السبت 20 إبريل 2024
مجتمع

جامعة الزهراوي لعلوم الصحة بالرباط.. الطلبة يقعون سنويا ضحية عملية نصب ممنهجة

جامعة الزهراوي لعلوم الصحة بالرباط.. الطلبة يقعون سنويا ضحية عملية نصب ممنهجة جامعة الزهراوي الدولية لعلوم الصحة

يعرف الطلبة الناجحون في البكالوريا، سنويا، سباقا محموما من أجل الظفر بمقعد بالكليات والمدارس العليا. وإذا كانت المؤسسات الوطنية توفر عددا محدودا من هذه المقاعد للطلبة المتفوقين، فإن باقي الطلبة يلجؤون إلى كليات ومدارس عليا أجنبية أو مسيرة من طرف القطاع الخاص. حيث يبذل أولياء الأمور الغالي والنفيس من أجل ولوج أبنائهم إلى هذه المعاهد الخاصة. فمنهم من يضحي بكل مدخراته، ومنهم من يضطر لبيع سكنه الخاص. في حين يلجأ البعض الأخر إلى البنوك من أجل تسديد واجبات التسجيل والدراسة.

 

وإذا كان الأمر منطقيا أن تتقاضى مؤسسات التعليم العليا الخصوصية لواجبات تسجيل وتمدرس الطلبة، فإنه من غير اللائق أن يلجأ البعض منها إلى حيل وأساليب نصب رخيصة من أجل سلب أولياء الأمور لمدخراتهم بغير وجه حق. يتعلق الأمر بعملية نصب ممنهجة دأبت عليها سنويا "جامعة الزهراوي الدولية لعلوم الصحة التابعة للمستشفى الجامعي الشيخ زايد بالرباط". حيث يقع سنويا ضحية هذه العملية، عشرات الطلبة. وتجني وراءها الجامعة المذكورة، ملايين الدراهم من عرق وشقاء أولياء الأمور. ففي كل سنة، يبث القضاء في العديد من الدعوى التي يرفعها بعض أولياء الأمور المتضررين من هذا السلوك الذي تنفرد به هذه المؤسسة المصنفة قانونيا "ذات منفعة عامة"، والمتمتعة تبعا لذلك، بعدة امتيازات ضريبية.

 

ولما كانت خيوط هذه العملية محبوكة بإتقان يصعب معها للقضاء أن ينصف المتضررين منها، وجب العمل على فضحها للرأي العام وللسلطات الوصية حتى تتوقف هذه الممارسات وحتى لا يقع المزيد من المواطنين ضحية لها.

 

عناصر العملية:

تتكون عملية النصب من عنصرين مدروسين بإتقان للاستيلاء على واجبات التسجيل وواجبات التمدرس (أزيد من 100.000 درهم للفرد) للعشرات من الطلبة المسجلين لديها، والذين أرادوا -لسبب أو لآخر-الانتقال إلى مؤسسة أخرى قبل البداية الفعلية للدراسة. فهذه العناصر مزيج بين ما هو تنظيمي وقانوني. يضاف إليهم استغلال حرص أولياء الأمور على تأمين مقعد دراسي لفلذات أكبادهم بكلية الطب والصيدلة وطب الأسنان. حيث يمكن تلخيصها كالاتي:

 

- العنصر الأول -تنظيمي-:

دأبت جامعة الزهراوي الدولية لعلوم الصحة التابعة للمستشفى الجامعي الشيخ زايد بالرباط على تنظيم مباريات ولوجها مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الباكالوريا. كما تعمد المؤسسة المذكورة إلى نشر نتائج تلك المباريات قبل ظهور نتائج كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان العمومية.

لحد الآن يبدو الأمر عاديا وطبيعيا. لكن الأمر الغير الطبيعي هو المدة القصيرة الممنوحة للطلبة قصد استكمال عملية التسجيل والشروط المصاحبة لها. فعلما من الجامعة المذكورة أن الطلبة الناجحين في مبارياتها يجهلون مصيرهم بخصوص نتائج كليات الطب والصيدلية وطب الأسنان العمومية، والتي يفضلونها كخيار أول، نظرا لمجانيتها ولجودة التعليم بها. فإنها تجبرهم على التسجيل النهائي بها، قبل نهاية عملية الانتقاء بنظيراتها العمومية. كما تعمد الجامعة المذكورة إلى تحصيل واجبات التسجيل والتمدرس السنوية (101.500 درهم) كاملة غير منقوصة مع اعتراف وإقرار مصادق عليه من طرف الطالب أو الطالبة بالاطلاع على كل الشروط والالتزامات، والالتزام بعدم المطالبة باسترجاع أي شيء من المبالغ المدفوعة في حالة العدول عن متابعة الدراسة.

 

العنصر الثاني -قانوني-:

تنفرد "جامعة الزهراوي الدولية لعلوم الصحة التابعة للمستشفى الجامعي الشيخ زايد بالرباط" دون نظيراتها، وطنيا ودوليا، بإلزام الطلبة الناجحين في مباراة الولوج إليها بالمصادقة على "اعتراف وإقرار بالاطلاع على كل الشروط والالتزامات، والالتزام بعدم المطالبة باسترجاع أي شيء من المبالغ المدفوعة في حالة العدول عن متابعة الدراسة".

 

يحتوي هذا الإقرار على خمسة بنود، كلها ترمي إلى عدم إرجاع مصاريف التسجيل والتمدرس (أزيد من 100.000 درهم) إلى الطالب الذي يريد عدم متابعة دراسته بالجامعة المذكورة لأي سبب كان. ويرتكز أساسا على الفصلين 71 و230 من قانون الالتزامات والعقود.

حيث جاء في الفصل 71: "لا محل لاسترداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق، إذا كان الدافع يعلم، عند الدفع استحالة تحقق هذا السبب، أو كان هو نفسه قد حال دون تحققه".

كما ينص الفصل 230 من نفس القانون: "الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون".

 

ولما كانت هذه الجامعة قد قامت بعملية الانتقاء والتسجيل قبل نظيراتها. وأجبرت الطالبات والطلبة بالتسجيل وتأدية المصاريف قبل ظهور نتائج ولوج كليات الطب والصيدلة وكليات طب الاسنان العمومية، خوفا منهم من عدم النجاح في الولوج إلى هذه الأخريات. ولما كان جل الطلبة يفضلون الالتحاق بالكليات العمومية في حالة نجاحهم في مبارياتها على البقاء في هذه الجامعة. فإن هذه الجامعة تكون قد أحكمت قبضتها عليهم بطريقة مدروسة ومتعمدة، تتكرر كل سنة، تجني من ورائها ملايين الدراهم بغير وجه حق.

 

إن هذا السلوك الفريد الذي لا تمارسه أية مؤسسة أخرى، وطنية أو أجنبية، يعكس سوء نوايا الطاقم المسير لهذه الجامعة، وتعمده الاستيلاء على مدخرات الغير بطريقة مدروسة وممنهجة، مما يستوجب عليها استرداد كل المصاريف للمتضررين كما هو منصوص عليه في الفصل 541 من ق.ل.ع.

الفصل 541: "البائع سيئ النية ملزم بأن يدفع للمشتري حسن النية كل المصروفات التي أنفقها حتى مصروفات الزينة أو الترف".

 

إنها ببساطة عملية نصب واحتيال مكتملة الأركان. خصوصا إذا علمنا أنها تتكرر كل سنة بنفس الطريقة، خصوصا وأن انسحاب الطلبة لا يشكل أي خسارة للجامعة المذكورة، مادام أنه يتم تعوضهم بطلبة آخرين من لوائح الانتظار. علاوة أن هذه الجامعة تستفيد من كل الامتيازات التي يخولها القانون للمؤسسات "ذات المنفعة عامة". فهذا "إثراء بغير سبب" مطابق لما للتعريف الوارد في قانون الالتزامات والعقود (ق ل ع) المغربي، خصوصا الفصل 66 منه الذي يمص على: "من تسلم أو حاز شيئا أو أية قيمة أخرى مما هو مملوك للغير بدون سبب يبرر هذا الإثراء، التزم برده لمن أثري على حسابه". فما هو وجه الاثراء في هذه النازلة؟

لو اقتصرت الجامعة على اقتطاع واجبات التسجيل كما تفعل نظيراتها، لكان الامر مستساغا. أما وإنها تأخذ مبلغ 100.000 درهم لكل طالب مغادر (يعد سنويا هؤلاء الطلبة بالعشرات)، فإنها اللصوصية بعينها.

 

إن العقد الذي تلزم جامعة الزهراوي الدولية لعلوم الصحة، الطلبة الراغبين بالانتساب إليها بالمصادقة عليه، يعتبر نوعا من عقود الإذعان. حيث تعتبر "الإرادة" هي العنصر الجوهري والأساسي لتكوين العقد. فحين تغيب الإرادة أو تكون معيبة، فالقانون يجيز المطالبة ببطلان العقد، وهو ما يعني أن القانون يحمي إرادة الأطراف. غير أنه ما بين الإرادة الحرة المتبصرة وبين الرضا المعيب، تقابلنا مجموعة من الأوضاع التي يملي أحد الطرفين، نظرا لقوته الاقتصادية مثلا أو لدرايته بأعمال معينة، شروطه على الطرف الآخر الذي يبدو أقل منه. وهكذا يمكننا أن نعتبر هذا العقد "عقد إذعان" لا "عقد مساومة ".

 فعقد المساومة (contrat de gré à gré): هو العقد الذي يملك كل من طرفيه حرية مناقشة شروطه قبل إبرامه على قدم المساواة مع الطرف الآخر. ففي مثل هذا النوع من العقود يكون الطرفان في نفس المركز.

 

أما عقد الإذعان (contrat d’adhésion): فهو العقد الذي يستأثر فيه أحد المتعاقدين بوضع شروط العقد في حين لا يبقى للطرف الآخر إلا قبولها جملة دون أن يكون له الحق في مناقشتها أو طلب تعديلها وذلك لأن المتعاقد الآخر يكون في مركز أعلى منه يجعله يفرض شروطه.

 

إن البنود المتضمنة للعقد الذي تفرضه هذه الجامعة تعتبر شروطا تعسفية من منظور قانون حماية المستهلك المغربي. حيث تعرف المادة 15 من هذا القانون الشرط التعسفي كالاتي:

المادة  12:

يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب المستهلك. دون المساس بمقتضيات الفصول 39 إلى 58 من الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود، تطبق الأحكام المذكورة كيفما كان شكل أو وسيلة إبرام العقد، وتطبق كذلك بوجه خاص على سندات الطلب والفاتورات وأذون الضمان والقوائم أو أذون التسليم والأوراق أو التذاكر والتي تتضمن شروطا متفاوضا في شأنها بحرية أو غير متفاوض في شأنها أو إحالات إلى شروط عامة محددة مسبقا.

فأي تعسف أكبر من هذه الشروط المجحفة في حق الطلبة، خصوصا وأن مبلغ 100.000 درهم مبلغ كبير بالنسبة للسواد الأعظم من الأسرة المغربية؟