الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: الرسالة الثلاثية.. قراءة نقدية لمرتكزات الإحاطة علما الموجهة للمحامين

مصطفى المنوزي: الرسالة الثلاثية.. قراءة نقدية لمرتكزات الإحاطة علما الموجهة للمحامين مصطفى المنوزي

عندما تم إحراج نص الرسالة  الثلاثية المرسلة إلى السيد رئيس جمعية هيئة المحامين بالمغرب كدعوة إلى تحسيس المحامين وزبنائهم إلى الامتثال لمنعهم من ولوج المحاكم، ما عدا المتوفرين على جواز التلقيح مع إلزامية الإدلاء به؛ هذا الإحراج الذي دفع بعض المسؤولين إلى تبرير الإجراء واعتباره مرتكزا على أساس دستوري  وقانوني، غير أن ما يهمنا بالنسبة لمقالة اليوم هو محاولة الإجابة عن سؤال الصلاحية وكذا سؤال الإطار القانوني الذي يمنح لمصدري الرسالة هذا الاختصاص؟

 

إن الإسناد الذي جاء لاحقا كمحاولة لاستدراك الأمر بمثابة تقويم لعيب الاختصاص بأثر رجعي، يفترضه البعض بأنه يعود للقرار المشترك للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزير العدل، الصادر بتاريخ 6 أبريل 2021 تحت عدد 1164/21، المتعلق بتدبير وتأليف اختصاصات الهيئة المشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة والوزارة المكلفة بالعدل بشأن التنسيق في مجال الإدارة القضائية.. هذا القرار الذي يستند بدوره إلى المادة 54 من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الصادر بتاريخ 23 مارس 2016.

 

وبالرجوع إلى الرسالة الموجهة إلى السيد رئيس جمعية هيئات المحامين لا نجد أي أثر أو إشارة إلى هذه المقتضيات كإسناد ومرجع، ما عدا عبارات البناء: "بناء على قرار الحكومة باعتماد  الجواز الصحي (جواز  التلقيح) كوثيقة رسمية لولوج الإدارات والمرافق العمومية" و"تنفيذا لمقتضيات المرسوم رقم 2.20.292 الصادر بتاريخ 24 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ" مع الإشارة إلى نص المادة 3 مبتورة منها (عمدا أو سهوا لا فرق) الفقرة  الأساس والمتعلقة بعدم المساس بسير المرافق العمومية.

 

وعلى سبيل الاستئناس، ومن باب افتراض أن محرري الرسالة استحضروا روح مقتضيات هذا القرار المشترك (رغم أنه من ابجديات التقرير والتعليل  بالنسبة للقضاة والمحامين البت في مدى الاختصاص النوعي أو الصلاحية الدستورية والمسطرية كأولوية)، فالمادة الثالثة من هذ القرار المشترك تنص حرفيا على ما يلي: "تعمل الهيئة المشتركة على التنسيق في مجال الإدارة القضائية، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية، وذلك بتوفير الشروط اللازمة لضمان التدبير الأمثل للإدارة القضائية ونجاعتها وتأمين حسن سير مرفق العدالة".

 

فهل تم استحضار اشتراط جدوى ومعنى "التنسيق بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية"، وهو ما تؤكده  نفس المادة  عند تحديدها  للغرض (أسباب النزول) من تأليف الهيأة المشتركة، ومن بينها فقرة وحيدة يمكن أن تبرر توجيه الرسالة إلى جهة مستقلة عن موقعيها، وهي الفقرة الأخيرة التي  جاء فيها: "ضمان حسن سير المهن القانونية والقضائية وفق النصوص التشريعية والتنظيمية والإدارية الجاري بها العمل".

 

من هنا يمكن أن نستنتج بأن الإحاطة علما الموجهة إلى رئيس جمعية هيئات المحامين ليست إجراء ملزما للمحامين، حتى ولو كانت (افتراضا) منسجمة ومؤسسة استنادا  للقرار المشترك، بصرف النظر عن غياب المقاربة التشاركية، ليس فقط تجاه هيأة الدفاع، بل حتى تجاه بقية مكونات الهيأة المشتركة المنصوص عليهم ضمن المادة الثانية، والذين لم يرد اسمهم وتوقيعهم في رسالة الإحاطة علما والدعوة للانضباط ، وهم  الكاتب العام لوزارة العدل والكاتب العام لرئاسة النيابة العامة.

 

والأهم من كل ذلك فالقرار المشترك  يشير إلى اجتماعات دورية ومداولات، غابت الإشارة والاستناد إليها في رسالة الإحاطة علما؛ مما يستدعي اعتبار هذه الرسالة عديمة القيمة والأثر القانونيين وتبعا انعدام قوة إلزامية وبالأحرى ترتيب الجزاء، مع التأكيد على الرسالة تدعو المحامين عبر رئيس جمعية هيئات المحامين  بالمغرب، وهي جمعية وإن كانت في نظر السلطات مجرد مخاطب (فعلي)، فلا يرقى دورها التنسيقي إلى درجة تمثيل المحامين وإلزامهم بتنفيذ "دعوة إلى" "مساعدة المسؤولين بالمحاكم في الامتثال لهذا التدبير وتحسيس الموكلين". مما يطرح السؤال عن مدى شرعية استعمال القوة العمومية لفرض الامتثال لقرار مضمر بإجبارية الجواز الصحي، والحال أن الجواز الصحي يستغرق اصطلاحا وواقعا جواز التلقيح ضمن إمكانيات ووسائل أخرى لإثبات سلامة المرتفقين، وذلك خلافا لمبدأ عدم إجبارية التلقيح، وكيف يمكن مساءلة توريط السلطة القضائية وإقحامها في مهمة تنفيذ قرارات وبلاغات صادرة عن الرأس الثانية للسلطة التنفيذية كمجال محفوظ للحكومة وفي نازلتنا، على الخصوص، لوزارتي الصحة والداخلية.

 

- مصطفى المنوزي، رئيس  أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي