الخميس 28 مارس 2024
سياسة

لماذا تحتاج الحكومة الألمانية المقبلة إلى مسار طويل الأمد للتعاون مع تونس والمغرب؟

لماذا تحتاج الحكومة الألمانية المقبلة إلى مسار طويل الأمد للتعاون مع تونس والمغرب؟ مستشار ألمانيا الجديد أولاف شولتس

في أحد نشراته لشهر نونبر 2021، نشر معهد التنمية الألماني، ومقره بون، نشرة حول رهانات الحكومة الألمانية الجديدة في المغرب وتونس، للباحثين مارك فورنيس وآنابيله هودرت. إذ نضع هذه النشرة بين يدي القارئ المغربي، فإننا نأمل أن تكون نافذة للحوار. ويتعلق الأمر بمؤسسة مستقلة للأبحاث والدراسات لها مصداقية كبيرة.

يأتي هذا في ظل سوء الفهم الكبير الذي تعيشه العلاقات المغربية الألمانية منذ شهر مارس الماضي. ويأمل المراقبين أن تتوج الإشارات الإيجابية المتبادلة مؤخرا بين برلين والرباط، بانطلاقة جديدة للعلاقات المغربية الألمانية من منطلق الاحترام المتبادل وشراكة تتطلع للمستقبل على قدم المساواة، وعلى قاعدة رابح ـ رابح.

 

كان التعاون مع شمال إفريقيا يحظى بأولوية مهمة بالنسبة للحكومات الألمانية الأخيرة، ومن المرجح أن يظل كذلك بالنسبة للحكومة المقبلة. يرجع ذلك إلى المصالح المشتركة القوية في مجالات التجارة والأمن والمناخ والتعاون في مجال الطاقة، ولكن أيضًا إلى حقيقة أن العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية التي أدت إلى الانتفاضات العربية في عام 2011 لم يتم حلها بعد. إذا لم يكن من السابق لأوانه، كما قال تشوان لاي لهنري كيسنجر، معرفة آثار الثورة الفرنسية، فإنه من السابق لأوانه بعد مرور عقد من الزمن أن نكون قادرين على معرفة تداعيات الانتفاضات العربية. فالعالم العربي يمر بعملية تحول اجتماعي لم تنته بعد، ولا يمكن لأحد أن يتوقع نتائجها. لذلك تحتاج ألمانيا إلى نهج طويل الأمد لتعزيز التعاون لتجاوز المصالح قصيرة الأجل والمشاحنات الدبلوماسية.

 

كما أن "عدم الاستقرار السياسي" في شمال إفريقيا لا يزال مصدر قلق لأوروبا. لذا فإن دور السياسة الألمانية الخارجية والتنموية في تعزيز الازدهار والتماسك الاجتماعي محليًا، يمثل تحديًا وفرصة في نفس الوقت. وتوضح التطورات الأخيرة في بلدين من شمال إفريقيا مخاطر الفشل، ولكنها توضح أيضًا إمكانيات التعاون الناجح. يتعلق الأمر هنا بتونس والمغرب، فهما "بلدان شريكان في الإصلاح" قدمت لهما الحكومات الألمانية استثمارات مالية ودبلوماسية كبيرة لدعم الإصلاحات وترشيد الحكامة وتنمية القطاع الخاص. يمثل التحول الديمقراطي في تونس أهمية كبيرة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها. لكن في صيف عام 2021، حل الرئيس قيس سعيد البرلمان، وأقال رئيس الوزراء، ويحكم من وقتها من خلال مرسوم رئاسي. وهو ما جعل التونسيين منقسمين ما بين من يدعم الإطاحة بالحكومة التي يُنظر إليها على أنها غير فعالة وفاسدة، ومن يتهم سعيد بنسف عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد. من جهتهم أدان العديد من المراقبين الغربيين خطوة سعيد دون محاولة فهم الادراك المحلي للتطور، والذي غالبًا ما يكون مختلفًا. أما رد الفعل الألماني على  تحرك سعيد فكان متحفظا للغاية، فوزارة الخارجية لم تسميه انقلاباً. وهذا يدل على الوعي بأن الوضع يكتسيه الكثير من الرمادية. وفي الوقت نفسه، لم تعلق الحكومة الألمانية على كيفية تأثير الأزمة على تعاونها مع تونس وما إذا كان ذلك سيتطلب إجراء تعديلات ما. فلا يمكن للجهات الفاعلة الخارجية تعزيز التغيير السياسي المحلي إلا إذا تم ترسيخه وإضفاء الشرعية عليه محليًا، ويجب على ألمانيا دعم الجهات والعمليات الديمقراطية بوضوح. ومع ذلك، فإن الشعب التونسي وحده هو من يمكنه أن يقرر بنفسه، وسيقرر ما إذا كانت الأزمة الحالية تعني العودة إلى الحكم الاستبدادي أو ما إذا كانت خطوة على الطريق نحو نوع من الديمقراطية التمثيلية.

 

على خلاف ذلك يبقى المغرب بلدا واثقا من نفسه، يسعى لتطوير علاقاته مع بقية دول إفريقيا وجذب الاستثمارات العالمية. وتم مؤخرا تعيين حكومة مغربية جديدة. غير أنه لسوء الحظ، تم تعليق العلاقات الدبلوماسية الألمانية المغربية والمزيد من التعاون حاليًا إلى حد كبير بعد سلسلة من الخلافات، أيضًا فيما يتعلق بوضع "الصحراء". فالثقة التي تم بناؤها خلال أكثر من 40 عامًا من التعاون الناجح في مجالات الطاقات المتجددة، والسياسة البيئية، والأمن، والتجارة، توجد الآن على المحك. يقدم نموذج التنمية الجديد في المغرب، الذي يمثل أهم الأهداف الاستراتيجية الاجتماعية والاقتصادية للسنوات القادمة، العديد من نقاط الانطلاق للتعاون، بدءًا من الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر والتعليم إلى الديموقراطية التشاركية والاستثمار. يجب أن تدرك الحكومتان معا المزايا المشتركة للتعاون في هذه المجالات واستمرار المشاريع القائمة بشأن سياسة المناخ والطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة الهيدروجين. هنا يمكن قريبا للعلاقات الثنائية تطوير إمكاناتها الهائلة مرة أخرى. يمكن للحكومة الألمانية الجديدة أن تلعب دورًا إيجابيًا في دعم الانتقال في تونس والمغرب دون المساومة على المبادئ الأساسية مثل العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والتبادل الاقتصادي المفتوح. بينما يجب أن تكون ألمانيا مستعدة لوقف التعاون إذا تعرضت هذه المبادئ لتهديد خطير، إلا أنها يجب أن تقبل أيضًا أنه من المحتمل أن تكون المناقشات حول قضايا السيادة ونماذج الديمقراطية، من أن تكون صعبة.

 

إذا كانت ألمانيا تريد الدخول في حوار حول هذه القضايا، فعليها أن تتجنب النفاق، لاسيما في مجالات الهجرة وحماية التجارة، حيث غالبًا ما تخفي التصريحات المبدئية سياسة إقصائية. إن معالجة تغير المناخ وتداعياته، والحد من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، وضمان الأمن هي المجالات التي توجد فيها مصلحة مشتركة في تعزيز الصالح العام. بالنظر إلى المبادئ الأساسية، يجب أن تكون هذه المجالات محور تعاون طويل الأمد بين الحكومة الألمانية الجديدة ودول شمال إفريقيا.