الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

سعدون بن حسين الحمداني:المعاهد الدبلوماسية وكاريزما المفاوض..

سعدون بن حسين الحمداني:المعاهد الدبلوماسية وكاريزما المفاوض.. د/سعدون بن حسين الحمداني
يعتبر التفاوض سنة الحياة المدنية على مدى العصور وهو من سمات العقلانية والتحضر، بحيث تحولت القارة الأوربية بعد القرن الخامس عشر إلى قارة وشعوب متحضرة تبحث عن السعادة والحياة الكريمة من خلال نبذ العنف والبدء بالتفاوض مع بعضهم البعض للوصول الى استقرار القارة، أتت ثمارها الآن ألا وهو الاتحاد الأوربي، معتمدين على الثقة المتبادلة والمصداقية وحب الخير فيما بينهم بعيدا عن التعصب الديني أو المذهبي.
تحاول المدارس الغربية إهمال وإغفال الدبلوماسية التفاوضية الإسلامية التي لها الأثر الكبير في توطيد التعاون بين الدول وإشاعة المودة والسلام بين الشعوب وتطبيق ما يدعو إليه الدين الإسلامي الحنيف من تسامح وتآخٍ ومحبة ونبذ العنف والعنصرية والفوقية،حيث اتصفت الدبلوماسية التفاوضية الإسلامية بالذوق واللطف والكياسة واللياقة والتي أسست معالم وأهداف واستراتيجية الدبلوماسية التفاوضية التي نتعامل بها الآن وما يسمى “فن المفاوضات”، وهو عالم كبير وشاسع في العصر الحديث وهناك مدارس خاصة لصقل هذه الصفة لدى المفاوضين وخاصة الدبلوماسيين لكونها هي حجر الأساس بالحياة اليومية والعملية.
يعرف التفاوض هو الحوار والمناقشة بين طرفين (شخصين أو مجموعتين) حول موضوع محدد للوصول إلى اتفاق نهائي أو مبدئي على عدة مراحل يتفق عليه الطرفان، وكذلك فإن التفاوض هو عرض مطالب كل طرف وتبادل الآراء، تقريب وجهات النظر، الوصول إلى الحلول المقترحة، تكييف الاتفاق واللجوء إلى كافة أساليب الإقناع المتاحة لكل طرف لإجبار الطرف الآخر على القبول بما يقدمه الأول من وجهات نظر، أو مقترحات تنتهي باتفاق يتبادل بموجبه الأطراف الوثائق المطلوبة ويكون ملزما تجاه أنفسهم أولا وتجاه الطرف الثاني ( فرداً أو مجموعة).
أن الشخص المفوض بالتفاوض عليه التسلح بمفاهيم وسلوكيات تعتمد بالدرجة الأساس على نظريات علم النفس في الهدوء والتعامل بحنكة ودراية كبيرة ومراوغة مقصودة لغرض الوصول الى تحقيق الاهداف بكل سلاسة وسهولة بالإضافة إلى القدرة على التحليل وتصور المشاكل والسلبيات والإيجابيات، القدرة على الحكم الصائب على الأمور القاصرة أو المجزئة  والغير واضحة المعالم، القدرة الكاملة في التلاعب بمفردات اللغة من ناحية الكلمات والمعنى، القدرة على اتخاذ القرارات وحسن التصرف في الوقت المناسب وعدم التعصب أو إبداء عدم الرضا لأن ذلك من نقاط ضعف المفاوض، المرونة في تقبل آراء الطرف الثاني والاستعداد التام للتفاوض معه استنادا للهدف المرسوم، الانتباه واليقظة الدائمة من كافة الاحتمالات، وضع خطة بديلة أولى وثانية أو بالأحرى احتمالات أولى وثانية.
إن المدارس الدبلوماسية تُدرس المفاوض كيف يكون على دراية كاملة بما يدور خلف الكواليس للطرف الثاني وليس ما موجود في جعبته، وأن يدرس نفسية وسلوكيات وتاريخ وخبرة مفاوض الطرف الثاني قبل الجلوس معه على أن يضع خطط رئيسية وبدائل للمفاوضات التي سوف تجري بين الاثنين.
تركز المدارس الدبلوماسية كثيراً على مرتكزات علم النفس الاجتماعي ولغة الجسد والمطاولة والمراوغة من أجل كسب الوقت وتغير خريطة المباحثات إلى جانب المفاوض في على سبيل المثال ترى المفاوض يهدد بالانسحاب من المفاوضات كجزء من الضغط على الطرف الثاني من أجل الحصول على مكاسب جديدة أو فرض مطالب جديدة واستمالة الجمهور له بسبب هذا الانسحاب التكتيكي. 
وتعتبر جمهورية ايران الاسلامية قمة في فنون التفاوض ولها من المطاولة ما يعجز عليه الطرف الثاني لكسب نقاط ومكاسب ليس بالحسبان لأن المفاوض الإيراني صراحة يتميز بهدوء الأعصاب والمطاولة والحنكة ودارسة أفكار الطرف الثاني وما يدور خلف الكواليس، ومثال ذلك وما يجري الآن من مفاوضات تكاد تكون ماراثونية لغرض رفع العقوبات عنها، انا شخصياً أرى أن  الجارة الصديقة ايران هي الرابح الوحيد من هذا المارثون الطويل وخاصة بعد إلغاء الاتفاق النووي من قبل الرئيس السابق ترامب.
إن أهم سمات الشخصية  التفاوضية؛ هو التفرد بالأداء والطرح، لغة الجسد، نبرة الصوت وهدوء الأعصاب، الحنكة الكلامية، بعد النظر للموضوع، احتواء المقابلة والمطاولة والصبر في النقاش في الاجتماعات، القدرة على إخفاء الحقائق والمطالب والشروط دون اللجوء إلى الكذب،  الإلمام الكامل بكل مفردات الموضوع من ناحية علم اللغة القانوني العام وعلم الكلمة وعلم المعنى، لباقة اللسان والتوقف في الكلام عند نقاط القوة في المفاوضات، كل هذه السمات تعتمد اعتمادا كليا على أصول واستراتيجية الدبلوماسية التي يجب اتباعها لغرض معرفة قدرة وشخصية الطرف الثاني. 
إن من كاريزما المفاوض المحنك هي؛ القدرة على التحليل وتصور المشاكل والسلبيات والإيجابيات، القدرة على الحكم الصائب على الأمور القاصرة أو المجزئة والغير واضحة المعالم، القدرة الكاملة في التلاعب بمفردات اللغة من ناحية الكلمات والمعنى، القدرة على اتخاذ القرارات وحسن التصرف في الوقت المناسب، المعرفة الكاملة بالجوانب القانونية والاقتصادية واللغوية وخاصة المترجمة إلى لغة أخرى وكذلك الانتباه إلى (فقرة التنقيط) بين الجمل اللغوية سواء باللغة العربية أم الإنجليزية.
إن الاحترافية الدبلوماسية لدى المفاوض تجعله يفكر بمكان الخصم ويقوم بتحليل أفكاره والتنبؤ بما يريده الخصم، والتنبؤ بما يعتقد أن الخصم يريده منا، وبهذا توضع التصورات لأهداف الطرف الثاني لكل سيناريوهات الحوار ووضع كافة البدائل المتاحة من أجل الوصول الى الهدف بأقل الخسائر المحسوبة.
 
الدكتور/ سعدون بن حسين الحمداني(دبلوماسي سابق، كلية عُمان للإدارة والتكنولوجيا)