الثلاثاء 19 مارس 2024
سياسة

يزيد بركة: على من يكذب الرئيس تبون ؟!!

يزيد بركة: على من يكذب الرئيس تبون ؟!! يزيد بركة، وعبد المجيد تبون(يسارا)
تعارف الناس على وصف الكذب بين الأفراد بالمذموم، وخصوه وصاحبه، بأوصاف غاية ‏في السلبية، غير أن هناك كذب آخر، قليل، ولكنه موجود. هو كذب صادر من حاكم يكذب ‏على الشعب وعلى العالم، ولا يجد في ذلك حرجا. ومن وزنه المثقل بالسياسة وحتى أحيانا ‏بالخرائط الجيوسياسية في العالم، لا يمكن إلا أن يوصف بأوصاف أشنع من الكذب الأول.‏
في السنة الماضية قال الرئيس الجزائري أن المغرب هو الذي أقفل الحدود، وقد رددت عليه ‏هنا في الصفحة بأن المغرب فرض التأشيرة على الجزائريين مزدوجي الجنسية : ‏فرنسية/جزائرية بعد الهجوم الإرهابي على فندق أسني بمراكش، لكن النظام الجزائري رد بإغلاق الحدود. ورغم أن المغرب تراجع عن ‏فرض التأشيرة فلم تتراجع القيادة الجزائرية عن استمرار غلق الحدود.‏
وقد حمل اللقاء مع الصحافة الذي أجراه مؤخرا الكثير من الوقائع الكاذبة والمنافية لحقيقة ‏الوقائع والأحداث. أولها، وهو يحاول أن يرد على ماكرون، قال أن الأمير عبد القادر ‏الجزائري تلقى مسدسين من جورج واشنطن وهو معروض في أحد متاحف الجزائر، والواقع ‏الذي هو مسجل ولا يمكن تغييره حتى وإن جاء من رئيس دولة هو أن جورج واشنطن توفي ‏قبل ولادة الأمير. الكذبة الثانية هي أن الجزائر ثاني دولة اعترفت بأمريكا، وهو هنا يحاول أن يدخل اتفاقا تجاريا بين باي الجزائر مع الولايات المتحدة في 1795 بعد عشر سنوات من اعتراف المغرب بها على أنه اعتراف بدولة استقلت عن بريطانيا والأمران مختلفان.‏
لكن الأهم من كل هذا هو ما يلوكه باستمرار عن حرب الحدود التي وقعت في 14 أكتوبر ‏‏1963 وأطماع المغرب في أراض جزائرية، وادعاء أن المغرب هو من هجم على الجزائر، ‏وأن ما يصفها بأنه أراضي جزائرية شيء محسوم، في حين أن حقيقة الأمر عكس ذلك وهو ‏يعرف ذلك، ويكفي الرجوع إلى شهادة واحدة فقط من عشرات الشواهد وهي شهادة  للضابط ‏الفرنسي الكونت دو سوكونزاك ‏COMTE DE Segonzac ‎‏ بعنوان  في كتابه" رحلة في ‏سوس " ‏excursion au sous ‎‏" جاء فيه في الصفحة 15 : "إن تدخل فرنسا في الصحراء ‏الشرقية اصطدم في كل مكان بموظفين مغاربة معينين تعيينا رسميا وهم باشا تيميمون وتيمي ‏وقواد عين صالح وإيجلي والقصور ووادي زوزفانة ووادي الساورة".‏
الوقائع الحقيقية هي أن الثورة الجزائرية والحكومة المؤقتة للجزائر، وافقتا على إجراء ‏مفاوضات بعد استقلال الجزائر حول الحدود، وكان المغرب في تلك الأثناء يتوفر على سعي ‏فرنسي مغر لكي يوقف المغرب دعمه للثورة مقابل إرجاع فرنسا للصحراء الشرقية التي ‏احتلتها إلى المغرب، ولكن المغرب رفض الإغراءات الفرنسية، بعد استقلال الجزائر بدأت ‏تتلكأ القيادة الجديدة وتتسوف ولا حاجة هنا للعودة إلى كافة التفاصيل وهي مثبتة ودقيقة، لأن ‏اتفاقية إيفيان خلقت واقعا جديدا لفائدة فرنسا، حيث حصلت على حق إجراء التجارب النووية ‏وعلى الأولوية في التجارة والتنقيب والأولوية في تفضيل الشركات الفرنسية في كل المجالات.‏
في بداية 1963 حصلت مناوشات بين حرس الحدود المغربي أي القوات المساعدة وبين جيش ‏التحرير، وخاصة في منطقة فكيك التي استعمل فيها الجيش الشعبي السلاح المتوسط وليس ‏فقط البنادق كما في السابق، وهي مناوشات عادية لم تكن خطيرة وتبع المناوشات طرد ‏المغاربة من الجزائر طوال شهر سبتمبر، الشيء الذي ضرب عرض الحائط باتفاقية ‏الاستيطان الموقعة في مارس1963. في آخر شهر سبتمبر أعلن الرئيس بنبلة أن المغرب ‏يدعم انتفاضة حسين آيت أحمد في القبائل الشيء الذي يعيد للأذهان التهمة الجديدة/القديمة. ‏غير أنه في 8 أكتوبر 1963 هجم الجيش الشعبي على مركز حاسي بيضاء وقتل 10 من ‏جنود القوات المساعدة وكانوا نياما. بعده توجه وفد رسمي مغربي للجزائر للتباحث حول ما ‏يجري على طول الحدود من تصعيد، لكن القيادة الجزائرية تصرفت بعقلية المنتصر في ثورة ‏حققت استرجاع كامل الوطن وهي مسلحة بدعم مصر القوي وبدعم من تحت الطاولة من ‏فرنسا لأن هذه الأخيرة لا تريد أن تذهب الصحراء الشرقية إلى المغرب في ذلك الوقت وهي ‏لم تحرز على نصر كبير في اتفاقية إيفيان إلا بشق الأنفس، كل شيء كان يدفع إلى المواجهة ‏المسلحة، وفعلا اندلعت في 14 أكتوبر وانتصر فيها المغرب واسترجع حاسي بيضاء وطول ‏الشريط حتى حدود تندوف وأصبح يهدد باقتحامها وتحركت الدبلوماسية الفرنسية وسط الحكام ‏الإفريقين خاصة منهم هيلاسي لاسي المقرب من فرنسا والغرب على العموم، وبدأت الضغوط ‏على المغرب لإجراء المفاوضات حول الحدود وقد قبل المغرب على مضض، فبماذا خرجت ‏تلك المفاوضات ؟  وهذا ما يخفيه الرئيس الجزائري. ‏
‏ جرى الاتفاق بعد وساطة من المنظمة الإفريقية وجامعة الدول العربية وتم توقيعه في باماكو في 20 فبراير 1964يشمل عدة نقاط ‏من أهمها : دراسة مشكلة الحدود بين الطرفين وتقديم مقترحات ‏إيجابية لهما، وفي نفس هذا السياق عبرت المادة 6 من اتفاقية إفران ‏سنة 1969 عن السعي نحو إيجاد حلول للمشاكل العالقة بين الجزائر ‏وبين المغرب إذ جاء فيها : المادة 6 : "تدعيما لأواصر التضامن والإخاء ‏التي تجمع بين الشعبيْن الشقيقيْن وتماشيا مع ما تفرضه عليهما روح الجوار، ‏وعملا منهما بالثقة المتبادلة بينهما فقد قرر الطرفان عرض مجموع القضايا ‏المتعلقة بينهما على لجان ثنائية تتكفل بإيجاد الحلول المناسبة لها في نطاق ‏علاقتهما الثنائية وبالوسائل التي يرتئيانها كفيلة بتحقيق رغبتهما المشتركة في ‏التغلب على جميع الصعاب والانطلاق السريع في تعاونهما المنشود". ‏
وهذا يبين أن البلدين معا، ولو أن المغرب ترك نقطة اعتبار المنظمة الإفريقية ‏الحدود الموروثة عن الاستعمار قائمة تمر (تحفظ عليها فقط ولم يقف ضدها)، ‏فهما يعلمان بناء على اتفاقية باماكو وبعد مؤتمر المنظمة التي سجل فيه الحفاظ ‏على الحدود الموروثة، أن هناك اتفاقا على معالجة موضوع الحدود بين البلدين. ‏والمغرب والجزائر ليسا استثناء في هذا الباب.‏