السبت 4 مايو 2024
كتاب الرأي

الحسن زهور: في ما جاء بجريدة الگرديان حول المهدي بن بركة في ذكراه

الحسن زهور: في ما جاء بجريدة الگرديان حول المهدي بن بركة في ذكراه الحسن زهور
أعتقد أن ما أوردته جريدة  الگرديان في ذكرى المهدي بن بركة  يدخل  ضمن التاريخ السياسي لبلدنا وضمن تاريخ اليسار المغربي خلال  فترتي الستينيات والسبعينيات.

فهل  كان السيد بن بركة عميلا (وأتحفظ على  هذه الصفة التي وردت في مقال الگأرديان) في علاقته بالمعسكر الشرقي وبجهاز الاستخبارات لتشيكوسلوفاكيا التي خرجت منها الوثائق التي اعتمدت عليها جريدة الگأرديان البريطانية؟ أم كان مناضلا (وهذا هو الراجح وإن أخطأ الطريق)؟ فقد أسدى خدماته للمعسكر الشرقي الشيوعي كما أسدى البعض من المناضلين والثوريين خدماتهم للجهات اليسارية القومية أو الشيوعية التي يساندونها ويتبنون أيديولوجيتها؟
هنا سيختلف الوصف باختلاف زاوية النظر التي ينظر منها إلى الصفتين (العمالة والنضال).
لكن ما يهمنا هنا ليس إطلاق الأوصاف ولا الاتهامات ولا التبريرات..، ما يهمنا هو قراءة الماضي أي ماضينا القريب للاستفادة منه، لئلا يكرر البعض (وهذا ما يفعله الآن بعض المؤدلجين أفرادا وتيارات سياسية) نفس الأخطاء ولئلا يسلك نفس مسار الانزلاقات التي ستلحق الضرر بالوطن.
 
اليساري المهدي بن بركة (كما أغلب اليساريين المغاربة لفترة الستينيات والسبعينيات) هو نتاج أيديولوجيات يسارية قومية أو ماركسية طغت في الستينيات وحاولت إيجاد نسخة لها في المغرب، وتبناها الكثيرون (مثقفون وأحزاب ومنظمات..) وكادت أن تؤدي بالبلد إلى انزلاقات كارثية لو نجحت سياسيا (ونتائجها نراها حاليا في الشرق الأوسط وفي بعض دول شمال أفريقيا)، أما كوارثها الثقافية والفكرية فما زلنا تؤدي ثمنها، وما زالت رواسبها الأيديولوجية الكارثية على ثقافتنا وحضارتنا وهويتنا المغربية نعيشها إلى اليوم، والمتمثلة في سلخ المغاربة عن هويتهم الثقافية والحضارية وربطهم بالشرق.. وتطلب الأمر أكثر من 40 سنة من نضال الحركة الأمازيغية المدني والثقافي والحقوقي لإرجاع الكثير والكثير من المغاربة إلى هويتهم الثقافية واللغوية المغربية المرتبطة بهذه الأرض، وما زال الطريق طويلا ويتطلب الكثير من العمل.

لن نلوم المهدي بن بركة لأنه كما قلنا كان نتاج أيديولوجية جامحة ومهيمنة في الشرق وامتد لهيبها إلى المغرب، سنلوم المنظومات الأيديولوجية بأجهزتها الحزبية السياسية العلنية والسرية في مغرب الستينيات والسبعينيات التي حاولت تبني أيديولوجيات الشرق واستنساخها في المغرب سياسيا وثقافيا وحضاريا، واللوم هنا يقتضي المطالبة بنقد ذاتي من أتباع تلك المنظومات الأيديولوجية مثقفين أو تنظيمات وأحزاب (والكثير من المثقفين قاموا بنقد ذاتي)، والنقد يعني كذلك العمل من أجل ثقافة وهوية هذا الوطن بصلبها الأمازيغي والاعتزاز بكل ما له علاقة لها، فالنقد صابون كما يشير إلى ذلك المثل المغربي (الحساب صابون).

لكن اليوم سنلوم كل اللوم هؤلاء الذين ما يزالون يحلمون بتلك الأيديولوجيات ومنها الإسلاموية التي تتبناها بعض التنظيمات السياسية والحزبية والثقافية في مغربنا اليوم، لكن بتكتيك مراوغ، تفضحه بعض المواقف الوطنية التي تحتم عليهم الاصطفاف إلى جانب وطنهم، لكنهم خذلوه، وسيخذلونه ما داموا أسرى أيديولوجياتهم الطوباوية. الاعتراف، أمريكا مثلا بمغربية الصحراء وإعادة المغرب لعلاقته مع إسرائيل، أظهرت من يقف مع مصالح وطنه، ومن ينحاز إلى أيديولوجيته البرامية ضد مصالح بلده.

هل أخطأ المهدي بن بركة الاختيار، كما أخطأ لحظته التاريخية؟
هل كانت اللحظة التاريخية آنذاك (الستينيات والسبعينيات) هي التي فرضت على البعض استنساخ النماذج الشرقية سياسيا وثقافيا؟
الجواب سيختلف باختلاف زاوية الرؤية.
لكن لماذا أفرزت تلك اللحظة نفسها (في الستينيات) الحركة الأمازيغية التي آلت على نفسها الدفاع عن هوية هذا الوطن وتميز الثقافي والسياسي فوقفت صامدة أمام المد القومي الشرقي الثقافي والأيديولوجي والسياسي الذي اعتمدت عليه القوى اليسارية ليكتسح البلد؟
هنا يكمن الأمر في الاختيار، وبالاختيار الصحيح نجحت الحركة الأمازيغية في مهامها.

ما قام به المهدي بن بركة (المعارضة من الخارج...) قام به الكثيرون من السياسيين والمثقفين والكتاب الذين تبنوا أيديولوجية القومية العربية واليسارية، فمنهم من التجأ إلى الجزائر، أو إلى ليبيا أو إلى مصر أو إلى سوريا وانتهى المسار بالكثير منهم إلى فرنسا ثم رجعوا إلى وطنهم المغربي، والكثير منهم تقلدوا فيما بعد مناصب وزارية وسامية وخدموا وطنهم المغربي.. والكثير منهم عادوا إلى ثقافتهم المغربية..
 
فإطلاق الأوصاف كالعمالة أو النضال لن يزيد في الأمر شيئا لأن ذلك يدخل ضمن التاريخ، لكن ما يهمنا هو قراءة هذا التاريخ والاستفادة منه لئلا نسقط في نفس الأخطاء.
ولنعد تحذيرنا، وفي الإعادة ترسيخ كما يقول المثل الأمازيغي ألماس أد ئتغمان Allas add ittghaman. بمعنى (أن تكرار التحتية في العملية الواحدة هو ما يديم جمال الحناء).

إن يمجد البعض من الإسلاميين اليوم باردوگأن أو إيران أو حزب الله أو حماس أو طالبان كنماذج لخلافة إسلامية طوباوية لا توجد إلا في أحلام الأيديولوجية للحالمين بها، فهذا يسقطهم في أخطاء الستينيات والسبعينيات أي تلك  التي سقط فيها جانب كبير من اليسار مما يدخل ضمن موالاة الأجنبي، فالموالاة الأيديولوجية هي نوع من خذلان الوطن سواء كانت باسم القومية أو باسم الدين أو باسم اليوتوبيا...

فما معنى أن يتهم البعض من المثقفين والسياسيين المغاربة، ومنهم مسؤولة عن حزب سياسي يساري، وطنها المغربي بأن سيادته سلمت لإسرائيل؟ ألا يعيد هؤلاء نفس أخطاء الستينيات، أي تغليب الأيديولوجيا على مصلحة الوطن؟ فمن هو أولى بالحب والولاء: هل الوطن الذي ولدنا وترعرعنا فيه ورضعنا ثقافته وهويته... أم الأيديولوجيا التي تربطنا بالبلدان الأخرى؟ وإذا تعارضت المصلحتان، فمن هو أولى للدفاع عنه، هل الوطن أو الأيديولوجيا ووهمها؟ فالوطن.. وطن.