السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف غريب: تونس الشّقيّة وزيارة ليلى المسمومة لقيس المجنون

يوسف غريب: تونس الشّقيّة وزيارة ليلى المسمومة لقيس المجنون يوسف غريب
الشكل والأسلوب والتوقيت هي مفاتيح حاسمة في فهم وقراءة تبادل زيارات الرؤساء  بين الدول وخاصة داخل فضاء إقليمي تجاورت فيه الجغرافيا بتاريخ شعوب المنطقة.. 

وهي التي نستحضرها اليوم في زيارة دولة التي قام بها عبد المجيد تبّون الجزائري إلى تونس قيس السعيد إذ أعتبر أغلبية المحللين للشأن المغاربي أن  هذا التوقيت بالضبط هو بمثابة  دعم الرئيس التونسي  في خلافاته السياسية الداخلية وإنهاء عزلته الدبلوماسية بعد الإنقلاب على كل مؤسسات الدولة قبل أشهر، بل قبل الزيارة بيوم واحد أعلن هذا القيس السعيد مجموعة جديدة من التدابير الإستثناءية بمواصلة تجميد أعمال البرلمان حتى 17 دجنبر 2022 وهو نفس التاريخ الذي ستجرى فيه انتخابات نيابية مبكرة، كما تنظم البلاد استفتاء حول "إصلاحات دستورية" في يوليو 2022 ليكون بذلك الحاكم الفعلي والآمر الناهي في دولة بدأت تتآكل شرعيتها الدولية وسط أزمة سياسية حادة وانهيار اقتصادي وشيك.. 

هي الظرفية الإستثنائية التي حاول نظام العسكر كعادته أن ينقض عليها  من أجل تعزيز موقعه المغاربي ومحاصرة النفوذ المغربي  سواء داخل الملف الليبي.. من جهة ومع مؤشرات جد  إيجابية مع الجارة الموريتانية منذ البيان الصادر ضد العصابة ذات الصلة بقضية الشاحنتين.. إضافة إلى تحصين حدودها مع الجزائر بأجهزة المراقبة جد متطورة  لقطع الطريق بشكل نهائي على مرتزقة البوليساريو.. 

لذلك لا غرابة أن يأتي إعلان قرطاج وهو يعبر عن نوايا الرئيسين في تأسيس فضاء إقليمي جديد.. وهو  إعلان نهائي عن موت فكرة المغرب العربي أو المغاربي ..

صحيح أنّها دول مستقلة.. تملك سلطة قرارها.. وحرية اختيار حلفائها يجعلنا نقف مسافة احترام لهذا القرار أو ذاك لأنه لا يعنينا مادام لا يمس بمصالحنا وأمننا  القومي.. لأنهم في آخر المطاف دولتين لايتقاسمان فقط فقدان الشرعية الشعبية بل ،وأيضا يتشاركان في الأزمة الإقتصادية والهوة الإجتماعية كما جاء على لسان تبّون نفسه أثناء الندوة الصحفية وبكل أمانة:
(.. رغم أن الجزائر تمر بظروف صعبة بسبب الجانحة الوبائية.. لكننا سنتجاوزها بالصبر.. ونتقاسم ما نملك مع تونس بلدنا الثاني) 
وهو بهذا التصريح يكون الرئيس قد أسس لنظرية اقتصادية جديدة لتجاوز الأزمات تحت إسم الصبر ثم قال ماذا.. الصبر الصبر..
ليرد عليه القيس السعيد الذي وجد أخيراً ليلاه في الرئيس تبّون.. حد أن بالغ به الفرح ليقول بأنه لن ينسى فضل هذا الرئيس أثناء الأزمة الوبائية  ويتقاسم معه الأوكسجين.. وأطال في الشكر والإمتنان لهذا الموقف الأخوي والبطولي.. 

ولربّما خلف تلك القاعة التي احتضنت أشغال تلك الندوة ما زالت أعمدة المستشفى الميداني الذي بناه المغرب هناك خلال نفس الفترة  بأمر من قائد البلاد شاهدة على مساعدتنا للشعب التونسي الشقيق.. 

هو المستشفى الذي زاره هذا الرئيس نفسه.. ونوّه بجودة التجهيزات من آخر ما وصل اليه الطب.. إضافة إلى محركين لإنتاج الأوكسجين.. مع جودة الخدمات للأطقم الطبية والتمريضية المغربية ما زال هذا المستشفى شاهد اليوم على الرئيس قيس وأمام شعبه والعالم أنّه ناكر للجميل.. لا غيروطبيعيَ لأن  تونس  "غير السعيدة"، الآن  بلا حكومة ولا برلمان ولا محكمة دستورية، وأخيراً  بلا دستور.. بعد أن تنكر لهما هذا القيس الذي تبين مع مرور الوقت  أنه لا  يُحسن قراءة الواقع وتحسّس موازين القوى وطبيعة الأرض التي يقف عليها.. 

علماً أننا لا ننتظر منك الشكر.. ولن نرحل هذا المستشفى من تونس انتقاما من موقف تونس  من قرار مجلس الأمن الأخير حول الصحراء المغربية.. 
نحن لسنا دولة أمزجة وانفعالات وردود أفعال.. ولا نستغل أزمات الدول لشراء اصواتها ومواقفها.. 

المغرب دولة مبادئ ووضوح وشفافية في أسلوب تعاملها مع الدول والأمم تحت قاعدة التمييز بين الأنظمة وشعوبها.. وخاصة مع دول صغيرة كتونس يكاد وزنها وتأثيرها الدبلوماسي يقاس تقريباً بوزن الريشة.. أو أقل بقليل..

هذا الوضوح في الرؤية والموقف والقرار بقدر ما جعل من المغرب بلداً محترماً ومقبولا ومسموعاً في كل المحافل الدولية.. بقدر ما  جعله أيضاً مرعباً ومخيفا حد أن تبّون  لم يستطع أن يشكر قيسه على الموقف داخل مجلس الأمن.. 
ولا القيس السعيد أعلن عن تضامنه جراء" الإعتداء المغربي على الشاحنتين" حسب رواية العسكر الجزائري.. 
هو الخوف من القوة الإقليمية الحقيقية والفاعلة داخل  الفضاء المغاربي.. وصانع القرار الليبي باعتراف الدول المؤثرة والفاعلة هناك.. وآخرها ألمانيا.. 
لذلك قالوا عن الزيارة بأنها اوكسجين سياسي لقيس المعزول بعد الأوكسجين الطبي.. 
وبصورة كاريكاتورية.. 
هي زيارة ليلى المسمومة لقيس المجنون.. 
ما أصعب الحب في أرذل العمر..