الأحد 12 مايو 2024
فن وثقافة

مناقشة أول أطروحة جامعية في العلوم القانونية والسياسية بالكلية متعددة التخصصات بأسفي

مناقشة أول أطروحة جامعية في العلوم القانونية والسياسية بالكلية متعددة التخصصات بأسفي
نوقشت بتاريخ: 18 دجنبر 2021 برحاب الكلية متعددة التخصصات بأسفي، أول أطروحة جامعية تقدم بها الطالب الباحث السيد ياسين الهومات لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، تحت عنوان: "ملاءمة التشريع الداخلي مع قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان ـ مقاربة منهجية لحدود قواعد السيادة وتأثير النظام المعياري الدولي"، تحت إشراف الدكتور عبد اللطيف بكور، وأمام لجنة للمناقشة مكونة من السادة الأساتذة: الدكتور ادريس لكريني، رئيسا
الدكتور عبد اللطيف بكور، مشرفا
الدكتوراة نجاة العماري، عضوا ومقررة
الدكتوراة حسنة كيجي، عضوا ومقررة
الدكتور سعيد خمري، عضوا ومقررا
الدكتور مصطفى الصوفي عضوا
وبعد مناقشة جادة ومستفيضة، تلتها ردود الطالب الباحث، أعلنت لجنة المناقشة عن نيل الطالب السيد ياسين الهومات درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا.
وبذلك، تكون شعبة العلوم القانونية والسياسية بالكلية متعددة التخصصات بأسفي، قد أسست لمناقشة الأطاريح الجامعية بهذه الكلية بعد مرور أكثر من تسعة عشر عاما، أي منذ أن فتحت هذه المؤسسة أبوابها أمام الطلبة عام 2003. كل ذلك يعود إلى المجهودات الجبارة التي يبذلها أساتذة الشعبة المذكورة، تحدوهم الرغبة والطموح في أن يكون لكلية أسفي حضور مشرف ووازن في مجال البحث العلمي الرصين.. وذلك على الرغم من التحديات وفي طليعتها ما تلاقيه مشاريع الماستر التي يتقدم بها الأساتذة ولا تجد قبولا من الجهات المعنية، لتضيع بذلك عدة فرص أمام طلبة الكلية بأسفي، فتزداد معاناتهم بالتنقل إلى مؤسسات جامعية أخرى، في الوقت الذي تتوفر كل إمكانيات احتضانهم بكلية أسفي.
والأمل معقود على أن يستفيد طلبة هذه الكلية في المستقبل القريب من فتح ماسترات سواء في العلوم القانونية أو غيرها من التخصصات، استجابة  لما لطلبة هذه الجهة من وطننا العزيز، من رغبة وطموح علمي يحدوهم ويحفزهم للنهوض بالبحث العلمي وتحقيق المنشود من الأعمال العلمية الجادة، وهو ما حققه غير قليل من هؤلاء الطلبة بعد تخرجهم ومتابعة دراساتهم خارج مدينة أسفي، والطالب الباحث السيد ياسين الهومات نموذج من كثير من الطلبة الذين نالوا تكوينا علميا رصينا بهذه الكلية.

وفيما يلي تقرير موجز بأهم مضامين العمل الأكاديمي المتميز الذي عرفته رحاب الكلية متعددة التخصصات بأسفي في إطار المناقشة العلمية المذكورة أعلاه.
بداية، فموضوع هذه الأطروحة الجامعية، ليس سهلا بالنظر إلى الإشكالية التي يطرحها.. بل هو معقد ومركب وخيوطه متداخلة. وتتمثل إشكاليته في السيادة وحقوق الإنسان في المغرب بصفة عامة. ومن ثمة، يبقى من الموضوعات الحساسة، نظرا لما له من تأثير مباشر على الأمن والاستقرار الداخلي، وأيضا على مصداقية الدولة المغربية على المستوى الخارجي.
وهكذا سجل السادة الأساتذة المتدخلون أن الموضوع يرتبط وتتقاطع فيه حقول ومجالات معرفية كثيرة ومتنوعة. فهناك مجال التاريخ ومجال العلوم الاجتماعية وعلم الأنثروبولوجيا الاجتماعية، كما أن علم السياسة حاضر بقوة في هذا البحث، علاوة على مادة حقوق الإنسان والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وغيرها من المجالات المعرفية الأخرى. وهذا التداخل بين هذه الحقول المختلفة، جعل مأمورية مقاربة هذا الموضوع من لدن طالب باحث مبتدئ، مأمورية صعبة، خاصة أنه من أجل أن يقارب الموضوع مقاربة علمية رصينة، كان عليه أن يكون متمكنا بجميع هذه الحقول المعرفية، وعلى إلمام جيد بها.
من جهة أخرى، ونظرا للصلة المباشرة للموضوع بجميع الأحداث والوقائع الدولية والوطنية، فقد زاد ذلك من صعوبة الدراسة ، نظرا لاتساع مجال حقوق الإنسان في الوقت الراهن، وامتداده ليشمل ميادين جديدة لم تكن إلى عهد قريب تحظى بالعناية اللازمة. ويذكر أساسا في هذا النطاق، حقوق الجيل الثالث. ذلك أنه خلال هذا الأسبوع بالضبط، صدر تقرير من لدن المندوبية الوزارية المغربية حول واقع حقوق الإنسان في المغرب. وقد جاء هذا التقرير ـ بطبيعة الحال ـ  كجواب على بعض التقارير التي تصدر سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي التي تتعامل مع المغرب في مجال حقوق الإنسان بناء على معايير تكاد تبقى بعيدة عن الواقع المغربي ولا تشخص تشخيصا علميا دقيقا ومحايدا الواقع المغربي في مجال حقوق الإنسان. وبالرغم من هذه الصعوبات التي يطرحها موضوع الأطروحة، يلاحظ أن الطالب الباحث قد أخذ على عاتقه مغامرة الغوص والتمحيص حول سؤال مركزي تطرحه الأطروحة، ألا وهو كيف سعى المشرع المغربي من خلال تشريعاته الداخلية إلى الملاءمة ما بين حدود سيادته التي تطبعها خصوصيات معقدة، وبين الشروط والمعايير التي تفرضها أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان. وهذا السؤال المركزي يمكن من القول بأن هذه المعادلة تجمع بين طرفين أساسيين، أولهما، سيادة الدولة المغربية المتمثلة في الخصوصية المغربية، وتحديدا أن هذه السيادة تتحدد في الوحدة الترابية والمرجعية الإسلامية والنظام الملكي والتي يضعها التشريع الداخلي المغربي في منزلة أعلى وأكثر قوة كلما تعارضت مع مضامين أي وثيقة دولية، وهو ما يفسر اللجوء إلى آلية التحفظات الدولية في كثير من المعاهدات والاتفاقيات التي صادق المغرب عليها. والعنصر الأساسي الثاني في المعادلة هو الشروط والمعايير الساسية المطلوبة في المواثيق الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان. فالموضوع إذن ليس كما يتصوره البعض سهلا وفي المتناول.. فالأمر ليس كذلك، لأن مقاربته تتطلب التسلح والتمكن من عدة آليات ومناهج يجب على الطالب الباحث أن يكون متمكنا منها، وهو ما أبان عنه صاحب هذه الأطروحة السيد ياسين الهمات.
ولعل الوقوف عند بعض مضامين هذا الموضوع، يكشف على أن الطالب قد وقف على تشخيص الواقع الذي تشهده التشريعات الوطنية المغربية، وكذلك تصور مدى ملاءمتها واحترامها لمجموعة من المعايير الدولية التي قد ترد أحيانا ضمن صيغ مغايرة وغير متطابقة مع المرجعيات والخصوصيات المغربية، كما هو الحال بالنسبة لمدونة الأسرة المغربية مثلا، أو بالنسبة للنقاش الذي أثير خلال مختلف المشاورات التي كانت تنعقد لمناقشة الأوراش التي انخرط فيها المغرب دوليا ووطنيا، وفي طليعتها الخطة الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والتقارير التي تندرج في إطار آلية الاستعراض الدولي الشامل.
وبناء عليه، فهذه الأطروحة حاولت أن تقارب ملاءمة التشريع الداخلي المغربي بين ضرورة مواكبة المستجدات وإلزامية التقيد بالمرجعيات، حيث ركز الطالب الباحث في أطروحته، خاصة في القسم الأول منها على السياق العام أو على سياق سؤال المرجعية الإسلامية وما يطرحه هذا الأخير من إشكالات مهمة تتعلق بمصادر التشريع المغربي وبمرجعيته الدينية، وذلك من خلال مضمون النقاش المفتوح في هذا المجال والذي انصب على ضرورة مواكبة التشريع المغربي لمستجدات القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما على مستوى المدخل الدستوري الذي جاء بمقتضيات كثيرة كرستها مختلف الدساتير المتعاقبة. ومن خلال هذه الأطروحة كذلك، حاول الطالب أن يطرح فكرة أساسية تتعلق بالسيادة المغربية في ظل الأوراش المفتوحة في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة. وهذه الأفكار التي تم طرحها بغرض تشخيص مدى جدية المغرب في إصلاح المشهد الحقوقي من خلال التركيز على تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة وتقييم حصيلتها ومدى توفقها من عدمه في الرقي بالمنظومة الحقوقية المغربية باعتبارها فرصة للقطيعة مع الماضي في انسجام تام مع الالتزامات الدولية التي يقدمها المغرب بمناسبة انخراطه الطوعي في آلية الاستعراض الدولي الشامل، باعتبارها فرصة لاستشراف المستقبل، مع التركيز على قياس هذه الجدية في إطار الإرادة السياسية التي لا يمكن الحكم عليها إلا من خلال الوقوف على ما قام به المغرب من أوراش إصلاحية مختلفة أهمها الخطة الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان، واستراتيجية مكافحة الفساد وإصلاح منظومة العدالة. من جهة أخرى، حاولت هذه الأطروحة كذلك مقاربة الملاءمة بين الجيل الكلاسيكي من الحقوق والجيل الجديد من الحريات العامة والحقوق الفردية. وتدور رحى هذه الفكرة حول دراسة معمقة لمدى الإلزامية التي تحظى بها القواعد والمعايير الدولية خاصة ما يتعلق بأجيال حقوق الإنسان من خلال التركيز على حقوق المرأة وحقوق الطفل والحقوق الفئوية التي يلاحظ أنها أضحت في تزايد مستمر من حيث قيمتها وأهميتها على المستويين الدولي والوطني.
وعموما، فهذه الأطروحة، كما تفضل بذلك الأستاذ المشرف الدكتور عبد اللطيف بكور أستاذ القانون العام بالكلية متعددة التخصصات بأسفي، تستجيب لكافة الشروط والضوابط الأكاديمية والعلمية المتعارف عليها في الأطاريح المقدمة للمناقشة، مضيفا على أن هذا العمل يتميز بالجودة الفكرية والدقة العلمية والعمق في التحليل والتمحيص، كما يتضمن معارف ومدارك وأفكارا أثثت صفحات هذه الأطروحة وأعطت قيمة مضافة، مقارنة مع ما تمت مراكمته في هذا المجال.. وهذا العمل الذي تقدم به الطالب الهمات، يبقى عملا بشريا، وطبيعي أن تعتريه بعض النواقص.. ذلك أنه أول خطوة في مساره العلمي، وعليه أن يستفيد من مختلف الملاحظات القيمة التي تقدم بها الأساتذة أعضاء لجنة المناقشة بغية تجويد وإغناء وإثراء العمل الذي يبقى عملا متميزا، يشرف الأستاذ المشرف وكذا أعضاء اللجنة والكلية بأسفي.. خاصة وأن هذا العمل العلمي يعد حدثا تاريخيا بالنسبة للكلية متعددة التخصصات بأسفي التي احتضنته، على أن تتكرر مثل هذه الأنشطة العلمية في هذه المؤسسة الفتية، طالما أن إدارتها محفزة ومشجعة لكل المبادرات العلمية والثقافية التي تبوء الكلية مكانتها المرموقة.