا هوائيا بالجنوب الإسباني. ونفس الأمر يستشعره المسافرون عبر الطائرة القادمون من المشرق العربي أو تركيا حين يصلون إلى المسافة بين إيطاليا وتونس، حيث هناك يعبر تيار هوائي قادم من الشمال الأروبي صوب وسط إفريقيا الشمالية).
إن من أسباب قلقنا المغربي اليوم، كامنة في تراجع نسبة المياه بالمغرب مع توالي سنوات الجفاف منذ الثمانينات من القرن 20، في مقابل ارتفاع عدد السكان وارتفاع الإستهلاك من الماء (سواء الكميات الكبيرة فوق الأرض أو تلك التي هي مخزنة في الفرش المائية تحت الأرض). ولعل بعض الأرقام التي تقدمها لنا دراسة علمية رصينة للدكتور عبد الله العوينة، الأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، تحت عنوان "الماء في المغرب"، جد مقلقة. فقد أكد أنه في ما بين 1990 و 2000، تراجعت مصادر المياه للفرد الواحد مغربيا من 1200 متر مكعب إلى 950 مترا مكعبا. وأنها في أفق 2020 ستنزل، إذا ما بقت الأمور كما هي عليه اليوم على مستوى التعامل مع الثروة المائية بالمغرب (ونحن على كل حال أحسن بكثير من كل الدول المغاربية) إلى 632 مترا مكعبا لكل مواطن مغربي في السنة. وهذا قريب جدا من الرقم العالمي للخطر وللجفاف وندرة الماء، الذي هو 500 متر مكعب للفرد في السنة. ولعل المثير مغربيا هو أننا بلغنا اليوم هذه الأرقام المقلقة بعد أن كنا في سقف 3 آلاف متر مكعب للفرد منذ 40 سنة فقط.
تقلصت دورة الجفاف من 20 سنة إلى 5 سنوات
بالعودة إلى أرشيف خاص بالتساقطات المطرية في المغرب، أدون من خلاله، منذ 15 سنة، كل قطرة ماء تهطل على بلادنا، فإن مقارنة بين أرقام التساقطات وأيامها، خلال الفترة الممتدة من شهر نونبر حتى شهر مارس، على امتداد الفترة الفاصلة بين سنة 2007 و سنة 2022، تؤكد أن الفرق واضح بين كل السنوات السابقة وهذه السنة. الأمر الذي يجعلها سنة مفصلية أخرى سيؤرخ بها لدورات الجفاف القاسية ببلادنا.
بلغة الأرقام فإنه خلال الفترة الممتدة من سنة 2007 إلى سنة 2022، ثمة رسم بياني متذبذب لنسب التساقطات المطرية بالمغرب، يميل أكثر نحو الجفاف بدورة تقلصت فيها السنوات المطيرة من معدل 15 سنة إلى دورة جفاف كل 5 سنوات. ولو انطلقنا مثلا من موسم سنة 2007/ 2008، فإنه في الفترة من 27 نونبر 2007 حتى 14 يناير 2008، سجل المغرب تهاطلا للمطر غزيرا، سبع مرات. وأن تلك الأمطار الهامة والقوية، قد واصلت الهطول على امتداد 25 يوما كاملة على ثلثي التراب الوطني، ضمنها 6 أيام في أواخر نونبر، و 10 أيام بشهر دجنبر و 9 أيام في النصف الأول من يناير. نفس الأمر سجل تقريبا في الموسم الموالي، في الفترة ما بين 28 نونبر 2008 و 31 يناير 2009، حيث سجل المغرب، في كل مناطقه التي اعتادت سقوط المطر من وجدة حتى أيت باعمران ومن المحيط الأطلسي حتى فكيك والرشيدية ووارزازات وطاطا، ما مجموعه 13 مرة من هطول المطر. أي أن مجموع الأيام التي واصل فيها الماء النزول من السماء، هو 39 يوما، ضمنها 5 أيام في آخر نونبر، و 15 يوما في دجنبر، و 19 يوما في يناير. مما جعل هذا الموسم من أحسن المواسم المطيرة في المغرب، خاصة إذا ما أضفنا إليها تساقطات شهر أكتوبر من سنة 2008 التي كانت هامة.
في الموسم الموالي، تقلصت أيام المطر حتى شهر دجنبر، حيث إنه خلال الفترة الممتدة من 14 دجنبر 2009، إلى 26 يناير 2010، فإن نسبة التساقطات كانت غزيرة، وإن بشكل أقل من الموسم الذي سبقها، حيث بلغ عدد الأيام الماطرة، ما مجموعه 25 يوما. موزعة بين شهري دجنبر 2009 ويناير 2010، كالآتي: 9 أيام في دجنبر، و 14 يوما في يناير. أهمها الأمطار المتواصلة الهطول على مدى 7 أيام، منذ يوم 15 يناير 2010 حتى 21 يناير 2010. وبالإنتقال إلى الموسم الموالي، نجد أن ميزة هذا الموسم هي تسجيله لأرقام قياسية غير مسبوقة في تاريخ الأمطار بالمغرب، لعل أشهرها ليلة 29 و 30 نونبر 2010 بالدارالبيضاء، التي هطلت فيها على العاصمة الإقتصادية للمغرب أمطار طوفانية بلغت في أقل من أربع وعشرين ساعة ما يفوق 187 ملمترا (تعطلت الدراسة وتوقف العمل بها ل 24 ساعة). مثلما سجلت في نفس اليوم أمطار غزيرة أخرى قياسية بالشمال وبمنطقة الغرب. مثلما أنها السنة التي سجلت قلقا مغربيا من تأخر الأمطار في شهر يناير 2011، ونزول حاد في الحرارة، الذي تسبب في الصقيع (جريحة) التي أقلقت كل المتعالقين مع المجال الفلاحي. ولم تجد السماء بمائها، سوى يوم 24 يناير من سنة 2011، بعد أن غابت منذ يوم 23 دجنبر 2010، أي شهرا كاملا. وعلى امتداد الفترة ما بين 27 نونبر 2010 و 24 يناير 2011، كان عدد أيام المطر قليلة مقارنة مع ذات الفترة في المواسم السابقة الثلاث، حتى وإن سجلت كميات أمطار أشد وأقوى. فلم يتجاوز عدد تلك الأيام 12 يوما فقط، موزعة إلى 8 أيام في آخر نونبر 2010 ويومين فقط في شهر دجنبر (22 و 23 دجنبر 2010)، ثم يومين في شهر يناير 2011 (هما يومي 24 و 25 يناير). ويمكن اعتبار هذه النسب مقدمة لما يسجل في هذا الموسم بشكل مقلق أكثر. ذلك أن الموسم الماضي، مهما كان قد سجل تساقطات مطرية محترمة في شهري فبراير ومارس 2011، مما أنقذ بشكل كبير الموسم الفلاحي الماضي.
الملاحظة الأخرى الهامة، هي أنه حسابيا، شكلت السنوات ما بين 2012 و 2021، سنوات تذبذب سلبي في نسب التساقطات، حيث نزل معدل الأيام المطيرة فيها بالتتابع، في الفترة ما بين شهر أكتوبر وشهر فبراير، من 22 يوما إلى 15 يوما. لنصل إلى الأرقام المقلقة جدا لهذه السنة 2022، التي لم تتجاوز منذ شهر أكتوبر 2021 إلى غاية شهر فبراير 2022، ما مجموعه 7 أيام ماطرة فقط، بل إن مناطق حيوية واستراتيجية مثل سهل الشاوية لم تتجاوز فيها أيام المطر 5 أيام فقط. وهي أرقام كارثية بكل المقاييس، لم تسجل ببلادنا منذ سنة 1981.
المرتفع الآصوري.. الوحش
العدو الأكبر للمغرب، ليس مخاطر التهديدات التي تطاله من جواره الجغرافي شرقا وجنوبا وشمالا (الجريمة المنظمة، الهجرة السرية، التهريب، تهديد وحدته الترابية، استهداف مجاله البحري الحيوي ... إلخ)، بل هو المرتفع الآصوري الجاثم في أعالي سماء المحيط الأطلسي المقابل للبرتغال وإسبانيا والمغرب. فهو مرتفع جوي قاسي متوحش، يحول دوما، في دورات متعددة من السنوات، ومنذ قرون، دون عبور التيارات الرطبة المحملة بالأمطار القادمة من القطب الشمالي عبر جزيرة غرينلند، التي يحرص بصلافة ووقاحة أن يدفعها دوما لتعبر شمالا أكثر، مما يجعلها تتجه سنويا فقط صوب أرخبيل بريطانيا العظمى ومنها إلى فرنسا وكل أروبا ووسط البحر المتوسط. وحين يتراجع ذلك المرتفع الجوي إلى وسط المحيط الأطلسي وجنوبه قليلا، بكلمترات قد لا تتجاوز 700 كلمترا، يعبر إلينا ذنب تلك التيارات الرطبة القادمة من الشمال، التي تزودنا بما يكفينا سنويا من أمطار، تمتد أحيانا حتى الساقية الحمراء بصحراءنا الغربية الجنوبية.
علميا، يتمركز ذلك المرتفع الجوي الآصوري عند خطوط العروض الشبه مدارية 20 و 45 شمالا. ويغطي مساحة شاسعة بالمحيط الأطلسي الشمالي، حيث إنه يمتد من السواحل الغربية للبرتغال حتى السواحل الموريتانية، مثلما يمتد غربا حتى جزيرة بيرمودا بشمال أمريكا اللاتينية. ويتشكل هذا المرتفع الجوي بسبب تراكم نزول الرياح العمودية من الأجواء العليا فوق صفيحة المحيط الأطلسي وتشتد قاعدته السفلية على السطح بالتيار البحري البارد لجزر الخالدات (الشهير بتيار ليزاليزي).
يتحرك المرتفع الآصوري عادة في فصلي الخريف والشتاء صوب وسط وجنوب المحيط الأطلسي أو جنوبه الغربي، فاسحا المجال لدخول الكتل الهوائية الباردة والاضطرابات القطبية إلى الإمتداد الجغرافي من شمال البرتغال حتى شمال موريتانيا على مسافة 1500 كلمترا. بينما يرجع إلى مكانه في فصل الصيف مما يسمح بمرور تيارات جافة دافئة وحارة صاعدة من الجنوب إلى كامل غرب شمال إفريقيا والجنوب الغربي لأروبا (مما يجعل شتاءنا فرحا وصيفنا نزاهة).
بالتالي، فإنه حين يقف ذلك المرتفع الآصوري غير متزحزح من مكانه فوق المحيط الأطلسي، يحرم المغرب من حصته السنوية من أمطار الشمال، التي حين تعبر إليه تياراتها الرطبة، تجد أمامها حاجز سلاسل جبال الأطلسين الكبير والمتوسط، وكذا حاجز جبال الريف، مما يحولها إلى تراكم للسحب الماطرة، التي تسقي كل سهول المغرب الخصبة لأيام وأسابيع، مثلما تسمح بنزول كميات وفيرة جدا من الثلج فوق المرتفعات المغربية، التي لا تتجاوز أحيانا 1500 مترا فقط عن سطح البحر.
لا يمكن إغفال معطى بيئي جديد، هو أن تبدل دورة المناخ بمحيطنا المغربي، هو جزء من التغير المناخي عبر العالم، بسبب تراكم الغازات الدفيئة، وأيضا نتائج ثقب الأوزون، التي أحدثت خللا في منظومة المناخ بكامل الكرة الأرضية. وأن توالي سنوات توحش استقرار المرتفع الجوي الآصوري بصلافة في مكانه عند نقطة جزر الآصور البرتغالية (قبالة الشواطئ المغربية الأطلسية)، إنما يقدم الدليل على درجة تبدل المناخ عالميا، الذين نحن أيضا من ضحاياه، مما يوجب سياسات مائية جديدة ببلادنا، تعتمد تقنيات تحلية مياه البحر في كل مدننا الشاطئية بدون استثناء. وكذا التخطيط لبرنامج وطني طموح كبير لتحويل جزء من تلك المياه إلى مجالات السقي في كبريات سهولنا الفلاحية، خاصة سهول الشاوية والغرب ودكالة وعبدة وفي فضاءات الإنتاج الفلاحي التسويقي الكبرى (سوس وتادلة كمثال). حينها فقط سننتصر مغربيا على الوحش الذي اسمه المرتفع الجوي الآصوري.
من 1064 إلى 1979 أسرار الجفاف بالمغرب
كثيرة هي الدراسات العلمية التي حاولت الإشتغال على ذاكرة الجفاف بالمغرب، اعتمادا على دراسة تقنية وعلمية لجذوع الأشجار (خاصة أشجار الصنوبر والأرز) بالأطلسين الكبير والمتوسط، وبعضها اشتغل على دراسة أشجار جبال الريف وشرق المغرب (خاصة تافوغالت). من ضمنها دراسات باحثين فرنسيين وبلجيكيين وإنجليز سنوات 1924 (مير)، 1939 (إمبرغر)، 1950 (بودي)، 1966 (بيغوس)، 1985 (تيل). لكن أهمها على الإطلاق الدراسة العلمية الأمريكية ل "ستوكتون" (بعض الدراسات تتحدث عن الباحث ستوكتون، بينما لم نجد أثرا لباحث بهذا الإسم، في مقابل وجود جامعتين أمريكيتين باسم ستوكتون واحدة بكاليفورنيا والثانية قرب نيويورك بولاية نيودجيرزي وهي التي وجدنا في أرشيفها بحثا في الثمانينات حول تاريخ المناخ والتساقطات المطرية بشمال إفريقيا والمغرب).
أهمية تلك الدراسة الأمريكية (التي لقيت اهتماما خاصا من قبل العاهل المغربي الراحل، المرحوم الملك الحسن الثاني)، كامن في أنها اشتغلت على جذوع أشجار الأرز والصنوبر بالأطلسين المتوسط والكبير مما مكنها من رسم خريطة مدققة علميا لأكثر من ألف سنة (1000 سنة) لمواسم الأمطار ومواسم الجفاف بالمغرب. وتعتبر إلى اليوم المرجع العلمي الرفيع الذي يؤكد أن دورة مواسم الجفاف هي دورة عادية في تاريخ المغرب والمغاربة. وأنها ثابت بنيوي في مناخنا المغربي والمغاربي. مع تحديد تقريبي لدورة سنوات الجفاف تلك، التي تسجل عموما كل 22 أو 20 سنة، التي لا تتجاوز السنتين. بينما سنوات الجفاف القاسية الطويلة التي تتجاوز 4 سنوات (والتي تكون سببا لمجاعات وأوبئة ووفيات بالآلاف) فإنها تسجل كل 450 سنة تقريبا، أي مرتين كل قرن. وحسابيا فإنه في ألف سنة الماضية ما بين 1064 ميلادية و 1979 ميلادية، عاش المغاربة 20 جفافا طويلا قاسيا.
على أن أشد سنوات الجفاف ببلادنا قد سجلت في سنوات:
1064 – 1096
1118
1126
1164 – 1165
1375 – 1376
1386
1415
1468 – 1469
1521
1613
1634 – 1635
1661
1682 – 1683
1719 – 1735
1790 – 1794
1876 – 1882
وسجل منذ سنة 1896 حوالي 11 جفافا عاما بكامل التراب المغربي، شمل سنوات: 1904 – 1905.. 1917 – 1920.. 1930 – 1933.. 1944 – 1945.. 1948 – 1950.. 1960 – 1961.. 1974 – 1975.. 1981 – 1984.. 1991 – 1993..