الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الالاه حبيبي: السفر يخفف من وطأة الزمن على العمر والروح...

عبد الالاه حبيبي: السفر يخفف من وطأة الزمن على العمر والروح... عبد الالاه حبيبي
ليس في الحياة أفضل من السفر... يوفر لنا متعة اللقاء بأماكن جديدة، ورؤية وجوه غير مألوفة...
السفر حركة في الزمان وانتقال في المكان... من أجواء معتادة إلى أخرى جديدة... في هذه الغربة يفرز الجسد عناصر كيمائية للتكيف كانت نائمة خلال وضعية الألفة والتكرار...
يذكرني السفر برجال كانت مهنتهم مرتبطة بالحركة الدائمة بين الأسواق...هؤلاء كانوا يتنقلون بين مكان إقامتهم وأمكنة الأسواق الأسبوعية التي تنتشر في منطقتهم الجغرافية...
هؤلاء التجار، كانوا يتمتعون بمزاج رائع، تغمرهم روح الدعابة والبسط والرغبة في الاحتكاك والاتصال بالناس، بالوجوه الغريبة، وكأنهم اكتشفوا أسرارا غائبة في هذه الرغبة العجيبة التي اكتسبوها خلال تنقلاتهم من سوق أسبوعي إلى آخر...وقد مدد الله أعمار بعضهم لازلت أراهم يدبون في الحياة...
والغريب أن ارتياد الأسواق الأسبوعية ليس حكرا فقط على أصحاب السلع والمنتوجات، بل هناك أناس آخرين جعل الله رزقهم في هذه التجمهرات البشرية، منهم بائعو الماء" الكرابا" ، تراهم يمتطون صباحا حافلات الجهات بأمتعتهم التي يشتغلون بها، وما أن تنطلق الحركة في السوق حتى يأخذون مواقعهم المعتادة، ومن أراد خدمة أحدهم كان ينادي عليه ب "والامين"، لقب رائع ونبيل" الأمين"، اليوم أصبحت كلمة "كراب" تشير إلى بائع الخمر سرا في الأماكن التي لا يباع فيها الخمر رسميا... لكن "كراب" الماحيا لن يحظى أبدا بلقب "الامين"...
نفس الأمر يسري على سائقي الحافلات والشاحنات الذين يغادرون، ليلا أو فجرا، مضاجعهم المعتادة، للحاق بالطريق، وقطع المسافات، والاتصال بأماكن جديدة، وبوجوه غير مألوفة، والأكل من مطابخ متنوعة، وفي حضرة أناس غرباء، وقد كان هؤلاء يتمتعون بحماس منقطع النظير لممارسة السفر حتى ولو كانوا يشتكون أحيانا من تعب جسدي، لكن لو توقفوا لماتوا من الضجر، وفعلا بمجرد ما يتقاعدون ويألفون الكسل يباغتهم المرض والموت...
السفر جعلني ولمدة تتجاوز العشرين سنة صديقا للطريق، عاشقا للمناظر الطبيعية واللقاءات الإنسانية المتعددة الوجوه والثقافات والألسن حتى في نفس الوطن هناك تعدد غريب لا يمكن لأية هوية واحدة أن تخنقه...
السفر صديق الشعر، وإعادة عيش الحياة بطعم الهروب من النمطية والتكرار...
كل من تعود السفر حينما يتذكره الموت يجده واقفا في محطة جديدة ينتظر قطارا ما...