الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

اسماعيل فيلالي: حتى لا ننسى.. ذكرى اغتيال الشهيد عمر بنجلون

اسماعيل فيلالي: حتى لا ننسى.. ذكرى اغتيال الشهيد عمر بنجلون اسماعيل فيلالي

ستة وأربعون سنة مرت على اغتيال شهيد الطبقة العاملة والصحافة الاتحادية، والقيادي الاتحادي الفذ، عمر بنجلون بكت فيها 46 شمعة في الغياب الكبير لمناضل عظيم، كان واضحا وضوح الشمس في أفكاره ومبادئه، وصلب العزيمة، وقوي الإرادة، نعم في يوم الخميس 18 دجنبر من سنة 1975، سقط عمر، وظلت الحقيقة في هذه القضية رغم مرور ما يزيد على أربعة عقود على حادثة الاغتيال الشنيع غامضة. وظلت الحقيقة الوحيدة التي لم تستطع أي جهة نكرانها، حتى قبل صدور الأحكام، هي أن المعتقلين في هذه القضية هم مجرد منفذين. وظل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: من قتل عمر؟؟؟

 

أياد ملطخة بدماء أبناء هذا الوطن الشرفاء جندت عاطلا وإسكافيا وخياطا لاغتيال عمر بنجلون في الشارع العام.... ومما يؤكد أن المعتقلين كانوا مجرد أداة تنفيذ تم العثور على لائحة تضم عشرات الأسماء المرشحة لنفس المصير الذي لقاه الشهيد عمر ومن ضمنهم مناضلين في صفوف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية واليسار المغربي. ثاني أكبر جريمة ترتكب في حق الاتحاديين بعد جريمة اغتيال عريس الشهداء المهدي بن بركة في سنة 1965 والتي لا تزال تشكل لغزا في عالم السياسة المعاصر؟؟؟، كما أن الجريمة التي ذهب ضحيتها الشهيد عمر هي الأخرى لا تخلو من طلاسم لأن الاغتيال تم التخطيط له من لدن الذين كان يزعجهم عمر ونفذه تلامذة الظلام، بأمر من ضعاف النفوس المملوئين بالحقد والكراهية، ومنهم من وصل إلى تسيير دواليب الحكم؟؟؟ لقد سقط عمر شهيدا دفاعا عن مغرب لكل المغاربة ومجتمع حر يفيض بقيم التحرر والإنسانية، لقد كان رحمه الله رجل القيم النبيلة والأخلاق الحميدة والوطنية الصادقة والوضوح الإيديولوجي ورفيق الفلاحين والعمال والطلبة، لقد كان نموذجا للمناضل الثوري والمثقف العضوي الذي يربط القول بالفعل والتنظير بالممارسة... لقد سال مداد كثير حول قضية الشهيد عمر، ومهما كتبنا عنه فلن نكفيه حقه...، يكفينا أن نتذكره في هذا الزمن الرديء لكي يعلم الذين تاجروا ويتاجرون بقضيته قد أضاعوا الطريق، وخذلوا القوات الشعبية، ودخلوا في متاهات المناصب والكراسي، ولنقول أيضا للذين اغتالوا عمر أن دم عمر وصمة عار تتبعهم إلى مقابرهم...

 

وخير ما نتذكر به عمر بن جلون الصادق  الشجاع، قصيدة رثاء في حقه  بتاريخ فاتح يناير 1976

للشاعر المصري عبد المعطي حجازي يقول فيها:

 

يستطيع ابن جلون أن ينهض الآن

فالشهداء يموتون، كي يفرغوا للسهر

عم مساء عمرا

يتململ في رقدته عمر

وينهض نصف نهوض

محتضنا في يده قلبا

أو عصفورا مبتلا

ويصيخ لصوت يعرفه

يفجؤه الصوت الذكرى

المهدي

ويرتقيان معا درج الزمن السري

يستطيع ابن جلون أن يبدأ الآن

فالفقراء يعيشون في أمة الفقراء

التي لا تموت ولا تندثر

يتذكر عمر قيسارية غرناطة

إذ كان عجوزا سقاء

ينظم شعرا ملحونا ويغنيه

عن قرب رجوع المهدي وفك الأسرى

وقضى شيخوخته في باب الجامع منتظرا

وابن جلون من جسد الأرض

من كيمياء الربيع

تحدر نهرا

فماذا عن النهر لو صار غيما

وماذا لو النهر صار مطر

آه

زغردن للعشب يا أمهات الضحايا

وخصبن شيب جدائلكن بماء الزهر

يتذكر عمر وجدة

إذ كان صبيا جوعان ضئيلا

يستوقفه كل صباح تمثال الجنرال الرومي

ويسأله من أنت؟

فلا يستطيع جوابا

حتى تأخذه الشرطة للتجربة الأولى

وتمر على التمثال به

فيقول له الجنرال أجبت

يستطيع ابن جلون أن يفلت الآن

من أعين المخبرين

وأن يتنقل في الأرض

دون جواز سفر

يتذكر عمر كمونة باريس

وكانت أول درس في الجغرافية

يمتد الوطن العربي شمالا

حتى كمونة باريس

وتمتد نيويورك إلى آبار النفط العربية

يستطيع ابن جلون أن يعرف الحزن ليلته هذه

ثم يستأنف الحرب في الغد حتى الظفر

يتذكر عمر مجلسنا حول المهدي

على سجادة ليل القاهرة الوردي

وكنا إذ ذاك شبابا

يلعب في أيدينا الزمن كوحش متبنى

والمهدي ينادمنا

ويعلمنا فن الهجرة بالوطن السري

يقاسمنا الخبر الحي،

يساقينا دمه المسفوح غدا،

يكشف ما لم يأت كتابا فكتابا...

هل كان المهدي يرى صاحبه الشاعر حنفيا

يسأل عنه في "السان جرمان"

وفي الدار البيضاء

ولا يجد جوابا

هل مكان يراه وقد صار غرابا

يبكي القتلى من إخوته

ويودع كل نهار أصحابا

يستطيع ابن جلون أن يخلع الآن ثوبا

وأن يتجلى لنا في الثياب الآخر..

يتذكر عمر خارطة للوطن العربي،

مرصعة باللؤلؤ والياقوت،

مزينة بالأعلام العشرين

مطعمة بالفضة والذهب

تنفجر منها واحات خضر،

يتهادى فيها الطاووس،

ويرعى فيها البقر الوحشي عناقيد العنب

وأرى عمر الآن،

يمزق تلك الخارطة - الوهم،

ويبكي من غضب

أعلام أم خرق من عار

خنتم كلمات المهدي،

ودنستم نسبي

أنهار من عسل

أم تلك دماء فلسطين،

جرت نفطا في أمعاء التجار،

وكتاب فتاوى الطاغوت المنتخب

وأراه يقود عساكره القراء

ويهبط من فوق السحب

ليصحح خارطة الأشياء

وينصف عربا من عرب

السلام عليك عمر

وعليك السلام

تتألم؟

لا لم يعد وقته

تتنعم؟

لا لم يحن وقته

أنا بين المساء وبين السحر

أتردد ما زلت بين الشعاعين

حتى يعود دمي للشروق

وتزهر وردته في الحجر...

 

عذرا أيها العمر لن ننتظر احدا ليشعرنا بقيمتك، فنحن نعرفها جيدا وسنكون أقوى كلما تذكرناك