السبت 4 مايو 2024
كتاب الرأي

عبدالالاه حبيبي: ليست العطلة واحة للتعذيب...كما ليست المدرسة هدفا لسهام التصويب الأحول...

عبدالالاه حبيبي: ليست العطلة واحة للتعذيب...كما ليست المدرسة هدفا لسهام التصويب الأحول... عبدالالاه حبيبي
ما فتئت منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي أنادي بضرورة تكييف المدرسة مع الطفولة، وليس لي عنق الطفولة لتوافق منطق المدرسة، مثل ذلك مثل الذي يقول أن الإنسان في خدمة الدين، والعكس هو الصحيح أي أن الدين جاء ليقدم خدمة للإنسان، وأن الشريعة وسيلة لبلوغ السعادة وليست هي الغاية والإنسان وسيلة ... لهذا فأغلب المفاهيم في ثقافتنا التربوية والعامة تسير على رأسها ولا أحد يراها كذلك، لأن أغلب من يحاول فهمها يكون بدوره يسير على رأسه لهذا تبدو له في وضع طبيعي...
الطفولة هي المصدر، والفرع هو المدرسة، النبع هو البراءة والاشتقاق هو المقررات والبرامج، لهذا وجب أن تكون المدرسة الحقيقية هي خصائص الطفولة وما تحفل به من مباهج وجدانية و قوة حيوية وحب اللعب والسفر والجري والتخييل وتفكيك وصناعة الأحلام وتبادلها مع الأقران...
ليست الطفولة مرتعا للكبار حتى يعبثوا فيه كما شاؤوا، أو يهاجموه بأوهامهم المرضية، وعقدهم النفسية المزمنة، وأحلامهم الفاشلة، وأسقامهم العشقية البائدة، لأنها الحياة في صفائها، والملكوت في نقائه، والعقل في طبيعته الأولى، او الهيولانية بلغة ارسطو..
كل اقتحام لعالم الطفل ينبغي أن يتحلى صاحبه بالأدب والحكمة والصحو العقلي والاتزان النفسي، لهذا لا يمكن أن نسند مهمة تربية الناشئة لكل من هب ودب دون العبور من مصفاة الاختيار والاستحقاق... كما ليس من حق المجانين رمي المدرسة بأوصاف التقريع الساقطة، وبمرجعيات العقيدة المحترمة، لأن المدرسة مؤسسة تعليمية، لها قواعد تنظمها وتشريعات تؤطرها، ومواثيق تحميها، وتاريخ يؤكد ضرورتها وصدق فعلها... الطفولة والمدرسة صنوتان متصالحتان حينما تكون الثانية مشتقة من روح الأولى...
قديما كان الذهاب إل المدرسة يشبه التوجه إلى مكان مناقض تماما لشغب الطفولة، مكان للتوحيد، والتنميط، والتمرين على نسيان الطفولة والتبرؤ من حلاوتها لأنها في عرف المربون آنذاك فسحة من التمرين على اكتشاف الحب والجمال لا ينبغي أن يطول المقام فيها وإلا فسدت الثمرة وكأن العبور من أشعة الشمس نحو ظلال الأشجار يهدد الجسد بالفساد وبالتالي بالموت... كانت تلكم رؤاهم التي ورثوها بدورهم من الأولين... لا يلامون عليها لأنها كانت وسيلتهم الوحيدة لتحصين الصغار من الضياع... لكنها كان ينبغي أن تتحول إلى ورشة للتعديل والتطوير والتشذيب بهدف بلورة مشروع بيداغوجي يلائمنا، لكن للاسف لم يحصل هذا الطموح..
موضوع التدوينة هو تعذيب الصغار لحرمانهم اللعب والشغب والسفر، وهذا مالا نزال نراه في مدرسة اليوم، الحفظ والتذكر، والتمارين الطويلة والتي تقضم كل ساعات اليوم والليل، والواجبات الموازية، والدروس الطويلة التي غالبا لا تساير العمر النفسي والعقلي للصغار، والضغط على أعصاب الآباء العاجزين كليا عن مواكبة هذه المطالب الغارقة في أوهام بيداغوجية أكثر منها حقائق تربوية، لهذا لا يمكن للطفل أن يكون سعيدا وهو يحمل محفظته صباحا للتوجه إلى مكان لا يشبه طفولته ولا يوفر له فسحة للقاء الفرح والمتعة وخياله الجميل...
لا معنى أن نكلف التلاميذ خلال عطلة الدورة بتحضير الامتحانات الدورية، مما يعني سلبهم حقهم في الراحة والاستمتاع بمسافة البعد عن ضغط الدروس والنظام المدرسي اليومي، بهذا المعنى سيحملون معهم المدرسة خلال العطلة، وسينغص عليهم ذلك وقتهم، ولن يجدوا لذة في السفر ولا طعما في أنشطة أخرى موازية مع الأقران أو في رفقة الأسر... لهذا بات من الضروري القطع مع هذه الأساليب السادية التي تنتجها عقليات تقليدية لا تزال ترى في الطفل ذاتا لا تصلح سوى للضبط والتشذيب والمراقبة المستمرة حتى تستقيم كشجرة صفصاف ...
وفي ختام هذه التدوينة أستنكف عن الرد على أولئك الذين يبحثون عن جر المجتمع إلى نقاشات عقيمة، ألفوها كلما تخلى عنهم قطار التطور والسياسة ولفظتهم الجماهير في واضحة النهار، حلم جر المجتمع إلى معارك اللباس والأخلاق المفترى عليها، و ادعاء الدفاع عن الطهرانية التي أثبتوا أنهم أول من يلوثها تحت أشعة الشمس، وأن خطاب الاتهام قد ولى وانتهى والحروب الدونكشوتية لم تعد موضة في مجتمع ما بعد انكسار شوكة المحافظين المنهزمين ديموقراطيا...