الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

لماذا حجبت جائزة المغرب للكتاب لأدب الطفل؟ ملاحظات وتساؤلات أخرى

لماذا حجبت جائزة المغرب للكتاب لأدب الطفل؟ ملاحظات وتساؤلات أخرى

لا عيب في أن تحجب جائزة أدب الطفل هذه السنة، ولا عيب أيضا في أن تحذف حتى من قائمة الجوائز، التي يتبارى فيها المتبارون، على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم ونحلهم، لأنها دائما تكون مثيرة للبلبلة والضجيج والتساؤلات، والعصبية الأدبية، والقيل والقال، وكأنها صنعت لهذه الأغراض فقط، ولم تصنع لأجل التعريف بأدبنا المغربي، وإعلاء شأنه بين الآداب العربية.

ولكن أن تلغى بدون ذكر الأسباب الموجبة لهذا الإلغاء، فهذا يمثل مشكلة تحتاج إلى إعادة النظر في أدب الطفل المغربي برمته. ربما نحن الكُتّابَ في المغرب لم نصل بعدُ مرحلة الافتخار بأدب طفلنا، وكأن ما تحقق من حيث النشر والانتشار في عالمنا العربي، لا يستوجب أي اهتمام وتنويه، ولا يستحق حتى التصفح بله القراءة.

تلغى جائزة ترتبط بأدب الطفل في المغرب، ولا تثير انتباه صحافتنا الثقافية، ومثقفينا وكتابنا، وانتباه حتى وزير الثقافة، الذي تكون مهمته هي تصحيح المسار، إن اقتضى الأمر ذلك، والأمر يقتضي ذلك طبعا.  ولكن يبدو أننا لا نملك روح الجرأة الفكرية، التي تقوم على ثقافة صلبة، تستطيع تمثيل دور التصحيح، لنجعل البلد منتجا ومبدعا.

فلنفترض أن قائمة القصص المشاركة في جائزة هذه السنة، لم تستوفِ شروط الإبداع، ولم تحقق حتى الشرط الأدنى منه، الذي يجعلها منتمية إلى أدب الطفل، لأن هذا الأدب كما يقال أدب صعب المراس، ولا يحق لأي كان كتابته، إذ لا بد من تحقق مواصفات خاصة جدا. ولكن لم نالت قصص في دورات سابقة جوائز، مع العلم أنها تحتاج إلى من يصدق بأنها تتوفر على شروط الإبداع الموجه للطفل؟ بل إن بعض أصحابها لم يكتبوا إلا عددا قليلا من القصص، ومنهم من كتب قصة واحدة فقط.

أجل. منهم مَنْ لم يكتب إلا قصة واحدة فقط. وهذا يعني أنه لا يمتلك تراكما أدبيا يؤهله لنيل هذا التكريم. ولكن عمله نال التصفيق والمباركة. أفلا يثير هذا الاستغراب؟

لعل هذا الحجب يعني أننا نحن الكُتّابَ الذين يشتغلون بصناعة قصص وروايات الأطفال والفتيان، لم نكتب أدبا للطفل هذه السنة، يستطيع أن يحتل مكانة في الأدب العربي، وأن ينافس ما يكتب على المستوى العربي، ولم لا ينافس ما يكتب حتى على المستوى العالمي.

فهل من كتب قصة واحدة ونال عنها جائزة، استطاع أن يكتب الثانية والثالثة، فيحقق لنا هذه المنافسة على المستويين العربي والعالمي؟ وهل كتب الثانية فقط حتى يحقق هذا الإنجاز؟ ولنفترض أنه بذل جهدا، ليكتب هذه الثانية والثالثة، هل استطاع أن يدخل غمار منافسة أدب الطفل العربي بل العالمي؟

أما أن يشارك كاتب بقصة في هذا الجائزة، التي تثير دوما التساؤلات والملاحظات، حقق شهرة في المشرق العربي بخاصة، وهذا واقع بالقوة والفعل، سيثير إعجاب الثقافة المغربية لا محالة، وهذا المشرق شئنا أم أبينا هو رائد حركة أدب الطفل بلا منازع أو لف ودوران، وكتب ما يناهز المئة كتاب؛ منها ما نشر ووزع بآلاف النسخ، ومنها ما ينتظر دوره، ونشر عشرات قصص الأطفال في مصر والأردن والكويت.. فهذا مجانب للصواب، وقد نراه دخيلا على أدبنا المغربي، ومغردا خارج السرب الأدبي.

وما يثير العجب، هو أن رئيس لجنة السرد والرواية والقصة وأدب الطفل، هو الكاتب عبد الكريم جويطي، يطلع على ما ننشر من أغلفة كتب تطبع في لبنان ومصر والإمارات والأردن والسعودية وتركيا.. في صفحتنا بالفيسبوك، ومع هذا ارتأى هو ولجنة أدب الطفل التي نظرت فيه، واستخلصت نتائج، أن جائزة أدب طفل هذه السنة تلغى بالإجماع. وكأن ما كتبناه ونشرناه، وما نشره كتاب آخرون، لا يمت بأي صلة لأدب الطفل برأي أعضاء هذه اللجنة. فهل هذا يعني أن ما يميز الكاتب في هذا المجال، هو أن يكتب قصة واحدة، أو قصتين فقط، إن أراد أن ينال حظوة أو تكريما أو تشريفا؟ والإلغاء طبعا يقتضي تفسيرا مقنعا، من لدن اللجنة المشرفة، ولكن هذا لم يتحقق.

كنا قد كتبنا مقالة في هذا الشأن؛ في شأن الجائزة المخصصة لأدب الطفل بالمغرب (نشرت في جريدة القدس العربي، وفي موقع "أنفاس بريس"، وفي مواقع أخرى)، فأشرنا إلى ما ينغص صفو هذا الجائزة، وما يعلق بها من شوائب، تؤكد وجود خلل في النظر والتحليل واستخلاص النتائج، وحتى في ارتباط من يُختار لهذه المهمة بهذا الأدب.

مَرَدُّ هذا ربما يعود إلى النظرة القاصرة، التي تتحكم فيها الأهواء لا منطق التفرد والتميز. ولهذا تؤول الجوائز عادة إلى الأصدقاء، الذين لا يمتلكون الصنعة والموهبة، بدل أن تؤول إلى من يستحق.

ثمة فرق واضح بين من يستحق وبين من لا يستحق جائزة. هي في الواقع احتفال بأسلوب ما، أو بلغة ما، أو برؤية ما. والأدب ما هو إلا رؤية وفكر وأسلوب، وما خالف هذا يدخل حتما في مجال الموضوعات التي يجوز لأي كان أن يكتبها.

فما أحوجنا إلى الحديث بدون لف أو دوران، عن الحالة الراهنة لأدبنا؛ الموجه للكبار وللصغار.

لنتحدث عما يحدث في مشهدنا الثقافي الذي يتحكم فيه كُتّاب، وهم طبعا يكتبون عن المغرب الجديد، الذي نؤسس لبناته الثقافية لبنة لبنة. ولكن ما يؤسس في الواقع الأدبي، ما هو إلا لبنات الإقصاء والتهميش عمدا.

لنتحدث عن جائزة المغرب للكتاب، صنف أدب الطفل.

في دورة فاز كاتب وكاتبة مناصفة؛ الكاتبة كتبت قصة واحدة، ثم سكتت عن الكلام. فلم لم تحجب الجائزة ساعتها؟

في دورة أخرى، يفوز كاتب، تبين لنا أن فوزه هو تكريم، لا منافسة، لأن من قواعد الجوائز هو التباري، فإن كانت الجائزة تكريما، فهي تكون بهذا خارجة على منطق الفوز لمن يستحق؛ لغة وأسلوبا، وفكرا.. فلم لم تحجب الجائزة ساعتها؟

وفي دورة أخرى فاز كاتب لم يكتب إلا رواية واحدة، لم نعثر عليها في مكتبات هذا البلد في الدار البيضاء، وقد لا نعثر عليها في أي مدينة مغربية. كتب رواية واحدة فقط للفتيان أو للأطفال، ثم توارى عن الأنظار، مع العلم أنه ينتمي إلى فن آخر يجيده. فلم لم تحجب الجائزة ساعتها؟

وجائزة هذه السنة تحجب. لماذا؟ أخوفا على ضياع المال العام فيما لا فائدة فيه، أم خوفا على الإبداع الجيد من أن يصيبه سوء من الأدب الرديء؟

ولكن ما يحدث طبعا، هو أن هذا الأدب الرديء، هو من يصيب الهدف دائما.

ركزوا معي: من يكتب رواية واحدة، أو روايتين، أو قصة واحدة، أو قصتين في أدب الطفل، هو من يفوز بجائزة أدب الطفل.

وكأن هذا الأدب أصبح حمار الكُتّابِ، ومن لا صنعة له، ومن يريد أن يجرب حظه، لعله يظفر بمقدار من المال.

لا علينا.

فهل يحق لمن كتب قصة واحدة أن ينال التكريم والإشادة والإعجاب، ولا يحق ذلك لمن كتب مئة كتاب في دور النشر المشرقية، وعشرات قصص الأطفال في المجلات العربية العريقة؟

يصح إذًا أن أدافع عن نفسي لكوني كاتبا أدلى بدلوه في هذا الأدب، فحقق على الأقل إمكانية إجازة مئة قصة في كبريات دور النشر العربية في المشرق؟ (لاحظوا الفرق بين من نال الجائزة لأنه كتب قصة واحدة فقط، وبين من نشر مئة قصة)، أي أنني بهذا التراكم ساهمت في نشر مشروع أدبي لا بد أن ينال الاهتمام، ولكن أن نتغاضى عن هذا الإنجاز، ونقصيه ونهمشه عمدا، فهو يشي بوجود خلل في المنظومة الفكرية المغربية. الخلاصة هي أن القصص التي استلمتها وزارة الثقافة المغربية هذه السنة، لم تنل إعجاب لجنة التحكيم التي أسندت إليها مهمة قراءتها، والنظر فيها، واكتشاف ما تميز هذه أو تلك، مع العلم أن مشاركتي بقصة "ثلاث نملات يصنعن الأعاجيب" نشرت في دار مشرقية، ونالت استحسان القراء من العالم العربي، وحققت شهرة لا يستهان بها، وهي متداولة في مكتبات الدول العربية، فقدمت إسهاما مغربيا في هذا الأدب على المستوى العربي. ولكن كان للجنة التحكيم العجيبة رأي آخر؛ هو أننا في المغرب لم نستطع كتابة قصص جيدة للأطفال، فاقتضى هذا حجب الجائزة.

 

في هذا الشأن نثير هذه الملاحظات:

- الجدة ضرورة من ضرورات الأدب؛ أي أدب، ومنه أدب الطفل بخاصة، وإلا عدت أي كتابة للطفل، كتابة جيدة، وإن كانت إنشاء يستطيع أي كان إنجازه. ولكن ما يُراد له أن ينتشر قسرا، هو الكتابات الإنشائية الرديئة.

- الكتابة في هذا المجال إن لم تكن تتفرد بلغة خاصة، وخيال شاسع، فهي كتابة، ولكنها ليست كتابة للطفل. والقصص التي نالت جوائز في الدورات السابقة، هل تميزت بأسلوب خاص؟ وهل استطاعت منافسة ما يكتب على المستوى العربي؟

- القصص التي تفوز بجوائز لا تعرض في مكتبات البلد. فماذا يعني هذا؟

- كاتب أو كاتبة فاز/ أو فازت بجائزة عن قصة واحدة فقط، ثم توارى/ أو توارت عن الأنظار. فماذا يعني هذا؟

- أن تعرف أن لهذا الكاتب أو ذاك إرثا أدبيا لا يستهان به، ومع هذا تغض الطرف عنه. لماذا؟

- لجان التحكيم تكون في أغلب الأحيان منتمية إلى مجال غريب عن مجال أدب الطفل. ينظر روائي لم يكتب إلا روايتين، وهو لا يحسن حتى كتابة الرواية، فلم يختار هذا الكاتب، ولا يختار كاتب مرتبط به كتابة ونشرا وشهرة لهذه المهمة؟

- أنت تعيش في القرن الواحد والعشرين، ولكنك لا تزال تكتب أدبا نائما، وتسعى إلى نشره بين الكتاب والقراء، وجعله الأدب الذي نستطيع به منافسة الأدب المضاد لهويتنا المفقودة أو المفتقدة، وشخصيتنا، وبيئتنا..

- لم يعتاد كتابٌ أن يحشروا أنوفهم في مجال لا يفقهون فيه شيئا، بل إنهم قد يدلون فيه بمواقف مخجلة، وهم لا يدرون أنها كذلك إلا بعد فوات الأوان؟

 

في هذا الشأن يصح القول إننا قد نكتب عن الثورة الأدبية، والتغيير والديموقراطية، وتكافؤ الفرص، ولكن إن كانت الأهواء هي التي تقودنا، فقل علينا وعلى أدبنا السلام.

 

- الحسن بنمونة كاتب مغربي، صدرت له عشرات الكتب القصصية والروائية في أدب الكبار، وأدب الصغار، عن دور نشر مغربية ومشرقية