الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي: عندما يصبح اللجوء حلما للجزائريين!

كريم مولاي: عندما يصبح اللجوء حلما للجزائريين! كريم مولاي
وأخيرا اقتنعت السلطات الفرنسية أن الاستمرار في اعتقال الناشط السياسي الجزائر محمد بن حليمة وإعادته إلى إسبانيا التي فر منها بعد أن أقدمت على تسليم الضابط الجزائري السابق محمد العبد الله إلى النظام الجزائري، أو تسليمه مباشرة إلى السلطات الجزائرية، سيكون إجراء خطيرا للغاية، وإلقاء بمحمد بن حليمة في دائرة الخطر.
تعرف السلطات الفرنسية أنها يمكنها أن تناور في كل شيء إلا إذا تعلق الأمر بحياة الناس، وبالدليل الملموس، فمحمد بن حليمة لم يسبق له أن ارتكب إجراما يعاقب عليه القانون، كما لم يسبق له أن انتهك القوانين الفرنسية لا الغربية، فقد قدم طلبا باللجوء إلى السلطات الإسبانية، وحين أحس بأن حياته في خطر، بعد تسليم زميله محمد العبد الله ترك إسبانيا وجاء إلى فرنسا طالبا الحماية من أجل الحياة..
لكم فرحت لخبر الإفراج عن بن حليمة، وتمكينه من فرصة جديدة للحياة، وأنا الذي خبرت صنوف التعذيب الوحشية التي يمكن ممارستها بحق معارض سياسي تجرأ على عصابة الحكم وكشف حقيقتها للرأي العام الجزائري والدولي.. فرحت مع شعور عميق بالحزن والأسى لأن حلمنا أصبح يتلخص في الوصول إلى مكان آمن يوفر لنا لا أقول فقط الحياة، وإنما أيضا الحق في التعبير عن الرأي وحماية هذا الحق...
لست أدري كيف جالت بخاطري ذكرى الراحل محمد تامالت، وأنا أتابع قصة محمد بن حليمة مع الأمن الفرنسي، وقبله محمد العبد الله.. تامالت كان مدونا على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان جزائريا حتى النخاع.. دافع عن الجزائر في مختلف المواقع التي تحرك فيها، وكان دائم الحضور في المناسبات العربية الرسمية متحدثا عن سيادة الجزائر وتاريخها السياسي الناصع في مقاومة الاستعمار والوقوف إلى جانب القضايا العادلة..
كتب تامالت عن الجزائر التي قرأ عنها في كتب التاريخ والسياسة، وحاول تمثل هذا التاريخ في التعبير عن رأيه يوم كان طالبا بالجامعات البريطانية.. لكنه لم يكن يعلم أن التاريخ والشعارات شيء، وأن الواقع على الأرض شيء آخر.. وما إن حطت طائرته أرض الجزائر الخضراء حتى انهالت عليه صنوف الثأر من عصابات الحكم قبل أن تنهي حياته في سجون لا يعلم أحد من الجزائريين ولا حتى من الحقوقيين المتخصصين وحشيتها..
لن أقول لكم بأنني أحمد الله حمدا كثيرا في كل لحظة أعيشها في ديار الغربة، بأن مكنني من مغادرة بلادي الجزائر قبل أن تتمكن مني أيادي العصابات الظالمة التي تختطف الجزائر منذ رحيل الاستعمار عنها أإلى يوم الناس هذا، فذلك مما هو بين الإنسان وخالقه، ولكنني أريد أن أوجه الشكر والتقدير لكل العاملين للدفاع عن هؤلاء الأحرار الذين رفضوا الخضوع للظلم والاستبداد، وغامروا بأنفسهم من أجل أن تحيى الجزائر وترفع رايتها بين الأمم كدولة منافحة عن حقوق الإنسان، وليس عصابة تفتك بكل صاحب رأي، وتعادي الجوار فقط من أجل مصالح ذاتية لجنرالات لم يحمدوا الله على ما أتاهم..
وفي مقدمة هؤلاء، الذين سجلوا أسماءهم في قائمات الشرف الجزائرية، الصديق العزيز محمد العربي زيتوت، الذي ترك عالم الديبلوماسية والثراء وانحاز لقيم أجداده الجزائريين اللآأحرار الذين رفضوا الظلم والاسيتعمار ودفعوا حياتهم ثمنا لتحيا الجزائر..
لقد بذل زيتوت جهدا كبيرا في التواصل مع الجهات القانونية والحقوقية في الغرب عامة، وفي فرنسا تحديدا من أجل توضيح حقيقة لجوء محمد بن حليمة، والمخاوف المحدقة بمصيره في حال أقدمت باريس على إعادته إلى إسبانيا أو تسليمه إلى الجزائر، حتى تمكن في وقت وجيز من تحريره تمكينه من فرصة جديدة للحياة والإسهام في كشف الظلم الذي يهيمن على الجزائر..
أكثر من ذلك أصبحت قناة الأخ زيتوت على مواقع التواصل الاجتماعي، مدرجا جامعيا بامتياز، لعرض تاريخ الجزائر المتعددة الناصع والدفاع عن ثوابتها الدينية والسياسية.. وهو جهد يستحق التقدير والاحترام، ليس فقط لأنه يعلم الأجيال تاريخ بلادهم، ولكن لأنه يرسم تاريخ الجزائر للأجيال مقبلة، وأن قسما من أحرار الجزائر رفض الخضوع للظلم والاستبداد رغم كل المخاوف التي يمكن أن تلحق بهم وبعائلاتهم..
هذه بعض الصور المشرقة من جهد رجال اختاروا عن طيب خاطر الانحياز إلى درب الحرية والكرامة، وأن يدافعوا عن الجزائر المجاهدة بعيدا عن أي توظيف استعماري أو مصلحي آني.. الجزائر التي تمد يدها إلى جوارها الإفريقي والعربي والإسلامي لتكوين وحدة ترنو لها الشعوب، وليس جزائر الفتنة والتقسيم والتجزيء والتغريب..