الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الالاه حبيبي: لماذا نتدافع لتلبية الدعوة كلما سمعنا مناديا ينادي بانتهاء لحظة الشرود

عبد الالاه حبيبي: لماذا نتدافع لتلبية الدعوة كلما سمعنا مناديا ينادي بانتهاء لحظة الشرود عبد الالاه حبيبي
من يتحكم في السلوك الاجتماعي للناس؟ هل يمكن القول أنهم يختارون المواقف والاتجاهات التي سيعلنون عنها كسلوك عملي بوعي سابق؟ أو أنهم يسايرون نوعا من الرأي العام السائد بشكل تلقائي وانسيابي دون تمثل عقلاني لما يفعلون؟.
ليس في ذلك شك، أن هناك طبيعة شبه ثقافية تميز سلوك المغاربة في علاقتهم بالدولة وبالمؤسسات التي تمثلها، تشكلت على مدى قرون، وساهمت فيها أحداث ووقائع وصدمات كثيرة، وباتت بمثابة الشخصية المغربية القاعدية، أو قل الباطنية التي تظل متوارية خلف كل الخطابات والسلوكات التي تفترضها اللحظة وتستدعيها الظرفية ...
 اتسمت هذه الشخصية القاعدية بالتوجس من كل الخطابات القادمة من السلطة بدعوى أنها قد تحتمل عكس ما تدعيه، وهذا يخلق لدى المواطن نوعا من الاحتياط السيكولوجي يجعله مستعدا دوما لتفادي الصدمات واستيعاب النتائج حينما تكون عكسية، أي عكس ما توقعه...إنها وبلغة "فرويد" عبارة عن ميكانيزمات دفاعية متجذرة في اللاوعي الجمعي للمجتمع...وقد نجدها حاضرة في أغلب الحالات التي تقع فيها استشارات جماعية، أو حتى مجرد اختبارات بسيطة، ترى المستجوبين يشكون في سلامة الاختبار، وصفاء نية صاحبه، حيث يعمدون إلى  قراءة البنود بحذر شديد وكأن أجوبتهم ستخضع للتدقيق والفحص مما قد يعرضهم للمساءلة والعقاب... في حين أن الأمر يتعلق بمجرد أجوبة على أسئلة لا تطلب من المستجوب ذكر اسمه، ولا آية معلومة لها علاقة بهويته الشخصية...
وهناك الكثير من الأمثلة والمواقف التي تؤكد ما نذهب إليه في بيان وجود هذه البنية النفسية العامة التي تؤثر على كل المواقف الناتجة عن تفاعل الفرد مع الدولة أو مع المؤسسات التي تمثلها، حيث من البديهي أن ذلك قد يفسر الكثير من الأعراض السياسية اللاعقلانية السائدة، أو تلك التي تتكرر في كل مناسبة يتم فيها التعاطي مع مشكلة تستدعي تدخل الدولة لوضع خطة، أو مجابهة خطر، أو لمنع نشاط ما، أو الدعوة إلى التخلي عن عادات مألوفة... كل هذه الحالات تعطي الضوء الأخضر ليظهر على السطح هذا اللاوعي الجمعي الذي نلاحظه ونلمسه مباشرة في أحاديث الناس وهم يتساءلون عن دلالة وجدوى ما هو مطلوب منهم فعله أو التخلي عنه...لكن بالتدرج في الفهم، والمقارنة، والإنصات إلى الأصوات المختلفة، وبمتابعة الوقائع يشرع هذا اللاوعي الخفي في التواري، نسبيا، تاركا المجال لظهور "رؤية عقلية جماعية" تتشكل "كأنا جماعية" في تفاعل مباشر مع التعليمات أو التلميحات أو الأوامر الصادرة عن جهة من جهات الدولة...وهذا ما يمكن اعتباره تواصلا أفقيا ييسر نجاح وتواتر التفاعل العمودي بين الأعلى والأسفل في النظام الاجتماعي القائم...
لكن النشاز الذي قد يصيب هذا النموذج السيكو-اجتماعي المفسر لعلاقة الدولة بالفرد، أي حدوث فعل مصطنع غريب عن منطقة  ومنطق التفاعل ومكوناته،  هو حينما تتدخل عناصر أجنبية سياسية بهدف استثمار هذا اللاوعي الخفي من خلال تضخيم مخاوفه، أو تكثيف تحفظاته، أو تغذية كوابحه، وذلك لتحقيق غايات سياسية محددة وغير معلنة... هنا يصبح التواصل صعبا، وبل وقد يستحيل إنجاز حتى ذلك التفاعل السطحي بين المواطن وخطاب الدولة، لاعتبار ورود عنصر دخيل قام بالتشويش على خط التواصل وتوجيه  طاقة اللاوعي الجمعي للتشكيك والابتعاد من المؤسسات وما تطلبه من التزامات...
في الظروف التي يكون فيها الرهان واضحا، ومتفقا عليه، وتشارك فيه كل الأطراف، لا يشكل مثل هذا التدخل أدنى خطر على انسياب التواصل بين المؤسسة والفرد، لكن كلما كانت العلاقات مضطربة، والنوايا عدائية، والخلفيات متناقضة، كلما ساهم ذلك في تعطيل الخطط، ونشر الشك وتعميم الخوف ليحل التراخي والفتور ... إنه منطق المعارك الإيديولوجية الكلاسيكية التي لا تزال تتوسل الانقضاض على الخصم باستعمال الوسائل  الدعائية السهلة والتي تؤثر مباشرة في المتخيل الجمعي وتخلق حالة ارتباك في سلوك الناس الاجتماعي مما يستدعي جهدا مضاعفا، وشرحا مستفيضا وتدخل خطابات وعظية و إرشادية لإعادة تأطير السلوك  من خلال وضعه في سياق الشرعية والمشروعية الروحية والسياسية والأخلاقية في سياق ضمان سير التواصل بين الفرد والدولة، وفي ذلك ضياع للوقت وللمجهود والطاقة الضرورية المفترض استعمالها في مراحل متقدمة...