الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: همهمة عشق لزمن العدالة الخالد، زيته دمنا ووقوده عزمنا

مصطفى المنوزي: همهمة عشق لزمن العدالة الخالد، زيته دمنا ووقوده عزمنا مصطفى المنوزي

(إلى حماة الزمن الحقوقي وشرفاء وشهداء الوطن)

 

لا يمكن أن نقيم ما حصل من تطورات، في معركة إسقاط القرار الثلاثي المشترك بين السلطتين التنفيذية والقضائية ورئاسة النيابة العامة الرامي إلى فرض إجبارية جواز التلقيح، لا يمكن التقييم بمنطق الهزيمة أو الخسارة (لا فرق)، لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره، وبالتالي وجب علينا التساؤل عن هدف القرار المشترك والخلفية الحقيقية وراء إصداره دون إشراك المخاطبين به في سياق فرض الأمر الواقع خرقا للمقاربة التشاركية، هذا السبب التي دشن به مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب رد فعله، قبل أن يسجل هذا الأخير عدم دستوريته، ناهيك عن مفارقته وتناقضه مع مبدأ عدم إجبارية التلقيح.

لقد كان الهدف العام، مع افتراض حسن النية، هو تحقيق الأمن الصحي، كمبرر، حتى لا نتعسف ونقول كذريعة، لتحقيق هدف خاص، ألا وهو اعتماد اجبارية جواز التلقيح كعملية تضمر مناورة تدليسية للالتفاف على اختيارية التلقيح.

فهل نجح  القرار في تحقيق  الهدف الخاص؟

يبدو من خلال معاينة الواقع الحالي أن المحامين رفضوا الإذعان  للقرار وتمسكوا بموقفهم الثابت والرافض للإدلاء بجواز التلقيح مقابل الولوج إلى المحاكم، رغم الابتزاز ومساومة بتجييش وسائل الإعلام العمومي وغير الحزبي وتسخير القوة العمومية، والضغط بتأليب المرتفقين والموكلين، والابتزاز بحجز الملفات على حالتها وعدم جهوزيتها للتأمل أو المداولة، واستعمال كل الخذع والتدليس فيما يشبه الاستعداء والتخوين وفقا لمقتضيات نظرية المؤامرة.

والآن يمكن أن نتساءل، باعتماد الاستدلال بالخلف الرياضية، هل حقق القرار الثلاثي مراده؟ ما هي الكلفة المادية (الزمنية والمالية واللوجستيك) والسياسية (الوقع والمصداقية والثقة) والأمنية (الاحتقان والارتباك واللايقين وعد الاستقرار)؟

وبالمقابل ما الذي خسره المحامون خلال أسبوع من العمل، عدا قلق الزبناء وتخوفهم، مع استحضار أن المسؤولية فيما حصل لا يمكن أن تقع على عاتق المحامين، خاصة أن أغلب القضاة لم ينصاعوا لتعليمات رؤساء المحاكم، ناهيك عن توفر إمكانية الطعن مع التذكير أن منطوق الأحكام يكون في صالح جهة دون الطرف الآخر في القضية، وهو واقع من باب  تحصيل الحاصل كنتيجة حتمية لأية دعوى؟

ولأنه من المفترض في كل محام أن يتوقع  النتائج وكلفة الاختيار، في سياق نظرية المخاطر، فما الذي خسره المحامون أمام ما اكتسبوه من استرداد لهيبة وكبرياء مؤسسة المحاماة؛ وفي نظري المتواضع أن ما جرى شكل فرصة تاريخية، استفزت تراخينا كمهنة كانت وظلت عبر التاريخ الإنساني والوطني الضمير الصاحي، فرصة ايقظت فينا اسئلة الجدوى والنجاعة والانتاج الفكري والمادي للمعرفة والثروة والإصلاح والتغيير وسؤال الخصاص والحاجة إلى التواصل الإنساني والمعرفي والتضامن وتجويد العلاقات ودمقرطتها مؤسستيا، وكذا الحاجة إلى التكوين الذاتي والتأطير والتنظيم وتبادل الخبرة والمعلومة.

صحيح أن وضع بعض الزملاء وهشاشة الإمكانيات أثر إلى حد ما، ولكن بالنظر إلى ما تحقق معنويا وحقوقيا (سياسيا بالنسبة للهيئات والمهنة) فالشرائح الحديثة العهد في القطاع أو الفئات الشابة هي أول من وهبت نفسها وقودا للمعركة وزيتا للمقاومة والصمود، عن طواعية واختيار، وبكل سلمية وحضارية، بل بكل تفان وإخلاص احتفاء ووفاء لقيم  حقوق الإنسان وصونا للكرامة، وقد شاءت الأقدار أن تسرق منا  المعركة زهرات في رعيان العطاء والتضحية، فداء للرسالة وقيمها النبيلة، وهي ضريبة اختار القدر والقضاء أن يتولى بذلها هؤلاء الشهداء الأبرار رحمهم الله وأسكنهم فسيح الجنان.

المعركة مقدما شبه محسومة لصالح الوطن ودولة القانون والمؤسسات والحرية، لقد حاولوا أن يقايضوننا مقابل ولوج المحاكم، فساومناهم مقابل حفظ ماء وجه هيبة الدولة التي نريدها آمنة قوية، عوضا عن دولة أمنية مخيفة.

فهل كان من الضروري أن يصيغ كل من الرئيس المنتدب ورئيس النيابة العامة ووزير العدل رسالة إلى السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب يعلمانه فيها أن يخبر المحاميات والمحامين بأنه بعد عشرة أيام لن يسمح لهم بولوج المحاكم إلا بعد إدلائهم بجواز التلقيح؟ بعد أسبوع من الصمود والحوار القانوني والتوتر تبلورت الخلاصة !

لقد عادوا إلى الصفر ونحن أضفناه على يمين حجم كبريائنا وعدد مكتسبات مهنتنا الحقوقية، وفي جميع الحالات كانت امتحانا على درب كفاح طويل الأمد، حيث منطوقهم ولاء للزمن السياسي، زمن القضاء العابر، والحال أن انتماءنا مرهون للزمن الاجتماعي، زمن العدالة الخالد.