الأربعاء 24 إبريل 2024
اقتصاد

حميد النهري: مشروع قانون المالية 2022 أهمل الإصلاح الضريبي

حميد النهري: مشروع قانون المالية 2022 أهمل الإصلاح الضريبي الأستاذ حميد النهري ووزير المالية والاقتصاد نادية فتاح العلوي

على خلفية تقديم وزيرة الاقتصاد والمالية لمشروع قانون المالية لسنة 2022، أمام مجلس البرلمان بغرفتيه، يوم الاثنين 25 أكتوبر 2021، في جلسة عمومية مشتركة، أجرت "أنفاس بريس" مع أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بطنجة، حميد النهري، الحوار التالي، والذي سلط فيه الأضواء على بعض المستجدات من القانون المالي الجديد، وخاصة ما يتعلق بالإصلاح الضريبي...

 

+ في نظرك أين تكمن أهمية مشروع قانون المالية الجديد الذي جاءت به حكومة أخنوش؟

- في العادة تحظى قوانين المالية السنوية بأهمية كبرى ومتابعة قوية من طرف المواطنين، وبالنسبة لقانون المالية 2022 ارتفعت نسبة الأهمية والمتابعة بشكل ملحوظ.

ويرجع ذلك الى العديد من الاعتبارات:

أولا: قانون المالية هو الأول في ظل ولاية الحكومة الجديدة والتي جاءت بعد انتخابات شتنبر2021 ؛وبعد تجربة ولايتين للحكومة السابقة بقيادة العدالة والتنمية؛

ثانيا: حكومة جاءت بتحالفات مكونة من الاحزاب التي احتلت المراتب الثلاثة الأولى في الانتخابات، ويرى المتتبعون أن هذه الممارسة جديدة في المشهد السياسي المغربي؛

ثالثا: حكومة قدمت برنامجا بطريقة غير مسبوقة، وتعتبره يتضمن أوراشا تستطيع بواسطتها مواجهة التحديات؛

رابعا: وهذا هو الأهم، قانون المالية يأتي إثر تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية والاجتماعية، والتي ما زالت تلقي بظلالها على بلادنا...

 

+ من خلال تقديم مشروع قانون المالية والذي تعتبره يهدف إلى تنزيل الأوراش الكبرى؛ فهل ترى بأن مضامين هذا المشروع تسير في هذا الاتجاه؟

- إذا أخذنا بعين الاعتبار قانون المالية كترجمة فعلية للبرنامج الحكومي؛ فإن هذه القوانين، طيلة مدة ولاية الحكومة، ستهدف من خلالها إلى تنزيل أوراش البرنامج الحكومي، ويتعلق الأمر بقوانين مالية سنوات 26/25/24/23/22

ويمكن القول إذن إن مشروع قانون المالية الحالي كان محضرا في أغلب مكوناته من طرف الحكومة السابقة؛ لكن في العادة تقوم الحكومة الجديدة بإدخال بعض التعديلات أو تضيف بعض اللمسات الإبداعية التي يمكن أن تكون بمثابة تعبير عن جديتها في تنزيل برنامجها؛ كما أن هذه اللمسات تعتبر بمثابة طمأنة للمواطنين الذين ينتظرون بعض الأجوبة الآنية للوضعية الصعبة التي يعيشها أغلبهم جراء تداعيات جائحة كورونا.

صحيح أنه من خلال ورقة التقديم الخاصة بالمشروع يظهر أن هناك توجها لتنزيل الأوراش الكبرى التي تضمنتها:

- التوجيهات الملكية التي نصت على مجموعة من الأوراش والمشاريع المهمة، والتي تحتاج اليوم إلى التنزيل وبسرعة؛

- تقرير النموذج التنموي الذي عمل على تشخيص وضعية المجتمع المغربي وقدم خلاصات وتوصيات تقتضي أيضا اعتماد إجراءات عملية لضمان تنزيل حقيقي؛

- البرنامج الحكومي الجديد المليء بالوعود بغض النظر عن صدقيتها أم لا؛ إلا أنها مع ذلك جاءت في ظرفية صعبة يعيشها المجتمع، وبالتالي ضروري أن تتجاوب مع انتظارات المواطنين.

وهكذا يبدو ظاهريا أن هناك اهتماما بأغلب المشاريع الكبرى التي تحتاج التنزيل؛ لكن ما يلاحظ هو عدم إعطاء أهمية كبرى لورش جد مهم، وأعتقد أنه المدخل الحقيقي لتنزيل جميع الأوراش، ألا وهو الإصلاح الضريبي؛ بحيث تم ذكره في البرنامج الحكومي بطريقة بسيطة وضمن عوامل تحفيز الاستثمار، وكأن الإصلاح الضريبي يعني فقط الجانب الاقتصادي.

نفس الأمر يمكن ملامسته من خلال مشروع قانون المالية، حيث الاهتمام انصب على الجانب الاقتصادي، وهذا الأمر في الحقيقة خطأ.

 

+ كيف توضح مسألة إعطاء قانون المالية الجديد الأهمية المناسبة لورش الإصلاح الضريبي، والذي تم تبنيه منذ قانون المالية السابق؟

- الإصلاح الضريبي أعتبره مطلبا جديدا قديما، ويفرض نفسه كمدخل لأية سياسة إصلاحية حقيقية، وذلك لعدة أسباب:

1- على الصعيد المالي: أظهر النظام الضريبي الحالي محدوديته، بحيث أن العائدات الضريبية لا تغطي سوى نسبة ما بين 60 إلى 65% من نفقات الدولة في السنوات الأخيرة؛ وقد تنزل إلى مستوى أقل هذه السنة؛ الشيء الذي يطرح دائما إشكالية التمويل بالنسبة لميزانية الدولة ويتم البحث عن مصادر تمويل أخرى غالبا تكون عبر القروض التي تثقل ميزان "المديونية"، الشيء الذي يزيد الأمر تعقيدا، خصوصا أننا نقترض في غالب الأحيان لننفق لا لنستثمر. وحاليا -كما ذكرنا سابقا- الأوراش التي جاءت في البرنامج الحكومي مهمة، لكنها تحتاج إلى تمويلات مهمة أيضا.

2- الجانب الاقتصادي: نجد أن هناك محدودية تأثير السياسة الضريبية على قرار الاستثمار، بل أكثر من ذلك الإجراءات الجبائية الاستثنائية من إعفاءات وتخفيضات... أو ما تسمى اليوم بالنفقات الجبائية أصبحت تطرح إشكالا حقيقيا، تمت مناقشته بقوة في مناظرة الجبايات 2019. وأشارت إلى هذا الإشكال تقارير المؤسسات الدستورية ببلادنا، مثل المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي... كما خلص إلى ذلك تقرير النموذج التنموي الجديد وتقارير المؤسسات المالية الدولية والشركاء الأجانب.

إذن عوض أن تشكل هذه الإجراءات الجبائية وسيلة للتحفيز، نجد أن الطريقة التي استعملت بها جعلتها تشكل عبئا ماليا على ميزانية الدولة، بل تحد حتى من هامش اختيارات السياسة الاقتصادية والاجتماعية. وحاليا المطلوب هو سياسة اقتصادية يتجاوز من خلالها المغرب تداعيات جائحة كورونا، عبر منهجية ضروري أن يكون عمادها سياسة ضريبية معقلنة وهادفة داخل مناخ لأعمال ملائم.

3- الجانب الاجتماعي: للأسف الجميع يعترف أن نظامنا الضريبي الحالي غير عادل، بل ويساهم في تكريس اللاعدالة الاجتماعية على جميع النواحي.

وهذا ما خلصت إليه مناظرة الجبايات 2019، كما خلصت إليه سابقا مناظرة 2013، وأيضا جميع تقارير المؤسسات الدستورية.

إذن اللاعدالة النظام الضريبي الحالي حقيقة لا يمكن نكرانها، فيكفي الاطلاع على عائدات الضرائب غير المباشرة، والتي أصبحت مكونا أساسيا، بحيث إن زالت انهار النظام الضريبي برمته، خصوصا تلك التي تهم الاستهلاك. كما أن الضريبة على الدخل الجميع يعترف أنها ما هي إلا ضريبة على الأجور والمرتبات نظرا للمساهمة الكبيرة لهذه الفئة من الدخول.

إذن عدالة النظام الضريبي مطلب آني وضروري وأثبتت أغلب التجارب أن العدالة الاجتماعية هي الممر الرئيسي لتحقيق التنمية المستدامة.

 

+ إذن بالنسبة لك ما هي الطريقة الأنجع لتنزيل قانون الإطار الخاص بالإصلاح الضريبي؟

- كما سبق وقلت فإن إشكالية الإصلاح الضريبي دائما ما يتم النظر إليها في المغرب بالاقتصار على الجانب الاقتصادي؛ وهو نفس التوجه الذي سارت فيه الحكومة السابقة عند تنزيل توصيات مناظرة الجبايات 2013، حيث تم تنفيذ أغلب التوصيات التي تهم تشجيع الاقتصاد، وتم تهميش التوصيات التي تهم العدالة الاجتماعية؛ وذلك من خلال قوانين المالية لما بعد 2013.

وأعتقد أن نفس السيناريو سنعيشه مع مشروع قانون المالية الحالي 2022، حيث تم الاهتمام أكثر بالتوصيات الخاصة بالجانب الاقتصادي.. وأهم إجراء في هذا القانون هو الذي يخص الضريبة على الشركات التي حسب الحكومة سيلغي التصاعدية في اتجاه السعر الأوحد.

ويعتبر هذا الإجراء بمثابة رجوع إلى نظام كان معتمدا سابقا، ونتيجة لمحدوديته تم انتقاده والتخلي عنه لفائدة النظام التصاعدي المعمول به. وهنا في الحقيقة لا بد أن نشير أيضا إلى ظواهر خطيرة تميز نظام الضريبة على الشركات من قبيل.

انتشار ظاهرة التهرب والغش الضريبي، تصريح أكثر من ثلثي الشركات بالعجز، وأنها لا تحقق أرباحا، الشيء الذي يجعل مساهمتها ضعيفة، إن لم نقل غير معنية بالضريبة؛ كما أن اقل من 2% من الشركات تؤدي ما يزيد على 80% من عائدات الضريبة على الشركات. وهذه الأرقام تمت مناقشتها بقوة خلال مناظرة الجبايات 2019.

إذن أظن أن الإجراءات الضريبية التي جاء بها مشروع قانون المالية 2022 -للأسف- لا ترقى إلى مستوى اعتبارها إصلاحا حقيقيا، خصوصا في مجال العدالة الجبائية وتطبيق المبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 39؛ الجميع يساهم، وكل حسب استطاعته.

 

+ في نظرك ما هي الإجراءات التي كان يجب اعتمادها لتنزيل عملي محكم لقانون الإطار بمثابة إصلاح ضريبي؟

- أظن أن الظروف الصعبة التي تعيشها بلادنا تشكل فرصة تقتضي ثورة حقيقية في المجال الضريبي ليشكل مدخلا حقيقيا لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ وذلك من خلال تنزيل المقتضيات التي تضمنتها توصيات مناظرة 2019 وخلاصات تقارير مؤسساتنا الدستورية، وتضمنها، إلى حد ما، تقرير النموذج التنموي. وهذه المقتضيات خاصة بمبدأ العدالة الضريبية. وبعضها في الحقيقة جاء ضمن قانون الإطار وتتمثل هذه الاجراءات:

- توسيع الوعاء الجبائي، وخصوصا من خلال ضريبة الثروة والإرث.. فالقطاع الذي خرج سليما من تداعيات جائحة كورونا، هم أصحاب الثروات الكبرى، لذلك آن الأوان اعتماد ضريبة تهم الثروات الكبرى؛

- ضرورة إعادة النظر في نظام الضريبة على الدخل باعتماد نظام موحد بين مختلف الدخول (الفلاحية العقارية المالية والمهن الحرة) بهدف تخفيف العبء الضريبي على صنف دخول الاجور والمرتبات الذي يعتبر المساهم الأكثر في عائدات الضريبة على الدخل.

- عقلنة السياسة الجبائية فيما يتعلق بالنفقات الجبائية أي مختلف الإجراءات الجبائية الاستثنائية من إعفاءات وتخفيضات... والتي أصبحت تثقل كاهل الميزانية.

 

+ هل تعتقد أن فرق المعارضة قادرة على اقتراح مثل هذه الإجراءات التي ذكرت كتعديلات خلال المناقشة البرلمانية؟

- أعتقد أن بوادر بعض هذه التعديلات ظهرت خلال مناقشة التصريح الحكومي، وستعود بشكل مدقق ومفصل خلال المناقشة البرلمانية، خصوصا داخل لجنة المالية.. لكن ستبقى نسبة استعمال فيتو وزارة المالية الذي يمنحه إياها القانون، والذي يمكن أن تستعمله الحكومة لرفض هذه التعديلات أو قبولها في إطار توافقي...