لا يستقيم الحديث عن واقع وآفاق التكوين الإعلامي وآفاقه بدون طرح تساؤلات منهجية منها :
- ماهو موقع الصحافة والاعلام في السياسات العمومية لأي بلد من البلدان؟
- هل يشكل الاعلام أولوية في السياسات العمومية بالبلدان العربية؟
- ثم، ماطبيعة البيئة التي يمارس فيها الإعلامي، مهنته؟
وعلى الرغم ممما يلاحظ من النقص في مجال الدراسات والأبحاث في مجال التكوين وصناعة المحتوى الإعلامي خاصة منه الرقمي بالعالم العربي ، فإن العديد من المعطيات والآراء، تجمع على وجود خصاص كبير، في هذا الميدان الحيوي، وهو ما يتطلب البحث عن السبل الكفيلة لتطوير هذها المجال وجعله يستجيب للحاجيات والانتظارات الجديدة، مع الارتقاء بمستوى مناهج ومضامين التكوين والتأطير من خلال التركيز على الجوانب التطبيقية، على الرغم من وجود بعض التراكم النوعي هنا وهناك، لكن ذلك يظل غير كافى، ولا يتلائم مع التحولات العميقة والمتسارعة الجارية بفعل التكنولوجيات الحديثة.
مستقبل الاعلام
ويطرح الذكاء الاصطناعي، تحديات جمة على ميدان التكوين الصحفي والإعلامي، والذي أصبح له انعكاسات على مستقبل العمل المهني الاعلامي والاتصالي، وهو ما يقتضى اعتماد جيل جديد من التدريب في مجال تعزيز القدرات الاعلامية، يكون في مقدمة مداخله تطوير المناهج والمضامين والارتقاء بمستواهما،حتى يتسنى إحداث النقلة النوعية في قطاع يصنع فاعلوه الرأي العام.
بيد أنه لا يمكن التعاطي مع قضية التكوين الإعلامي الذي ليس عملا تقنيا ميكانيكيا، بمعزل عن السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر منها أي بلد من البلدان. وهذا يتطلب الاجابة على عدد من التساؤلات من بينها ما معنى أن تكون صحفيا وإعلاميا في عالم اليوم ؟ وهل الصحافي هو نفسه في أي زمان ومكان؟ وفي ظل ظهور تعبيرات جديدة في مجال الاعلام والاتصال، هل يمكن القول بأن الصحافي هو ذاك الذي يكتفى بتحرير المادة الخبرية عن طريق توظيف خبرته ومعرفته اعتمادا على الأجناس الصحافية المعروفة؟ أم يمكن اعتبار كل من يشتغل في حقل ميديا الاعلام صحافيا؟ كما هل لازالت للصحافي نفس السلطة الرمزية التي كان يحظى بها سابقا؟
الانتريت والاعلام
إن الاستفادة من الإمكانيات التي توفرها التكنولوجيات، صبح مسألة ضرورية، بتحويلها إلى أداة إيجابية، واستثمار ما توفره من فرص إيجابية لتحقيق التنمية بأبعادها المختلفة، مع الانخراط في دينامية الثورة الرقمية التي لا يمكن التعامل معها بمعزل عن البيئة العامة للإعلام والاتصال، وتحديات وسائل التواصل الاجتماعي، مع مد الجسور بين وسائل الاعلام ووسائط الاتصال، رغم أنهما حقلين مختلفين، عوض أن يظلا جزرا معزولة.
.jpg)
لقد ساهم الانترنيت منذ أواسط تسعينات القرن الماضي، في تغيير عميق لمعالم وسائل الاعلام والاتصال، وظهور فاعلين جدد في مجال النشر والاخبار والمعلومات، كل ذلك أدى إلى خلخلت الممارسات المهنية للصحافيين، وغيّر الطريقة التي يتم فيها إخبار الجمهور، وكان من بين نتائجه إعادة توزيع الادوار ما بين المنتجين والمستهلكين للصحافة والاعلام ، ولم يعد نقل الأخبار موظيفة خالصة للصحافيين.
و باعتبارها إحدى مكونات المواطنة فإن التربية على وسائل الاعلام والاتصال ، تتطلب في المرحلة الراهنة، انخراط المنظومة التعليمية على كافة مستوياتها في احداث محترفات ومواد خاصة بالتربية على ميديا الاعلام مع التشجيع على الممارسات الفضلى في التكوين الإعلامي.
إن الصحافة تظل نشاطا فكريا إبداعيا له خصوصيته وابدالاته، وله قوانينه، وأساليبه نواميسه كذلك، كما له طرقه وإبداعه، فضلا على أن القيمة المركزية للصحافي والإعلامي، ترتبط أساسا بحقل الممارسة المهنية الإعلامية التي يشكل فيها العنصر البشري العامل الأكثر أهمية، رغم التطور التكنولوجي الذي ساهم تعقيد عملية إنتاج المادة الإعلامية.
ما وراء الخبر
لكن ماذا ينتظر القارئ والمستمع والمشاهد والمبحر في الشبكة العنكبوتية من الصحافي ؟ أن يحوّل الصحفي والإعلامي وقائع مجتمعه عبر الاستقصاء والتحري إلى قصص إعلامية، تتفادى الإثارة الرخيصة، وتقدم معلومات من مصادر موثوقة، مع تسليط الضوء على ما وراء الخبر. كما ينتظر من الإعلامي القيام بمهمة البحث عن الحقيقة وفي المعلومات، بهدف إدماج واثارة انتباه مكونات الرأي العام لمختلف القضايا المحلية والإقليمية والدولية التي تستأثر بالاهتمام. لكن مع التأكيد على أن حرية التعبير، تظل بمثابة الرئة التي تتنفس بها الصحافة والاعلام باعتبارها كذلك مؤسسة ديمقراطية.
وبالنسبة للمحتوى الإعلامي، فإن الأمر يتطلب التوفر على إستراتيجية واضحة المعالم والكفاءة اللازمة تقنيا وأدبيا في هذا المجال، مع تحديد دقيق لحاجيات الفئات المستهدفة من هذا المحتوى، واعداد الرسائل الملائمة التي لها علاقة مباشرة بالمادة المعالجة.
الشكل والمضمون
وبخصوص هل هناك قطيعة شبيهة بتلك القطيعة الابستمولوجية التي تحدث عنها الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار صاحب كتاب " العقل العلمي"، ما بين الاعلام التقليدي( الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون) والاعلام الرقمي الجديد، إن الأمر يتعلق بتغير في الشكل، ويظل المضمون على حاله، وهو ما يؤكد تكاملا بين هذه الوسائط، فمثلا فإن ظهور الإذاعة، لم يقضى على الصحافة المكتوبة، ولا اكتشاف التلفزيون أدى الى انقراض الإذاعة.
وبصفة عامة، فإن الحاجة إلى جيل جديد في مجال التكوين الإعلامي، وتجسير العلاقة مابين معاهد ومؤسسات التكوين الاعلامي والعمل على الاستفادة من الثورة الرقمية، ووسائط الاتصال الجديدة ومن الفرص التي أضحى يوفرها الذكاء الاصطناعي، باعتبار ذلك إحدى الآليات لتطوير البحث العلمي، مع إدراج مادة التربية على وسائل الإعلام والاتصال في المقررات الدراسية، وتوعية وتحسيس كافة مكونات المجتمع، بأهميةالثقافة الرقمية لتمنيعهم من بعض الانعكاسات السلبية، للتكنولوجيا الحديثة، خاصة في نشر التفاهة والترويج للشعبوية .
مداخلة في منتدى الحوار الإعلامي العربي الدولي بطرابلس بليبيا مابين 11 و12 دجنبر 2025
