الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

يونس التايب: جواز التلقيح... بين قانونية القرار ونجاعة منهجية التنزيل!

يونس التايب: جواز التلقيح... بين قانونية القرار ونجاعة منهجية التنزيل! يونس التايب
قبل الدخول في صلب المقال، لا بد أن أشير بداية إلى أنني استفدت إراديا من جرعتي التلقيح، الأولى والثانية، قبل أكثر من سبعة أشهر. ثم قمت، قبل أربعة أسابيع، بأخذ الجرعة الثالثة، إيمانا مني بأن التلقيح هو جدار دفاع يضمن درجة متقدمة من الحماية الفردية والجماعية، صحيح قد لا تنتهي من خلالها إمكانية انتقال عدوى كورونا بين الناس، لكن وتيرة انتشارها تقل بشكل ملموس، وتنحصر نسبة الإصابات الخطيرة التي كانت تنتهي بأصحابها في غرفة الإنعاش، وربما تؤدي إلى الوفاة. كما أنه، باستثناء حالات فردية محدودة العدد، لم يثبت أن أنواع التلقيحات المتوفرة، لها آثار جانبية أكثر وأخطر مما يمكن أن يوجد في باقي الأدوية والتلقيحات القديمة الأخرى.
وكما عدد كبير من المغاربة، قررت الانخراط والاستفادة من التلقيح مباشرة بعد أن رأيت عاهل البلاد، الملك المواطن، يأخذ جرعة التلقيح، ويشرف بعد ذلك بشكل شخصي على سير الحملة الوطنية كلها، الشيء الذي عزز قناعتي الإيجابية تجاه التلقيح، وقوى اختياري أن أثق في مؤسسات بلادي. كما طمأنتني جدية أطر الصحة العمومية الذين استفادوا، هم أيضا، من التلقيح قبل أن يشرفوا على تأطير استفادة المواطنين منه.
وبعيدا عن الخرافات والشعبوية التي تحملها نظرية المؤامرة التي يروج لها البعض، لا أعتقد أن أطباء المغرب هم أشخاص انتحاريون، يمكن أن يقبلوا على أنفسهم أخذ تلقيح سيضر بحياتهم وحياة ذويهم. لذلك، شجعت بقوة على الإسراع للاستفادة من التلقيح.
اخترت توضيح هذه النقطة، في بداية مقالي، حتى لا يظن أحد شيئا آخر غير ما أريد إيصاله من معنى، أو يعاتبني أحد على انتقاد منهجية تنزيل قرار إلزامية "جواز التلقيح"، التي تسببت في توتير الأجواء بشكل لم تكن له أية ضرورة، خاصة ونحن في ظرف جيوستراتيجي دقيق يحتاج منا وحدة الصف المطلقة لمواجهة تحديات وأخطار حقيقية ومؤامرات تتهدد مصالح بلادنا من الخارج، ويحتاج منا التضامن لتخفيف واقع اجتماعي ضاغط بسبب أزمة الجائحة والارتفاع الكبير في تكاليف العيش بالنسبة للأسر الضعيفة والمتوسطة الدخل. كما أن الظرف الوطني يعرف تشكيل حكومة جديدة أمامها أوراش استراتيجية ليس من المصلحة أن يشوش على تنزيلها أي قرار حكومي، تنزيله فجائي وخال من أي تواصل، وبعيد عن الروح التشاركية التي اتفقنا أن نعتمدها لننجح في تنزيل أوراش النموذج التنموي الجديد، والحماية الاجتماعية، والتأهيل الشامل لمنظومة التدبير العمومي.
في هذا السياق، لا بد من تفهم كون المواطنين استفزهم الإحساس بأن وزارة الصحة العمومية "زربات عليهم"، كما نقول بالدارجة، و وضعتهم أمام ضرورة التأقلم مع واقع جديد في أجل يومين، كمسافة فاصلة بين الإعلان عن قرار إلزامية جواز التلقيح و بداية تفعيله، دون تواصل فوري يشرح حيثيات القرار و يقنع الفاعلين، وعموم المواطنين، بأسلوب و بلغة تحترم الناس و تقدر ذكاءهم، و تشجعهم على أن يقبلوا ما يبدو أنه تناقض في قرار فرض إلزامية الجواز، بينما التلقيح إرادي و مرتبط بجو التعبئة و المسؤولية التي تحلى بها المغاربة، منذ اللحظة التي ظهر فيها قائد البلاد و هو يأخذ جرعة التلقيح.
و من خلال ردود الفعل التي برزت في الأيام القليلة الماضية، يتبين أن مؤاخذات الرافضين لقرار وزارة الصحة، تهم شقين :
- الشق الأول، مرتبط بمدى شرعية قرار إلزامية جواز التلقيح، من الناحية القانونية. ولحدود الساعة، تبدو هذه النقطة محسومة إلى أن يثبت العكس، في حالة ما إذا تم تقديم طعن أمام محكمة مختصة، وصدر حكم بعدم قانونية التدبير الذي تستند فيه الحكومة، إلى مرجعية قانون حالة الطوارئ الصحية. كما أن دخول المجلس الوطني لحقوق الإنسان على الخط، بالشكل الذي تم به، يؤكد أن القرار لم يتجاوز خطوطا جوهرية.
- الشق الثاني، مرتبط بانتقاد عدد من الفاعلين والمواطنين لتنزيل القرار بشكل سريع ومفاجئ، بعد خروج الخبر في الإعلام، و ليس كما اعتاده الناس، من إصدار بلاغ رسمي وخروج وزراء معنيين للتواصل، وخلق جو إيجابي لتيسير الانتقال من وضع إلى وضع، في جو من الانخراط والرضا.
و بمعزل عن رفض أو قبول قرار إلزامية "جواز التلقيح"، أعتقد أنه كان الأفضل، أخذ أجل أربعة أسابيع بين إعلان القرار و بين يوم تنفيذه، لوضع الترتيبات جديدة لتنظيم استقبال المواطنين المستعدين مبدئيا لأخذ جرعات التلقيح، و تصحيح بعض الجوانب التنظيمية، و ضمان التنظيم الجيد للعملية داخل الفضاءات المخصصة، و ترتيب التوافد لتفادي تكدس الأجساد الذي لوحظ في بعض المواقع، و شرح كيفية تنفيذ عملية مراقبة الجواز في الفضاءات العامة و الخاصة، لتكون مضبوطة ومنضبطة لحيثيات قانونية تحمي المعطيات الشخصية للأفراد، و تمنع أي احتكاكات بين الناس.
كما أن الأجدى، كان هو أن تستثمر الفترة الفاصلة لفتح نقاش عمومي يطمئن المجتمع وتشرح فيه وزارة الصحة العمومية كيف ستتم حماية الأشخاص ذوي الحالات الصحية التي لا تتحمل اللقاح، كي لا يفرض عليهم شيء، والتأكيد على أن الهدف هو ضمان صحة الأفراد وسلامة المجتمع، بشكل متوازي حتى الوصول إلى مناعة جماعية ضد السلالات الجديدة التي تظهر في أي وقت.
أجزم أنه لو تم اعتماد تلك المنهجية السلسة والمتدرجة والتشاركية، لكانت نسبة المتفهمين لضرورة جواز التلقيح أكبر، ولزاد أعداد المساندين لعملية المرور إلى مرحلة، بشكل غير مباشر، تجعل التلقيح إلزاميا بسبب أن التوفر على الجواز إلزامي. وربما كنا سنصل بسهولة كبيرة إلى أكثر من 80% من المواطنين الملقحين، والنسبة المتبقية يمكن أن تشمل حالات أشخاص لا يمكن تلقيحهم لأسباب صحية، أو الأشخاص الذين لهم حساسية مطلقة من فكرة التلقيح، وهؤلاء عليهم مسؤولية أخلاقية تجاه مجتمعهم بهذا الاختيار الذي لا يستطيعون ضمان ألا يجعلهم في مرمى الإصابة بالعدوى ونقلها لمحيطهم الخاص والمهني.
الآن، وقد جرى ما جرى، علينا أن نتوجه نحو المستقبل ونتعامل بحكمة وهدوء، ونستحضر واجب الحفاظ على مكتسبات بلادنا في مجال مواجهة الوباء، ونثمن التضحيات الكبيرة التي بذلت من طرف مختلف الشرائح الاجتماعية والمهنية، ومن طرف الدولة المغربية بمؤسساتها وأجهزتها التي ساهمت في التصدي للجائحة. ولذلك، نحتاج إلى قطع الطريق على أسباب المزايدات التي تخلط بين تساؤلات مشروعة حول جواز التلقيح، ومشاكل اجتماعية تعاني منها الفئات الهشة والطبقة المتوسطة وتستحق المعالجة بسرعة، وبين أجندات سياسية فئوية لا حكمة في تصريفها عبر توتير الأجواء في عملية وطنية يجب أن تتجاوز التجاذبات والصراع السياسي لأنها تهم صحة الناس وسلامة المجتمع.
كما علينا الاستثمار في عوامل القوة التي راكمتها بلادنا وأبدعها مجتمعنا منذ مارس 2020. ويكفي أن أشير، هنا، إلى أن ديناميكية رفض إلزامية جواز التلقيح، وازتها ديناميكية إقبال كبير على التلقيح، تجاوز بفضلها عدد المستفيدين من الجرعة الأولى 24.278.000 شخص، ومن الجرعة الثانية أكثر من 22.170.000 شخص، ومن الجرعة الثالثة أكثر من 1.484.000. بذلك، يتأكد وجود مسار متصاعد يبين أن المغاربة اختاروا الثقة في الحملة الوطنية للتلقيح، وفي المؤسسات التي ترعاها، ومن حقنا عليهم أن نتواصل معهم، ونشركهم في تفاصيل المعركة ضد كوفيد، ونطمئنهم على سلامة صحتهم من أية أعراض جانبية، بعيدا عن التشنج أو التشبث الدغمائي بالرأي أكثر من اللازم، لأننا في قلب أزمة وبائية معقدة لا نعرف كل أسرارها، ومن المحتمل جدا أن "الحلول" التي ستظهر بعد سنة، ردا على ما ستحمله السلالات المتحورة قد يكون أشد قسوة على البشرية جمعاء.
لكل ما سبق، سأبقى ألح على وجوب حفظ هيبة القانون وسموه، لما فيه من حفظ لهيبة الدولة، ومن لم يعجبه قانون معين ما عليه سوى أن يسعى لتغييره عبر إصدار قانون جديد عبر القنوات المؤسساتية. كما سأظل ألح على أهمية التواصل العمومي الجيد، والانفتاح على الآراء الرصينة التي يمكن أن تفرزها نقاشات عمومية جادة تشرك المواطنين لأنهم أول المتضررين من آثار الأزمة، ولأن الحلول يفرزها الذكاء الجماعي الذي يتشكل مما ينتجه ذكاء الأفراد.
وما دمنا في سفينة واحدة تبحر وسط أمواج عاتية، بعضها مرتبط بالجائحة الوبائية وبآثارها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وبعضها مرتبط بتحديات جيوستراتيجية خارجية ومؤامرات لوقف مشروعنا التنموي الوطني، وبعضها متعلق بأوراش تنموية تفرض الوحدة الوطنية والتركيز والاطمئنان المجتمعي، علينا التزام التضامن والتخفيف عن المتضررين من مشاكل ارتفاع تكاليف الحياة وهشاشة الوضع المعيشي للأسر، وحماية الاقتصاد الوطني قصد الحفاظ على مناصب الشغل القائمة وخلق فرص عمل ومشاريع جديدة.
لذلك، يجب أن تستمر الحملة الوطنية للتلقيح بتعبئة وطنية أعلى، وتواصل أفضل وأنجع، ولندبر اختلاف مواقفنا بحكمة عبر نقاشات هادئة، لا تحريض فيها ولا تشكيك في النوايا ولا تنازع، حتى لا نفشل وتذهب ريحنا و "يضحكوا علينا الشمايت" والأعداء المتربصون ببلادنا.