الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

رشيد قنجاع: المغرب الذي يفاجئنا

رشيد قنجاع: المغرب الذي  يفاجئنا رشيد قنجاع
عاش المغاربة قاطبة على إيقاع التناغم والانسجام والتفاعل مع تسارع الاحداث التي عاشتها المملكة المغربية طيلة الخمس السنوات الأخيرة. وهي الأحداث والوقائع التي دشنت لتحول واضح في السياسة الخارجية للمملكة أفقيا وعموديا، في العلاقة مع الوضع الشاذ والمتأزم الذي يعرفه الوضع العربي-الغارق في الحروب والمآسي والخلافات الثنائية والمتعددة، وبروز أدوار للدول الصغيرة جغرافيا والكبيرة ماليا-
وسواء في العلاقة مع المحيط الإقليمي الذي تحول بقدرة قادر إلى مركز اهتمام دولي، في ظل مؤشرات اللاستقرار والاستهداف الممنهج من طرف التنظيمات الإرهابية وانتعاش أدوارها بهذه المنطقة التي صارت مركز جذب لها، وسواء في العلاقة مع القوى العالمية المؤثرة في المشهد الدولي، وكذا من خلال العلاقة مع البعد القاري وعودة المملكة للعب دورها على الصعيد الافريقي بروح التعاون و البحث عن المصلحة على قاعدة رابح-رابح، كما لا يمكننا تجاهل العلاقات الثنائية مع كل من اسبانيا و فرنسا و المانيا و أخيرا الجزائر و حجم الجدل الحاصل في كنه هذه العلاقات. في خضم هذا التحول في السياسة الخارجية المغربية، وقف المغاربة على صورة جديدة لمسار دولتهم، جمعت بين المفاجأة والدهشة والترحيب، الناجم عن قوة المواقف المغربية من كل قضية تواجه المملكة على الصعيد الدولي، المتسمة بالندية والصلابة والثبات على المصلحة الوطنية و ثوابت السياسية الخارجية المغربية المدافعة على مصلحة الدول و الشعوب و سيادتها.
لقد شكل الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية ل 8 أكتوبر 2021، إقرارا ملكيا بالتحديات التي تواجه المملكة المغربية، و هو إقرار ينم عن حقيقة و معرفة بخبايا الأمور و في نفس الامر اشراكا للمغاربة على مستوى الحق في المعلومة، أن بلادنا تتعرض للمؤامرات و التهديدات، وبالتالي أولى الأولويات التي اكد عليها الخطاب الملكي ” تعزيز مكانة المغرب ، والدفاع عن مصالحه العليا ، لاسيما في ظرفية مشحونة بالعديد من التحديات والمخاطر والتهديدات”. ان التركيز على مصطلحات من قبيل التحديات والمخاطر والتهديدات، لم تأت من قبيل الصدفة، بل كانت موجهة للشعب المغربي قصد الاطلاع على الوضعية العامة التي تمر بها المملكة وما يفرضه عليها وعلينا هذا الوضع من تعبئة داخلية وإنجاح جماعي للمسلسل الديمقراطي وتفعيلا وتنزيلا للنموذج التنموي الذي على أساسه ستتحقق الكرامة والعدالة وفي صلبها الدولة الديمقراطية الاجتماعية، كمدخل أساسي لربح الرهان والتحديات وصد كل المحاولات الميؤوس منها التي تستهدف الوحدة الترابية والوطنية.
طيلة خمس سنوات الأخيرة ، شدد المغرب استراتيجيته بلغة صريحة وواضحة في اتجاه تحصين وضع المملكة على الصعيد الإقليمي والدولي، في ظل عالم من المتغيرات العميقة والصراعات الدولية البارزة بين القوى العالمية الكبرى وعلى راسها الصراع الأمريكي الصيني، الأمريكي الروسي، الأمريكي الأوروبي، والتحولات التي يعرفها الاتحاد الأوربي بعد الخروج البريطاني منه و صعود الخطاب اليميني المعادي للهجرة والداعي للانكماش داخل الحدود الوطنية التقليدية، وما عكسه هذا الوضع الدولي من تحول للعديد من الدول و خاصة في الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية وشمال افريقيا وآسيا الى ميدان يعكس حجم هذا الصراع في كل من سوريا واليمن والعراق ومالي والسودان وليبيا ولبنان وأفغانستان والتطورات الخطيرة في كل من بحر الصين الشرقي والجنوبي، و كذا وضوح الاطراف الدولية في الأزمة الأذربيجانية-الارمينية، كلها محطات تعكس بالملموس صراعات القوى الكبرى و البحث عن تموقعات جيوستراتيجية جديدة من أجل تركيع كل طرف للآخر تحافظ فيه الولايات المتحدة الامريكية على موقعها المتقدم عالميا في مقابل بروز مؤشرات على تقدم صيني مرتقب قد يهدد المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الامريكية.
وتثبيتا لاستراتيجية تعزيز مكانة المملكة المغربية على الصعيدين الداخلي والخارجي، عمدت المملكة الى اتخاد قرار وطني سيادي في يناير من سنة 2020 عبر مصادقة البرلمان المغربي عليه، و يتعلق الامر بترسيم الحدود البحرية المغربية من طنجة للكويرة بما فيها الحدود البحرية المتاخمة لجزر الكناري، والتي شكلت العنصر الخفي في الأزمة المغربية الاسبانية لما تحتويه المنطقة حسب تقارير صحفية الى وجود جبل “تروبيك” البركاني، المكتشف على بعد كيلومترات من السواحل المغربية التي شملها الترسيم، والمحتوي على حجم كبير من المعادن النفيسة على عمق 1000 متر تحت سطح البحر، واحتياطيات هائلة من المعادن والغازات والثروات الطبيعية، من أبرزها التيلوريوم والكوبالت والنيكل والرصاص والفاناديوم والليثيوم، وهي عناصر تستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية واللوائح الشمسية والهواتف الذكية. كما عمدت المملكة طيلة الخمس السنوات الأخيرة على ترسيخ مبدأ التعاون جنوب-جنوب ، من خلال العودة المغربية للاتحاد الافريقي في يناير من سنة 2017 معززا بذلك مكانته داخل القارة الافريقية ، و هنا لا بد للإشارة ان هذه العودة ترافقت بزيارة جلالة الملك للعديد من الدول الافريقية حيث عقد إبانها العديد من الاتفاقيات الثنائية في كل مجالات التعاون الاقتصادي والمالي والاجتماعي والسياسي، وحسب ما كشف عنه المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، أن العاهل المغربي قام بـ48 زيارة رسمية إلى الدول الإفريقية خلال 18 عاما، شملت العديد من دول منطقة الغرب، وكذا شرق وجنوب القارة الإفريقية، جعل مجال الحضور المغربي يمتد ليشمل منطقة واسعة من القارة الإفريقية، وهو ما أسفر عن نتائج سياسية كبيرة تمثلت في افتتاح 25 قنصلية بكل من العيون و الداخلة أغلبها من دول القارة الافريقية بما يشكل ذلك من اعتراف صريح و علني بالسيادة المغربية على صحرائه.
واجهت الدولة المغربية بحنكة عالية دبلوماسيا وسياسيا وشعبيا، ولا زالت، كل التهديدات والهجومات التي تستهدف المؤسسات الوطنية قصد إضعافها ومعها إضعاف المسار التصاعدي للأدوار التي تلعبها ويمكن ان تلعبها مستقبلا المملكة المغربية على الصعيد الإقليمي والجهوي، وكانت المؤسسة الأمنية من بين هذه المؤسسات المستهدفة لما صارت تحققه من إنجازات ومهام ونجاحات على الصعيد الدولي في مجال محاربة الإرهاب والاتجار في البشر والمخدرات، جعل منها شريكا امنيا موثوقا مع غالبية دول العالم. شكل الإبقاء على وزير الخارجية و التعاون المغربي ناصر بوريطة في التشكيلة الحكومية الجديدة المنبثقة على الانتخابات التشريعية ل 8 شتنبر 2021، رسالة سياسية لجيراننا وشركائنا أعدائنا و للمنتظم الدولي، أن المغرب مستمر على نفس نهج الدفاع على مصالحه وعلى قضاياه العادلة بكل مسؤولية و على قاعدة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية مهما حاولت بعض الدول جر المغرب الى تغيير نهجه، و انه رغم امتلاكه لشبكة قوية من العلاقات الواسعة والقوية والتي تحظى فيها المملكة بالثقة والمصداقية، يبقى المغرب دولة اليد الممدودة للتشاور والتفاعل و إيجاد الحلول في ظل قواعد تعامل جديدة تحترم القرار والتدبير السيادي للدولة المغربية التي ستمثل منطلقا غير مسبوق لتدشين مرحلة جديدة على أساس الاحترام المتبادل والثقة والشفافية.