الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

عتيقة الموساوي: "هديل الحجر".. رنين الصمت والانفجار

عتيقة الموساوي: "هديل الحجر".. رنين الصمت والانفجار عتيقة الموساوي
يجلس الزعيم في سيارته الفارهة والتبرم يملأ حشاشته وابتسامة مطاطية تعلو شفتيه.. بحركات مسرحية متقنة يحيي الفلاحين الذين اصطفوا خلف الحواجز الحديدية.. يبتسم في سره.. ألا ما أشبهكم بكواسر آمن شرها إلا إذا سحقت أجنحتها وسجنتها داخل الأقفاص.. ببصره يتجول بين القرود التي ترتدي ربطات العنق وبطونها المتدلية توشك أن تنفجر.. وابتسامات متزلفة مرسومة بمهارة على شفاهها الغليظة القدرة.. آه يا شرذمة المنافقين المرائين لو كان الأمر بيدي لحززت أعناقكم واحدا واحدا ولأبدتكم عن بكرة أبيكم.. أتحسبون بأني غافل عنكم؟!!
كلا وألف كلا.. أنا أعلم بأخبار الجنين المتخبط في بطن أمه!!.. أنتم عون لي على الرعاع الذين يحاولون خدش هيبتي والتطاول على سيادتي.. سأحشو أفواهكم ذهبا وياقوتا حتى تتمسحوا بأذيالي كالكلاب المتخمة...!؟
إنه مقتطف ملفوف حد التخمة بالكلمات.. أثارت فضولي ودفعتني لأكتشف عبر السفر في مجموعته القصصية "هديل الحجر.." سيرة كدح في رحلات السرد القصصي، لكاتب ثائر يحمل القارئ بلغة مترفة حد السراب نحو عوالم متاهات السرد القصصي تتسرب من بين يديه الكلمات بقوة خارج المألوف.. كاتب متخم بجراح الاعاقة النصف الجسدية يغوص حد الأعماق ويطفو بين موج عاتي بمجدفات حروف غاية في الروعة.. وحس أدبي أخاد، ينتقل بين حكي وحكي برنين الصمت اشبه بصوت الانفجار.
إنه الدكتور عادل أوتنيل، الكاتب والروائي المغربي، تعرفت إلى شخصه بالصدفة.. بواسطة فيديو روبورطاج يتحدث فيه عن نفسه وكتبه.. يقول في تلعثم ونبرة صوتية تتحدى شلل الإعاقة الشبه النصفية.. تدهش المتتبع..
إنه منذ الصغر استطاع أن يتحدى إعاقته البدنية فكتب قصصه الأدبية. كتب فأبدع.. وأنتج في عالم الآدب فأبهر. إبداع يعجز معه المتلقى عن فهم ماهية الإعاقة حين تستوطن الجسد الضعيف لكنه عبقري، شخصية خارج المألوف تجاوزت الحدود الى مسيرة أدبية بنى بها المستحيل.. تُخجِل أصحاء البدن حين يقارنون أنفسهم به أنهم ليسوا الأفضل على الإطلاق.
نعم، الدكتور عادل أوتنيل الحاصل على شهادة الدكتوراه في شعبة الأدب العربي في موضوع صور الاغتراب في شعر الصعاليك؛ وهي الأطروحة التي قدمها لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب العربي هي نقد لتراث الشعر الجاهلي، يسافر كما يقول عبر ضفاف ثلاث لغات العربية، الفرنسية والانجليزية. ويتقنها إتقانا تاما، أول إصداراته الأدبية كانت مجموعة قصصية أولى حازت على جوائز مهمة على عتبات الليل شارك بها في مهرجان القصة القصيرة والرواية وحازت على المرتبة الأولى، أعجبت النقاد وصوتوا له قبل أن يرونه ولما رأوه وصفوه بالديناصور. ورواية الصليبيون في قصر المتعة التي استأثرت باهتمام النقاد.. وهديل الحجر آخر مجموعة له.
يروا عادل أوتنيل وهو يتحدث يشعرون برهبة وإكبار. فالرجل رغم أنه بنصف إعاقة لكن يتمتع بحس أدبي رائع ودْكاء خارق ضمنه في كتبه وقصصه ورواياته..
وجعلت الإقبال عليها يفوق الحدود لما تحمله من معاني ثورة داخلية وهم للطبقات الكادحة.
وهنا يصل بي التساؤل عن ماهية الإعاقة في بناء الدْات.. ومن الدْي يحكمها للخروج من أزمة ضيق إلى عوالم الإبداع. كيف يمكن أن تكسر الإعاقة القيود وتنطلق. وما الذي يحدد طبيعتها لتبرز كأسلوب في تنمية الذات ؟!!
بدْءا، يمكن القول، أنه قد لا يوجد تصور بين علاقة الإبداع والإعاقة، لكن هناك احتمالان. الاحتمال الأول: إما أن يأخذ الشخص المعاق ردة فعل بالتقوقع على الذات والانكماش والهروب من المجتمع واليأس، وبذلك تكون قد انتصرت عليه وجعلته سلبياً غير قادر على اكتشاف ذاته والتعرف إلى قدراته.
والاحتمال الثاني: هو أن يأخذ بالانطلاق نحو المجتمع والآخرين، تعبيراً عن عدم الاستسلام والمقاومة. ومن ثم الانتصار حيث يبدأ الشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة باكتشاف قدرات يمتلكها وينميها، لتخرج على شكل إبداع ينافس فيه الآخرين فتكون له دافعاً قوياً لإثبات الذات.. وكأن لسان حاله يقول أنا موجود ولي قدرات وأرغب أن تكون لي بصمات واضحة في المجتمع..
لكن هذا الطرح، لا يعني أن يكون كل معاق مبدع، ففي علم النفس يتصور البعض أن الإلهام والسلوك الإبداعي مقتصر فقط على العباقرة والمميزين من الناس.. لكن الدراسات أكدت أن الاستعدادات الإبداعية موجودة عند الجميع، غير أن مستويات تتفاوت وتختلف، فمتى يكون السلوك الإبداعي حافزا ومتفردا يتعلق بالوفرة النفسية وملائمة الهدف تأتي الصورة الفنية كآلية للعبور وتكسير القيود وانتاج فنان.. وهي الآلية العقلية الباطنية والعاطفية الثلاثية الأبعاد، تبدأ بالرغبة تم التحفيز والانطلاق نحو دوافع الإشباع للحاجيات الكامنة في الشخص المعاق فتدفعه بثقة إلى اجتياز حاجز الخجل والخوف والتردد وتسهم بالتالي في تركيب الحلول..
وهنا الأمثلة كثيرة لدى العديد من العباقرة كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة. قال فيهم عالم الفيزياء الراحل ستيف هوكينغ لا تجعلوا إعاقتكم تمتد لأرواحكم. وهو الدافع الصحيح للضعف البدني الدْي يمنح الشعور بالنقص في الذات إلى قوة تتلاشى بالإحساس لتمتد الى آلية التفجير العقلي لماهية الإبداع والانطلاق نحو عوالم مختلفة.
 
 
  
وهو الطرح الدْي سيقرأه كل متتبع لإبداعات الدكتور عادل أوتنيل الدْي ترجم الإحساس إلى نصوص أدبية صارخة اخترقت دْات الصمت لديه وانطلقت كالسهم لغة وحسا.. على شكل تعبير جميل وأخاذ.. عبر هدير موج الكلمات، هي أشبه بالرنين ما بين الصمت والانفجار في هديل الحجر.
 
عتيقة الموساوي، كاتبة