الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عتيقة الموساوي: موعد مع رأس السنة الميلادية

عتيقة الموساوي: موعد مع رأس السنة الميلادية عتيقة الموساوي

خرجت صبيحة أول يوم من أيام السنة الميلادية الجديدة أتمشى عبر أرصفة الشوارع.. برودة آخر دجنبر، وأول أيام يناير، هبات نسيم ممزوجة بدفء عذب وزقزقة العصافير تصل مسمعي من بين الأشجار المرصوصة على الرصيف، لا أكثرت لبعض المارة من حولي وحركة السيارات المسرعة في الطريق.. لا شيء يوحي بِتَغَيُّر في الزمان ولا المكان مع أن اليوم هو أول أيام السنة الجديدة 2022، إذن، أين ذهب كل الترقب الدْي سبق والاستعداد فشغل الناس قبيل يوم واحد؟! وأين جملة التهنئات المطردة التي تم بعثها لي عبر الوتساب وبعثتها بدوري للعديد من أفراد العائلة والأصدقاء.. عبارات المدح والثناء والتمني التي رافقت مسيجات مواقع التواصل“ فيس بوك، وتوستر، وماسنجر، ووات أب ”ألهبت الدنيا وشغلت الناس، كل شيء تم وانتهى مع بزوغ شمس يوم جديد.. وكأن العالم مر بسحابة صيف أمطرت دون بلل وانتهى الأمر.

 

وَتَذَكَّرْت وأنا أدندن بكلمات أغنيتي أكررها بنغم.. كيف دخلت قدماي ليلة أمس إلى إحدى المحلات التجارية الكبرى وهالني الكم الهائل للزبناء الذين اصطفوا خلف كونطوار الحلويات يقتنون أصناف مختلفة من الحلويات بشغف قصد الاحتفال.. كم كان المنظر مثيرا للامتعاض والسخرية.! فالمحلات عادة في مثل هذه المناسبة تتسابق؛ والمتاجر الشهيرة تتزين بشجرة عيد الميلاد، والأصناف المرصوصة المصنوعة بفنية مغرية تزين الواجهات وتثير الشهية.. هم يستغلون رأس السنة ويستخدمون التزين بكتابة عبارات التهاني بالعام الجديد لجلب الزبائن، آتٍ..، يا له من عالم مثير للشفقة، الكل يتخاطف لأخذ حصته من الحلوى وكأنها ليلة الاكتفاء الأخيرة من سنة مرت وتتبعها سنة، لم آخُذ شيئا، فاقتناء الحلوى للبيت لم تعد مهمتي فقد تخليت عنها منذ مدة ليست باليسيرة، وتكلف بها غيري من العائلة.. وقد كنت في ما مضى لا أحرص فقط على شراء الحلوى.. بل أقوم بتزيين المائدة بالورود وطقوس الزينة.. إعلانا باحتفال عائلي عالمي..! وأقف إلى حد الصرامة في وجه كل من يحاول أن يقترب من الحلوى قبل أن تدق ساعة منتصف الليل، عادة جميلة مبتدعة مني لقطعة حلوى مع أول ساعات العام الجديد أو هَكَذَا كنت أعتقد.. ومع كل سذاجة اعتقادي الخرافي.. إلا أنها كانت أياما لَذِيذَة وجذابة ورائعة مليئة بالفرح واللامبالاة.. لكن لا أعرف لم تخليت عن ذلك الجذب المثير!!؟.. وخلدت للنوم قبل أن تدق ساعة الأجراس العالمية.. بل كنت أغوص في طقوس أكثر راحة وملائمة للنفس بتلاوة بعض اَلْأَذْكَار.. مادامت لحظات الفرح عابرة تلازمها الخيبات التي تؤكد على أحقيتها فينا وفي اَلْأَحَد من عفويتنا وأحلامنا.!

 

نظرت إلى التلفزيون المركون المشغل في زاوية الغرفة؛ وَإِدًّا بالأخبار تتقاطر من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب تتفق في صيغة واحدة هي الاحتفال عبر عروض الألعاب النارية، هالني الكم الهائل من النيران التي احترقت في سماء العالم مع أول ساعات دخول العام الجديد!! ورغم ما يحيطها من انبهار المتابعين إلا أن أصواتها تبدو مخيفة كالقنابل التي تخرق طبقة الأوزون في عليائها.. أبراج بعض بلداننا العربية تفوقت على ما يبدو على أبراج أمريكا وتايوان وسيدني وهونغ كونغ في الزخرفة والأضواء.. فالاحتفال عندنا أضحى مبالغا فيه إلى درجة أصبحنا أكثر احتفالا بالكريسماس من أتباع السيد المسيح..!!؟

 

لست ضد الاحتفال برأس السنة الميلادية، فما هي إلا لحظات فرح وهمي مجنون على إيقاع العالم.. ولست ضد الألعاب النارية ولا طرطقتها المخيفة.. ولا ضد الاحتفاء بميلاد السيد المسيح عليه السلام؛ لأني أعرف أنه هو روح السلام الدْي خرج للأرض وسيعود إليها يوما ليملأها عدلا وسلاما أليس هو القائل بنص القرآن. سلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا.. لكني ضد المبالغة في احتفال يتحول لعربدة على أطراف الشارع بصرخة موقوتة تنم عن كبت أو وربما حرمان.. أو متنفس من هموم أو أحزان لسكير يغيب عن الوعي، وسهر ليلي مقرف إلى حد الجنون والغثيان.. لست ضد الفرح الجماعي لأني أعرف أن الفرح مؤقت في عالم متغير سرعان ما يغادر.. قد يخسر المرء أمواله للظهور ليلة رأس السنة بمظهر الثري الفاحش ويخسر أمواله في الملاهي وعلب الليل على رقصات مجون قد يدفع ثمنها غاليا من حريته...

 

انعطفت مع أول الطريق سيرا على الأقدام.. ورؤياي تربطني من جديد بالواقع وانعطفت أحلامي معها واستأنفت المسير وحالي يقول ما أشبه اليوم بالبارحة لا شيء تغير !!

 

هدوء مكان وهدوء سير محملا بالأحلام وكل تمنياتي بالسلام..! نعم، أنا متفائلة وليست لدي توقعات كل رنين الأجراس لن يقلل من تخيلاتي ولا أمالي ولا خيباتي المتتالية.. ومع ذلك أحترم هويتي الدينية وهوية الآخرين وأحترم دقات رنين الأجراس في منتصف ليلة رأس السنة، فبرودة يناير لا يمكن أن تجمد الأحلام كلها.. كل التدقيقات قد تقصر أو تطول في فترات بما يناسب الأوضاع، لكن هاهنا يبقى ضوء النور ساطع، وأنا أحب هذه الأرض خضراء. الشمس، والسماء، والنسيم، والمشي الانفرادي، وأيضا الغرور البريء الصدف والمفارقات.. حلقات من خلفنا تركناها وحلقات من أيامنا القادمة تنسينا.. ونكمل الطريق، فبطائق الحب والبهجة متناثرة حولنا تُحَوِّل الزمان والمكان إلى طاقة نور هادئ.. تحضر فيها لحظات المتعة وَتَغَيُّب معها الأحزان،..!؟

 

لذا، دعونا نتفاءل بالسنة الجديدة، كما تمنينا لي ولكم ولنا جميعا.