الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل ذاب الجليد الذي كان يجمد علاقة باريس بواشنطن؟

يوسف لهلالي: هل ذاب الجليد الذي كان يجمد علاقة باريس بواشنطن؟ يوسف لهلالي

"ما قمنا به لم يكن ملائما ولم يكن على قدر كبير من اللياقة"، هكذا اعترف الرئيس الأميركي جو بايدن لنظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون حول إعلان الشراكة الدفاعية مع أستراليا والمملكة المتحدة والذي كان قرارا مفاجئا لباريس، بل اعتبره وزير الخارجية الفرنسية "طعنة في الظهر".

 

ولإنهاء هذه الأزمة لم يتردد بايدن في بذل مجهود ومبادرات المودة حيال نظيره ماكرون الذي استقبله في فيلا بونابرت، مقر السفارة الفرنسية في الفاتيكان، مع مصافحات متكررة وبسمات عريضة وتشديد على "مود ته الكبيرة" لفرنسا "أقدم حليف للولايات المتحدة". في محاولة  لتجاوز الخلاف الناجم عن قضية الغواصات الأسترالية، فيما كان إيمانويل ماكرون أكثر تحفظا، متحدثا عن "بدء مسار الثقة".

 

من جهته، قال ماكرون "أوضحنا ما ينبغي توضيحه" بشأن هذا التحالف في المحيطين الهادئ والهندي الذي كلف فرنسا عقدا ضخما لبيع أستراليا غواصات متطورة.

 

واستمر اللقاء الثنائي بين الجانبين الذي انضم  إليه وفدا البلدين لاحقا، ساعة ونصف ساعة تقريبا. ودعا الرئيس الفرنسي إلى التوجه للمستقبل في إشارة منه لتجاوز هذه الأزمة. وأضاف الرئيس الفرنسي "ينبغي الآن التطلع إلى المستقبل" الذي يشتمل على قرارات مشتركة "ملموسة جدا تدعم التحركات والمبادرات المشتركة" حول المناخ والدفاع والابتكار. وأكد ماكرون أن على البلدين أيضا "توفير توضيحات ضرورية حول السيادة والدفاع الأوروبيين".

 

وكانت رغبته الحصول من واشنطن على مباركة صريحة لجهود فرنسا لبناء منظومة دفاعية أوروبية فعلية. وكانت الولايات المتحدة أبدت فتورا حيال هذه الفكرة، خصوصا أنها تقود حلف شمال الأطلسي. وشدد الرئيس الأميركي على أن  فرنسا "شريك بالغ الأهمية" لبلاده.

 

ووفق البيان المشترك الذي صدر عن الجانبين بعد لقاء القمة بين الطرفين، فإن العديد من المطالب الفرنسية قد تم تلبيتها سواء فيما يخص الدفاع الأوروبي، والدعم الأميركي للقوات الفرنسية بمنطقة الساحل. وصرح الرئيس الفرنسي بهذه المناسبة حول العلاقة بين الجانبين وهما بلدان صديقان كما ردد الطرفين. "الثقة مثل الحب: الأقوال جيدة، والبراهين أفضل".

 

وستنخرط فرنسا والولايات المتحدة في "شراكة ثنائية حول الطاقة النظيفة" بحلول نهاية هذا العام، وفق ما جاء في بيان مشترك بعد لقاء الرئيسين. كما ترغب "فرنسا والولايات المتحدة في تعزيز تعاونهما في مسائل الفضاء"، حسب البيان.

 

وفي ما يتعلق ببناء دفاع أوروبي، فإن "الولايات المتحدة تدرك أهمية وجود دفاع أوروبي قوى وعملي" ويكون "مكملا لحلف شمال الأطلسي"، استنادا إلى البيان. وهي مناسبة لطرف الفرنسي من اجل تطوير القدرات الدفاعية الأوروبية، وسوف تترأس فرنسا  في الدورة الأولى من سنة 2022 رئاسة الاتحاد من أجل دفع الأوروبين إلى الاستثمار في مجال الدفاع المشترك وهي نقطة سوف  تجد مقاومة من بلدان أوروبا الوسطى خاصة بولونيا والمجر.

كذلك، يريد رئيسا الدولتين إطلاق "حوار استراتيجي حول التجارة العسكرية"، ولا سيما بشأن تصاريح التصدير. وهي نقطة مهمة لصناعة الأسلحة الفرنسية. وتقول واشنطن أيضا إنها "خصصت موارد إضافية لمنطقة الساحل لدعم جهود مكافحة الإرهاب التي تقودها فرنسا ودول أوروبية أخرى"، وهو مطلب فرنسي.

 

من القضايا الأساسية التي حققها اللقاء بين الطرفين هو اعتراف الولايات المتحدة بفرنسا كقوة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. ورغم الاعتراف، فإن هناك خلافا بين الطرفين حول التعامل مع الصين، التي تعتبرها الولايات المتحدة أنها تشكل تهديد حقيقي، ويساندها في هذا الرأي بريطانيا وأستراليا في حين ترى فرنسا مثل العديد من بلدان المنطقة أنه يجب الدفع بمقاربة تميل إلى الحوار والتفاوض مع بيكين وهو خلال أساسي يفسر أسباب إبعاد فرنسا من حلف أوكوس.

 

فرنسا طالبت الولايات المتحدة الأميركية خلال هذا اللقاء أيضا باستشارة الأوروبيين في مفاوضاتها مع روسيا حول الحد من انتشار التسلح  وذلك لأهمية هذه النقطة  في التحالف الأوربي الأطلسي.

 

بعد هذا اللقاء الثنائي بين باريس وواشنطن، كانت قمة العشرين التي غاب عنها الرئيسين الروسي فلادمير بوتين والصيني  كسي جيبينغ لابراز وحدة الصف بين البلدان الغربية أثناء هذا اللقاء الذي طرحت أمامه العديد من الأزمات.

 

فوجئت واشنطن برد  فعل فرنسا الغاضب بعد الإعلان في منتصف سبتمبر الماضي عن التحالف الجديد الذي أطلق عليه اسم "أوكوس" بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. بالإضافة إلى عدم استشارتها، شعرت باريس بخيبة أمل كبيرة من النتيجة الأولى لهذه الشراكة المتمثلة بتخلي أستراليا عن عقد ضخم لشراء غواصات فرنسية.

 

وبعدما استدعى السفير الفرنسي في واشنطن، انتظر ماكرون أسبوعا قبل أن يتحد ث هاتفيا مع بايدن في 22 سبتمبر، في مكالمة أتاحت بدء التهدئة. ثم أطلق الرئيسان "عملية مشاورات معمقة" لإعادة الثقة التي تضررت كثيرا بين الحليفين.

وقبل الرئيس الفرنسي، التقى بايدن الساعي إلى تعزيز تحالفات الولايات المتحدة الأوروبية التي أساء إليها سلفه دونالد ترامب، رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي. وخلال اللقاء، شددا على ضرورة "تطوير الدفاع الأوروبي"، على ما أعلنت الحكومة الإيطالية.

 

ويفترض أن تعلن القوى العظمى خلال هذه القمة اتفاقا حول "ضريبة دنيا" تفرض على الشركات الدولية. لكن ثمة شكوكا متواصلة حول إمكان إعلان تعهدات قوية بشأن المناخ قبل انعقاد مؤتمر الأطراف كوب26 في غلاسكو في اسكتلندا الأسبوع المقبل.

 

يمكن القول إن القمة بين جو بايدن وايمانويل ماكرون كانت ناجحة، وحصلت باريس على  الدعم الذي كانت تنتظره من حليفتها واشنطن بعد الأزمة الغير المسبوقة في العلاقات بين البلدين والتي اندلعت بسبب صفقة الغواصات واتفاق اوكوس الذي اعتبرته فرنسا طعنة في الظهر من طرف حليفتها واشنطن مما دفعها إلى استدعاء السفير وهي سابقة في العلاقات الديبلوماسية بين الجانبين. والجميع ينتظر ما ستقدمه واشنطن لتعويض فرنسا عن هذه الصفقة، سواء مطالبتها برفع القيود عن التكنولوجية العسكرية الأميركية أو دعما أكبر في عمليات التدخل العسكري الهادفة إلى مكافحة الجهاديين في منطقة الساحل. وقد أشاد ماكرون بأولى الإجراءات الملموسة التي اعتمدتها الولايات المتحدة على الأرض من  أجل دعم هذا التواجد الفرنسي والأوروبي الذي يمر بصعوبات بسبب الخلاف مع الحكومة المالية التي تريد الاستعانة  بأطراف أخرى لمواجهة الحركات المسلحة بالمنطقة، وهو ما أثار حفيظة باريس.

 

هذه الأزمة التي حدثت بين باريس وواشنطن والانسحاب الأميركي من أفغانستان والعراق، وتراجع الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط، هو مؤشر على التحول في السياسة الأميركية التي توجهت نحو المحيطين الهندي والهادئ ونحو آسيا بصفة عامة حيث تتركز القوة الاقتصادية، السياسية والبشرية لعالم اليوم. وهي إشارة إلى ضرورة اعتماد الأوربيين على أنفسهم بعد الاهتمام الكبير الذي خصصته واشنطن للمنطقة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.