السبت 18 مايو 2024
اقتصاد

عمر مروك: ضجة "ميريندينا " زوبعة في فنجان واستغلال تجاري لعيد الحب لخلط أوراق دعاة الحداثة والتقليد

 
 
عمر مروك: ضجة "ميريندينا " زوبعة في فنجان واستغلال تجاري لعيد الحب لخلط أوراق دعاة الحداثة والتقليد عمر مروك إلى جانب منتوج "ميريندينا"
آثار إشهار شركة“ ميريندينا ”الجدل بسبب كتابة كلمات خادشة للحياء العام على واجهة حلوياتها المعروضة للبيع برموز وتعابير عاطفية مستفزة بعبارات فاضحة من  قبيل: كنبغيك.. توحشاك.. ما نقدرش ننساك. واعتبرت حمولة الإشهار قوية وتستهدف الطفولة والمراهقة، ولقيت بذلك استنكارا واسعا وتعالت الأصوات  مطالبة بمقاطعة المنتوج.
"أنفاس بريس" استقرأت رأي عمر مروك، عضو مركز شمال إفريقيا للدراسات والبحوث وتقييم السياسات العمومية الذي وافانا بالورقة التالية:
 
الطريقة والحجم الذي جرى به النقاش  حول هذا الموضوع يعتبر  إشهارا مجانيا للشركة، هاته الأخيرة كانت ذكية في التعاطي مع الموضوع وفي اختيار وقت طرحه. ينبغي أولا التطرق لسياق هذا الجدل الذي ساد وسائل التواصل الاجتماعي حول اعتماد تلك العبارات على غلاف منتوجها، إذ يتزامن مع اقتراب عيد الحب الذي يوافق يوم 14 فبراير من كل سنة. الملاحظة الأولى حول تلك العبارات هي أنها مجرد استهلاك تجاري للمناسبة ولا يمت بأي صلة لقيم عيد الحب ورمزية الألفة والمحبة والقيم الإنسانية النبيلة، بالعكس تم استغلالها للكسب والاستهلاك التجاري وإفراغ مناسبة اليوم العالمي لعيد الحب من أبعاده الحقيقية السامية، والدليل على أنه مجرد استهلاك تجاري للشركة المعنية للمناسبة، أنها عندما حوصرت في الزاوية الضيقة بسبب موجة الانتقاد حول تلك العبارات، لجأت الشركة للنقيض تماما من خلال طبع عبارات ذات حمولة عقدية- دينية من قبيل لا تنسى صلاتك كشكل تهكمي ورد فعل.. بشكل يحيل لتوجهها من النقيض إلى النقيض، بمعنى إذا لم تقتنع أيها الرأي العام بشعاراتي العصرية- الحداثية، فبإمكاني أن ألتمس رضاك وأخاطب جانبك المحافظ- السلفي، التقليدي، المهم هو أن تربح الشركة وتبيع منتوجها سواء مع دعاة الحداثة أو مع دعاة التقليد. الخطير في الأمر وبعيدا عن لغة التصنيف، هو تشييء القيم وجعلها مادة للاستهلاك وإخراجها من مضمونها الاعتباري وبمزيتها وحمولتها الفكرية، وجعلها في الأخير سلعة للاستهلاك التجاري.

أما اعتبار أن تلك العبارات خادشة للحياء، فهو نقطة تحيل على إشكالية أعمق يعيشها المجتمع المغربي، ألا وهي صدمة التحديث، إذ إن المجتمع المغربي يسير بسرعتين مختلفتين، إذ إن المغرب يعيش ثورة من الانفتاح على قيم الغرب يعزوها ما هو اقتصادي واستهلاك إعلامي وتكنولوجي وقيمي للغرب، يوازيه من جهة أخرى الحرص على الحفاظ على الموروث الثقافي ممزوج بتعاليم الإسلام المعتدل، وهذه التركيبة بين النموذجين هي أصل العقلية المغربية، كيفما يقول المثل المغربي (شوية لربي وشوية لعبده،) نحن هنا لا نحكم على أي اتجاه بالصحة أو الخطأ بقدر ما نحلل الظاهرة المغربية وصراع التحديث الذي تعيشه حاليا، وهي ظاهرة لا تسهل علينا ذلك الفرز القيمي بين الحداثة والتقليد، وما نشهده على الواجهة من نقاش بين الفريقين ما هو إلا إفراز لذلك الصراع القيمي الذي يطفو فوق السطح بين الفينة والأخرى، وكان آخره النقاش  حول مسألة الاحتفال برأس السنة الميلادية كونه يمثل الغرب وليس المسلمين.

أما النقطة المتعلقة باعتبار تلك العبارات خادشة للحياء العام، فهناك قوانين لحماية المستهلك وهناك قواعد قانونية توضح جريمة المساس بالحياء العام ونطاقه وعقوبته، وتكييفها يخضع لمعايير محددة، بشكل لا يجعل تكييفها لمن هب ودب وتبعا لنزوات فردية أو جماعية لجهة معينة. وكان الأجدر بمن يحرص على الحياء العام وقيم المحافظة وبمنطق الغيرة على قيم المجتمع، أن ينتقد بالدرجة الأولى البرامج التلفزية المدبلجة المليئة بالإيحاءات الجنسية والعنف الرمزي ومظاهر اللباس و التفكك الأسري ونمط العيش المتفتح والشاذ أحيانا الذي تحتويه تلك الأفلام والمسلسلات، أليست تلك المشاهد متاحة للعموم بل وفي القنوات العمومية أحيانا وتستفز الناشئة والشباب ونحن في ظل مجتمع مسلم ومحافظ؟ 

أما الحرص على قيم تربية الناشئة فهو جد صعب اليوم وليس بمقدور لا الأسرة والجهات الوصية أن تتحكم في ظل ما بات يعرف بالحداثة السائلة ومعها بات كل شيء مباح ومتاح في ظل ثورة تكنولوجيا الإنترنيت والهواتف، وهو ما يجعل الرقابة والتوجيه والتتبع شبه مستحيل.    

كما قلت نحن اليوم في ظل صدمة تحديث قوية وهذا النقاش السائد جد طبيعي وإفرازاته سيحددها سؤال مصيري ومركزي وحيد: من نحن وماذا نريد؟ بمعنى أي نموذج مغربي نريد؟!