الجمعة 29 مارس 2024
اقتصاد

النهري: على قانون مالية 2022 أن يحمل تغييرات عميقة في سياستنا العمومية

النهري: على قانون مالية 2022 أن يحمل تغييرات عميقة في سياستنا العمومية الأستاذ حميد النهري (يمينا) وعزيز أخنوش رئيس الحكومة

من المرتقب أن يتم عرض القانون المالي لسنة 2022 في البرلمان، يوم الاثنين 18 أكتوبر 2021، والذي يأتي بعد المصادقة على البرنامج الحكومي.. فما هو جديد هذا القانون، وهل سيستجيب لانتظارات المغاربة؟

"أنفاس بريس" أجرت في هذا الإطار مع أستاذ القانون العام بجامعة عبد المالك السعدي حميد النهري الحوار التالي:

 

+ إلى أي مدى سيكون القانون المالي 2022 ترجمة للتصريح الحكومي الذي صادق عليه البرلمان؟

- بالتصويت في البرلمان على التصريح الحكومي وحصوله على ثقة البرلمان تكون حكومة أخنوش قد اكتملت أركانها الدستورية من خلال التعيين الملكي والتنصيب البرلماني؛ ليصبح التصريح الحكومي الذي تمت مناقشته برنامجا لهذه الحكومة خلال الخمس سنوات المقبلة.

هذا التصريح البرنامج كان قد خلف ردود فعل متباينة، لكن ما يلاحظ هو أن أغلب المتتبعين للشأن العام يرون أن هذا التصريح يحمل في طياته تصورات ومفاهيم جديدة وطموحة يمكن أن تشكل أملا للمغاربة لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجههم.

وعلى الصعيد السياسي بطبيعة الحال اختلفت المواقف ما بين أحزاب الأغلبية التي أرادت من خلال هذا التصريح تقديم بدائل جديدة وطموحة قادرة أن ترفع التحديات.

في المقابل هناك أحزاب المعارضة التي انتقدت التصريح واعتبرته برنامجا فضفاضا لا يحمل في طياته جديدا، بل أكثر من ذلك -في نظرهم- يشكل تراجعا عن وعود أحزاب الأغلبية نفسها، والتي قدمتها للناخبين خلال انتخابات شتنبر .

وبهذا الموقف تكون أحزاب المعارضة قد أعلنت بذلك عن تدشين مهمتها من موقعها كمعارضة برلمانية وهو الوضع الذي فرضته نتائج الانتخابات الأخيرة ونتائج التحالفات.

لكن ما يمكن استنتاجه هو المتابعة المكثفة للمواطنين لهذا التصريح، سواء خلال عرضه لأول مرة أو خلال مناقشته من طرف البرلمان بغرفتيه، هذه المتابعة انصبت على ما حملته مضامين هذا التصريح من إجابات لانتظاراتهم الآنية خصوصا في ظل الوضعية الصعبة التي يعيشونها جراء تداعيات جائحة كوفيد 19، وكلهم بحثا عن الجديد وعن التغيير بعد تجربة عشر سنوات بكل ما لها وما عليها.

وللإشارة تذكرنا أهمية متابعة برنامج حكومة أخنوش بتلك المتابعة القوية للتصريح الحكومي لحكومة بنكيران الأولى، هذه الحكومة التي كانت تعتبر آنذاك حكومة ذات توجهات جديدة ووعود انتخابية طموحة.

وحاليا نفس الوضع، حكومة جديدة بعد ولايتين متتاليتين لحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية، حكومة مشكلة من أحزاب بنت تصوراتها وبرامجها على تعثرات هذه التجربة.

إذن من هنا لا بد لأي متتبع للشأن العام أن يأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى وهو الانتظارات الملحة للمواطنين، خصوصا التي فرضت نفسها كأولوية لكل سياسة عمومية نتيجة تداعيات جائحة كوفيد 19 وهي (الصحة التعليم العيش الكريم).

وتأسيسا على ذلك أعتقد أن هذه السياسة يتم تنزيلها من خلال القوانين المالية السنوية، خصوصا ونحن مقبلون على أول قانون مالية 2022، ولو أن عناصره الكبرى تم تحضيرها سلفا...

 

+ كيف ذلك؟

- قلت إن مشروع قانون المالية محضر على صعيد عناصره الكبرى؛ فمذكرة رئيس الحكومة السابق خرجت في يوليوز 2021 وهي مذكرة في الأدبيات المالية ذات وظيفة توجيهية تأطيرية.. وأظن أنها كانت تأخذ بعين الاعتبار إقبالنا آنذاك على استحقاقات انتخابية قد تغير بعض التوجهات؛ لكن هناك مبدأ استمرارية الدولة؛ كما أنه سبق لوزير المالية السابق بنشعبون أواخر شهر يوليوز 2021 أن قدم عرضا أمام لجنة المالية لتوجهات مشروع قانون المالية 2022، ثم عرضا آخر أمام المجلس الحكومي حول حصيلة تنفيذ قانون المالية 2021؛ والإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2022، كما تنص على ذلك أحكام المادة 47 من القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية.

إذن يمكن القول إن التوجهات الكبرى لقانون المالية 2022 جاهزة، إلا أن التغييرات التي عرفتها هيكلة القطاعات الوزارية في حكومة أخنوش تفرض إعادة النظر في مجموعة من مضامين هذا القانون. كما أن الضرورة تقتضي لمسة الحكومة الجديدة هذه اللمسة التي يجب أن تكون أكثر إبداعا، ولو أن مشروع القانون المالي 2022 هو الأول لهذه الحكومة؛ إلا أن ذلك لا يمنع من وجود بعض التصورات والإجراءات الأولية التي يمكن أن تشكل عنصر اطمئنان وثقة للمواطنين في المستقبل؛ كما أن هذه الإجراءات ستعتبر عنصرا من خلاله يمكن الحكم من الوهلة الأولى على جدية الحكومة الجديدة ومدى مصداقيتها في الوفاء بالتزاماتها...

 

+ ما هو عنصر الاطمئنان في قانون المالية الجديد في نظرك، وهل ستكون الحكومة قادرة على تحقيق التغيير العميق ومجاراة الأوراش الكبرى التي تضمنتها الخطب الملكية والنموذج التنموي؟؟

- لا ننسى أن التصريح الحكومي يعتبر برنامجا للحكومة خلال الخمس سنوات المقبلة وسيتم ترجمة وتنزيل مضامينه من خلال القوانين المالية السنوية كما قلت سابقا؛ بمعنى وجود إجراءات آنية وعملية جديدة في هذا القانون المالي ضرورة تفرض نفسها وبالخصوص على صعيد قطاع:

أولا الصحة؛ فإذا كانت جائحة كورونا قد عرت المستور فيما يخص المنظومة الصحية ببلادنا، والتي تبين أنها ليست في مستوى التحديات الكبرى، وإن كنا مقتنعين في هذا الجانب أن أغلب مستشفياتنا العمومية في وضعية يرثى على صعيد الإمكانيات المادية، لكن رغم هذا الوضع فإن ما لاحظه المغاربة بكل فخر، هو انخراط الموارد البشرية بهذه المؤسسات في مواجهة تداعيات جائحة كوفيد والتقليل من معاناة المغاربة رغم الإمكانيات الضعيفة جدا.

في المقابل ما لمسناه بكل أسف هو نشاط المصحات الخاصة، والتي غالبا ما يتم تقديمها كمكمل في ضمان سياسة صحية ملائمة، إلا أن الواقع بين عكس ذلك مع تطور وتيرة الجائحة ببلادنا، حيث تزايد جشع المصحات الخاصة، وتزايدت معه معاناة المواطنين المغاربة مع هذه المصحات؛ حتى أننا لاحظنا في الأيام الاخيرة من خلال المواقع الاجتماعية تداول على نطاق واسع لفواتير خيالية تمت تأديتها من طرف بعض المرضى بكوفيد لفائدة المصحات الخاصة، بل خلفت هذه الفواتير استنكارا واسعا بين المواطنين، الشيء الذي أدى إلى تكريس تلك الفكرة الراسخة لدى أغلبية المواطنين، وهي أن هذه المصحات ما هي إلا ناهبة لجيوب المواطنين بامتياز.

فأغلب المغاربة دائما كانت لهم قصص فيما يخص التعامل مع هذه المصحات الخاصة، وزاد عدد هذه القصص وتنوعها مع جائحة كوفيد حتى أصبح كل من تعامل مع المصحات الخاصة إلا وتعرض لتعسف معنوي ومادي.. تعامل غابت وتغيب فيه المواطنة والمبادئ والأخلاق والتضامن، في ظل الأزمات؛ حتى أن هذه المصحات أصبحت تضرب عرض الحائط جميع القوانين المنظمة ولا تهتم سوى بالربح الكبير.

ثانيا التعليم؛ نفس الأمر ينطبق على قطاع التعليم، حيث تم تهديد المسار الدراسي لبنات وأبناء المغاربة؛ وتبين أيضا انخراط المدرسة والجامعة العمومية والمساهمة في إنقاذ هذا المسار الدراسي وبإمكانيات أيضا أقل ما يقال عنها أنها ضعيفة جدا. لكن مساهمة الموارد البشرية بهذه المؤسسات وبإمكانياتها الخاصة في بعض الأحيان قلل من أثر تداعيات الجائحة على قطاع التعليم.

في حين، كما هو الشأن بقطاع الصحة، برز جشع أغلب المؤسسات التعليمية الخاصة، حيث برزت بعض المظاهر لممارسات استفزت المغاربة وزادت في معاناتهم، بل وغابت في هذه الممارسات -للأسف- مبادئ المواطنة والتضامن.

وأعتقد أنه إذا نظمنا لقاء مفتوحا مع المغاربة المتعاملين مع المصحات والمؤسسات التعليمية الخاصة، لوجدنا معلومات كارثية ومأساوية في نفس الوقت، لا يكفينا قاموس ضخم من الصفات السلبية لوصف هذا التعامل، وتجعلنا نخجل من سياستنا في مجال الصحة والتعليم. بل وتجعلنا مطالبين بالاعتراف بأن الرهان على القطاع الخاص بالنسبة لهذه القطاعات بالذات كان خاطئا، وخصوصا بالشكل والطريقة المعتمدة في سياستنا العمومية .

والأكثر من ذلك بدون خجل، وكما يقول المغاربة بالدارجة (الصنطيحة قاصحة)، حيث نجد مسؤولي هذه المؤسسات الخاصة لا في التعليم أو في الصحة، إما فرادى أو في إطار جمعياتهم، إلا ويدافعون بكل قوة عن هذه الممارسات تجاه المواطنين الذين لم يكن لهم أي خيار سوى الرضوخ لهذه الممارسات.

ثالثا العيش الكريم؛ لا يخفى على أحد أثر تداعيات جائحة كوفيد على التركيبة الاجتماعية للمجتمع المغربي، حيث غيرت هذه الآثار من تصنيفهم: من كان يعتبر مجاورا لعتبة الفقر أصبح يتواجد داخل العتبة، ومن كان يعتبر فقيرا تكرس فقره وأصبح يعتبر من الأشد فقرا، ومن كان يعتبر من الطبقة المتوسطة نزل إلى درجة مجاور للفقر؛ حيث لم يسلم من هذه التغييرات سوى أصحاب الثروات، حتى أصبحنا أمام صورة تشبه إلى حد ما الصورة التي رسمها قديما الاقتصادي الإنجليزي (كالدور) عندما قارن بين رجل الدين في الهند الذي يتمتع بثروته وعيشه الثري، في حين باقي الطبقات تعاني الأمرين تجاه ضرائب الدولة وتجاه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

حتى لا نصل إلى هذا المستوى، المغاربة في حاجة إلى سياسة عملية على الصعيد الاجتماعي، سياسة ممنهجة ومنظمة تضمن العدالة والكرامة وليست سياسة تعتمد على ما يتم ترويجه في بعض الخطابات سياسة تقوم على الصدقة والمنح، لأن هذه السياسة تم تجربتها وأظهرت محدوديتها.

وهكذا يمكن القول إذن بأنه حان الوقت للقيام بتغييرات عميقة في سياستنا العمومية وضرورة تضمين مشروع قانون المالية لحكومة أخنوش ببعض الإجراءات العملية الحقيقية، خصوصا بالنسبة لقضايا الصحة والتعليم والعيش الكريم، وذلك لطمأنة المغاربة وإبراز إرادة التقليل من معاناتهم، حتى تكسب الحكومة الجديدة ثقتهم بعد الثقة الملكية وثقة مؤسسة البرلمان.

وأعتقد أن البداية ضروري أن تكون من خلال مشروع قانون المالية 2022 المنتظر عرضه على البرلمان يوم الاثنين، حتى لا يقال ذلك المثل المغربي الشهير "من الخيمة خارج مايل"...