الثلاثاء 16 إبريل 2024
سياسة

أخطر ما تعيشه تندوف هو تفريخ الفكر الجهادي والفكر الداعشي داخل المخيمات

أخطر ما تعيشه تندوف هو تفريخ الفكر الجهادي والفكر الداعشي داخل المخيمات مصطفى جياف، المحامي بهيئة الرباط، ومشهد من مخيمات تندوف
الواقع صادم جدا، هناك رصد للعديد من الحالات التي تتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مخيمات تندوف.. التعذيب بتجلياته المتنوعة، إنهم يتفننون في طريقة القتل، في التصفية الجسدية، إنهم يقومون بالجلد والضرب المبرح بالأسلاك الشائكة.. هناك سجون متنقلة بالإضافة إلى سجن الرشيد، يوضع فيها الأشخاص الذين يخالفون الرأي السائد في درجة حرارة تصل إلى 50 درجة.. إنه العذاب المبين. زيادة على هذا فهؤلاء وصلوا إلى درجات قاسية من التعذيب، من خلال حرمان الصحراويين من النوم، ووضعهم تحت صنابير المياه إلى أن تثقب جماجمهم وبالتالي الموت. ولا وجود لأي منطقة في العالم يتعرض فيها الناس لطرق تعذيب مثل هاته. اليوم حتى حرية التعبير ممنوعة، الحق في تأسيس الجمعيات ممنوع، حقوق الطفل مغتصبة (الحق في اللعب، الحق في التمدرس...)، هناك تهجير جماعي للأطفال والشباب إلى جهات معلومة وجهات غير معلومة. وزيادة على هذا هذه الطفولة المغتصبة يتم تجنيدها وتدريبها وتهجيرها من أجل خلق العداء للمملكة المغربية، ويتم شحن هؤلاء الأطفال بأفكار مفادها أن عدوهم اللدود هو المغرب.
 
تجنيد الأطفال
 
للأسف هؤلاء الأطفال لا ذنب لهم، علما بأن هذا يعتبر جريمة حرب في القانون الدولي، وقد أعطى عمر هلال سفير المغرب في الأمم المتحدة في آخر ظهور له حقائق موثقة بالصوت والصورة تفيد تجنيد مجموعة من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 و14 سنة وهم يحملون السلاح ويرتدون الزي العسكري، بالمقابل نجد أن جبهة البوليساريو تفتخر بذلك، دون إغفال أن البوليساريو تفننت حتى في الاعتقالات (الاعتقال في سجن الرشيد، في سجن الذهيبية، الاعتقال في المغارات، والاعتقال في الحفر ودفن الناس وهم احياء مع ترك رؤوسهن فقط).. النساء يعانين أيضا في المخيمات، فلا حق لهن في التعليم، ولا حق لهن في الكلام، هن فقط آلات للإنجاب من أجل الرفع من أرقام المحتجزين. لكن الغريب في الأمر أن البوليساريو ليست لها الجرأة في إحصاء عدد اللاجئين في المخيمات، بمعنى أن الإبادة مقصودة وغير مباشرة، وهي انتهاك جسيم لحقوق الإنسان بشتى أنواعها (تجويع الأطفال، تجويع النساء، تجويع الأشخاص في وضعية إعاقة..). يروجون عبر الشبكات الإجتماعية إلى أن الحرب مندلعة بين المغرب والبوليساريو، وها نحن الآن في السمارة نبث هذه الندوة في أمن وأمان دون أن يسمع ضجيج القنابل والانفجارات، وكل من عبر بتلقائية ووضوح من المدونين عبر الشبكات الاجتماعية يتعرضون للاختطاف والاحتجاز ويوضعون في سجون انفرادية، ويتعرضون للتعذيب، بل إنهم يحرمون من الزيارات العائلية ومن الخدمات الطبية وأعطيكم اسمين لشخصين مازالا يعانيان داخل سجون البوليساريو: الأول هو الفاضل ولد بريكة، وبوزيد أبا بوزيد، وذنبهما الوحيد أنهما قالا كلمة حق. ويمكن أن نذكر أيضا مصطفى سلمى ولد سيدي مولود الذي عبر بشكل تلقائي.
 
محرقة تندوف
 
لما نسمع أن شبانا أحرقوا في حفرة طولها ستة أمتار، وشباب قتلوا برصاص كثيف جدا بسبب التنقيب عن الذهب.. ولدينا أسماء كثيرة نذكر منها حمدي ولد سويلم، علي الإدريسي.. عائلات هؤلاء الضحايا إذا أرادت أن تتقدم بشكايات تتعلق بدعاوى التعويض، لأن هذه الانتهاكات وقعت في التراب الجزائري تقابل بعدم الاختصاص من طرف القضاء الجزائري بدعوى تفويض السلطة القضائية في المخيمات لجبهة البوليساريو، وهنا يبرز نوع من التناقض، كيف يعقل أن دولة حاضنة لـ «لاجئين» تصرح بهذا، علما بأنه لا وجود لما يسمى بتفويض السلطة القضائية للاجئين في القانون الدولي.. كيف يعقل أن يفوض للخصم الذي مارس التنكيل والتعذيب بحق الصحراويين الاختصاص القضائي في المخيمات، بمعنى أن البوليساريو هي الخصم والحكم في نفس الوقت، وهذا أمر غير معقول. وبالتالي أنا أقول إن الصحراويين الموجودين في الأراضي الجزائرية ليسوا لاجئين تبعا لاتفاقية جنيف الصادرة عام 1952 وبروتوكول عام 1967، لأنهم يفتقدون لشروط ومواصفات اللاجئين، فهم محرومون من الاحصاء، حيث لم يتم إلى حدود اليوم إحصاء هؤلاء، وهم محرومون من الحصول على الوثائق، ومحرومون من الحصول على جواز السفر. اللاجئ لا يمكنه على الإطلاق أن يقوم بعمل مسلح. لذا كيف يعقل أن شخصا يصرح بكونه لاجئا ويحمل «كلاشنيكوف» . اللاجىء من حقه امتلاك الحق في الإقامة والحق في التنقل، بينما هؤلاء محرومون من التنقل بدون ترخيص من جبهة البوليساريو وترخيص ثان من الدرك الحربي الجزائري، قبل التداول في أمر منحه الترخيص من عدمه. اللاجىء من حقه التملك بينما لا يوجد أي صحراوي في المخيمات استطاع تملك ولو بقعة أرضية في الأراضي الجزائرية، إنهم لا  يتوفرون على بطاقة لاجئ، والصراع اليوم ليس بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو بل الصراع اليوم بين المملكة المغربية والجزائر. الجزائر لا تروق لها الدينامية التنموية في الصحراء، ولا يروق لها أن يدبر سكان الصحراء شؤونهم بأنفسهم.
 
دينامية الأقاليم الجنوبية
 
بأي صفة تتحدث البوليساريو عن كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، في حين أنه أقيمت في 2016 و2020 انتخابات نقول إنها كانت نزيهة وشفافة وديمقراطية بشهادة المنتظم الدولي، خصوصا في الأقاليم الجنوبية، حيث فاقت نسبة المشاركة 76 في المائة، وفاز فيها أشخاص ينحدرون من الصحراء. وبالتالي فهؤلاء يدبرون شؤونهم بأنفسهم. اليوم المغربي يقدم طرحا راقيا جدا وهو شكل من أشكال تقرير المصير، أي مبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية، واليوم هذا المقترح متاح وقد لا يصبح متاحا في السنوات القادمة، لأن المغرب ماض في التنمية البشرية، التنمية الاقتصادية، التنمية الاجتماعية، تعزيز البنيات التحتية، وأكبر دليل على ذلك هو أن الادارة الأمريكية تقول اليوم إنها ستقوم بالاستثمار الاقتصادي والاستثمار الاجتماعي والثقافي. وزيادة على هذا بناء ميناء الداخلة الذي سيكون بوابة على الولايات المتحدة الأمريكية.. الوضع اليوم خطير في مخيمات تندوف حيث لم نعد نتحدث عن حقوق الإنسان، لأننا نعرف بأن حقوق الانسان مضطهدة ولا حق للصحراويين في اتباع المساطر، وحتى ولو تم اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية فهؤلاء لا يخرجون من المنطقة.. الخطير في الأمر اليوم هو تفريخ الفكر الجهادي والفكر الداعشي داخل المخيمات بدل الفكر اليساري الذي ساد في السبعينيات، حيث تشير تقارير استخباراتية إلى أن شباب المخيمات لا يغادرون المساجد بعد صلوات الظهر والعصر والمغرب، وخصوصا أنه لا يسمح بدخول مراقبين دوليين ومنظمات دولية للمخيمات، وحتى ولو سمح لبعض المنظمات بالدخول فإنها لا تتوفر على شرط الاستقلالية بل إنها تدور في فلك الدولة الجزائرية.. اليوم الوضع خطير، فهناك تفشّ للجريمة المنظمة، الجريمة العابرة للقارات، الجريمة الإرهابية. وبالتالي أصبحت المنطقة غير آمنة وهي بؤرة بالدرجة الأولى ويمكن أن تخلق اللااستقرار واللاأمن في منطقة شمال إفريقيا. وكما تعلمون، فالمغرب هو بوابة لأوروبا وهذا يشكل خطرا على أوروبا، لأن المس باستقرار المغرب يعني المس باستقرار إسبانيا وفرنسا. واليوم الاتحاد الأوروبي أصبح يفكر بمنطق الاستقرار، ويقول إن هناك واقعا حقوقيا مريرا، وواقعا أمنيا خطيرا بسبب وجود بؤرة إرهابية غير متحكم فيها، حيث يسود الاتجار في البشر وكل ما يخطر على البال. اليوم مجموعة من الدول أصبحت تتراجع عن موقفها الداعم للبوليساريو، بدليل أن أكثر من 86 دولة لا تعترف بهذا الكيان، مقابل قلة قليلة من الدول في مقدمتهم الجزائر التي تعاني من مشاكل داخلية، في غياب التنمية، وفي غياب البنيات التحتية، غياب الاستقرار السياسي، غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان. ولتصدير كل هذه المشاكل تسعى إلى خلق الصراع مع المغرب لتوجيه الرأي العام الوطني الجزائري.
اليوم الدبلوماسية المغربية، ومعها الدبلوماسية الملكية المؤثرة على المستوى الإقليمي والدولي، لم تعد تركز على «اللعب مع الصغار» بل على «اللعب مع الكبار».. لا يمكن أن نعير اهتماما لدولة تتوفر على ثروات طبيعية هائلة، وبدل استثمارها تهدرها في أمور فارغة. أنا أقول إذا كان هؤلاء لاجئون كما تدعي البوليساريو فإنه تبعا لاتفاقية جنيف من حق اللاجئ العودة إلى الوطن الأم، فهناك العديد من الصحراويين من أبنائنا وأبناء عمومتنا الذين يودون العودة دون أن يسمح لهم بذلك من طرف قبضة عسكر البوليساريو وعسكر الجزائر. وبالتالي فنحن نقول إنهم محتجزون في سجن كبير يقع في تندوف. اليوم المحكمة الجنائية الدولية تتلقى العديد من الطلبات ومن الشكاوى ومن الدعاوى، ومجموعة من الدول بدأت تستوعب الحقيقة وهذا ما تجسد في قرارات هيئة الأمم المتحدة (القرار 2440، القرار 2548، القرار 2494، والقرار الأخير 26.02). والقرار الأخير مختلف من حيث الشكل والمضمون، حيث اعتبر الجزائر طرفا رئيسيا في النزاع وليس مجرد مراقب كما تدعي، قرار اعتبر أن أطراف النزاع هم المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو، وهو الأمر الذي دفع جبهة البوليساريو إلى تبني الحرب، علما بأن القرار يعطي فسحة من الأمل من خلال دعوته إلى البحث عن حل سلمي وواقعي، خصوصا أن الاستفتاء أصبح مستحيل التطبيق بسبب صعوبة تحديد الكتلة الناخبة التي ستصوت، دون إغفال أن القرارات الأممية الأخيرة لم تعد تتحدث عن الانفصال أو الاستقلال أو الاستفتاء، بل أصبحت تدعو إلى حل عادل بعيد عن الحلول الوهمية المتجاوزة.  واليوم مجموعة من الدول الإفريقية تساند الطرح المغربي، واليوم أعظم دولة وأقوى دولة من ناحية التسلح وتملك حق الفيتو في مجلس الأمن أصبحت حليفا للمغرب، دون أن ننسى الاتحاد الأوروبي الذي من المتوقع أن موقفه سينحو في هذا الاتجاه، خصوصا أن الرئاسة ستؤول إلى فرنسا، هناك أصوات في بلجيكا، والموقف الألماني الذي أصبح يسير في نفس الاتجاه، لأن الأمر يتعلق بمنطقة اقتصادية استراتيجية على مستوى العالم.
وختاما أقول لا حل خارج حل الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، ولا مسلسل بدون مشاركة جميع الأطراف، ولا مشاورات خارج إطار الأمم المتحدة.
 
مصطفى جياف، محامي بهيئة الرباط
عن قناة العيون الجهوية