Tuesday 15 July 2025
منبر أنفاس

مراد علوي: انتهاء العصر الذهبي للأحزاب السياسية

مراد علوي: انتهاء العصر الذهبي للأحزاب السياسية مراد علوي
لم تعد الأحزاب السياسية اليوم تمثل ذلك الأفق الذي كان يُعوَّل عليه المواطن المغربي لتحقيق تطلعاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ما نشهده في المرحلة الراهنة هو تحول تدريجي لدور الأحزاب كقوة مجتمعية فاعلة، وانزياحها نحو الهامش في الوعي الشعبي، خاصة لدى الأجيال القادمة من الشباب. وإذا كان المغرب قد عرف فترات تألق حزبي منذ الاستقلال مع ظهور أول حزب، فإن تلك المرحلة، التي يمكن وصفها بالعصر الذهبي، أصبحت جزءًا من الذاكرة السياسية أكثر منها واقعًا معاشًا.
إن الأحزاب التي كانت تصنع المواقف السياسية وتخلق النقاش العمومي، أصبحت اليوم عاجزة في الغالب عن التجاوب مع الانتظارات البسيطة للمواطنين. لقد تحوّل كثير منها إلى أدوات انتخابية تشتغل بمنطق اقتسام المناصب أكثر من انشغالها بإنتاج الأفكار أو الدفاع عن رؤية متماسكة للمستقبل. والنتيجة أن الثقة في العمل السياسي بدأت تتراجع من حين إلى آخر، وكذلك نسبة الانخراط السياسي، بل وحتى الخطاب السياسي فقد معناه وتأثيره.
أما من الناحية البنيوية، فقد فشل جزء كبير من الأحزاب السياسية في تجديد نخبها، وتشبثت بقيادات تقليدية لم تعد قادرة على إلهام أو تحريك قواعدها. وفي المقابل، فإن محاولات خلق أحزاب جديدة غالبًا ما جاءت بتصورات تقنية فارغة من أي مشروع سياسي حقيقي، مما زاد في ترسيخ القناعة بأن المشهد الحزبي أصبح مغلقًا وغير منتِج.
إن الأزمة ليست فقط في الشكل، بل في الجوهر. حين تغيب المرجعيات الفكرية ويتلاشى الوضوح الأيديولوجي، تصبح السياسة مجرد مناورة تكتيكية لكسب مواقع ظرفية. وهذا ما أدى إلى طغيان الخطابات التبريرية وانعدام الجرأة في اتخاذ مواقف مبدئية، لا سيما في القضايا التي تهم الفئات الهشة أو الشباب العاطل أو سكان الهوامش.
ومع ذلك، لا ينبغي التسليم التام بأن هذا الوضع قدر لا رجعة فيه. فالمجتمعات الحديثة لا تعيش بدون هياكل تنظيمية، والأحزاب، رغم تراجعها، تظل الأداة الممكنة لتنظيم التمثيلية السياسية داخل المؤسسات الدستورية. ما يحتاجه المغرب اليوم هو لحظة نقد صريح من داخل الأحزاب نفسها، ومصالحة شجاعة بين النخب السياسية والمواطن، تعيد الاعتبار للسياسة باعتبارها أداة للتغيير وتبني الأفكار، لا مجرد وسيلة للمتوقع.
إن انتهاء العصر الذهبي للأحزاب حقيقة قائمة، لكنه لا يعني بالضرورة نهاية الأمل في بعث دورها كما كان سابقًا. بل إن الشرط الأساسي لذلك هو إعادة ربط العمل الحزبي بالمجتمع، لا بالاستهلاك الانتخابي العابر. وها نحن اليوم مقبلون على سنة انتخابية، وقد تظل الأحزاب السياسية قائمة شكليًا، لكن بدون روح ولا تأثير داخلي أو خارجي.
يمكن القول إن جزءًا من أزمة الأحزاب السياسية في المغرب اليوم يرتبط بتبدل شروط الفعل السياسي والاجتماعي نفسها. ففي العقود الماضية، كان الحزب السياسي يمتلك احتكارًا شبه مطلق لقنوات التعبير والاحتجاج والتأطير، بينما أتاحت التحولات التكنولوجية ظهور مساحات بديلة للجدل وتبادل الآراء خارج بنية الأحزاب التقليدية. لقد صارت شبكات التواصل الاجتماعي والفضاء الرقمي هي المنصة التي يلجأ إليها المواطنون لإيصال أصواتهم، فضلًا عن فضاءات السياسة في مختلف الفئات، للتعبير عن قضاياهم، وهو ما زاد في إضعاف دور الأحزاب في تشكيل الرأي العام.
 
مراد علوي : باحث في الدراسات السياسية والمؤسساتية
كلية العلوم القانونية 
 جامعة محمد الخامس بالرباط