الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: حول  نتائج سوق الانتخابات الأخيرة 

صافي الدين البدالي: حول  نتائج سوق الانتخابات الأخيرة  صافي الدين البدالي
بانتخاب مستشاري الغرفة الثانية  في خامس أكتوبر 2021 و تشكيل الحكومة  و افتتاح البرلمان يوم الجمعة  8  أكتوبر يكون سوق  الانتخابات قد أغلق ابوابه.  و لم يكن الحاسم  في النتائج المعلن  عنها بالنسبة لهذه الانتخابات ( المهنية و البرلمانية و الجماعات الترابية و المجالس الإقليمية و الجهوية و الغرفة الثانية ) راجع إلى  الديمقراطية  الحقة و إلى تطبيق قواعدها  التي  ترتكز على الشفافية و النزاهة   و الأخلاق السياسية  و محاربة استعمال  المال و الرشوة و الفساد الانتخابي  . و هو المنهج الديمقراطي الذي يفرز الطاقات الحقيقية لتدبير شؤون البلاد و يشجع على الانخراط في الحقل السياسي للجميع و خاصة الشباب و الأجيال الصاعدة. كما يرتكز على إبعاد كل من له شبهة الفساد و نهب و تبديد المال العام أو كان موضع متابعة قضائية لها علاقة بجرائم الأموال. إنه المنهج السليم لضمان انتخابات سليمة و الخروج من دائرة التخلف السياسي و الوصاية المخزنية التي بموجبها يتم توزيع أشخاص على الأحزاب المحظوظة في أخر لحظة. 
 إن  الذي كان حاسما في نتائج هذه الانتخابات ، انتخابات 8 شتنبر 2021  من بدايتها إلى نهايتها هو سلطة المال و عودة المفسدين و ناهبي المال العام و المتابعين قضائيا في ملفات لها ارتباط بالفساد و نهب المال العام و الرشوة و التزوير و الغدر و استغلال النفوذ.. فالمال كان هو سيد الموقف و كان هو المحدد لنتائج هذه الانتخابات. فمظاهر شراء الأصوات بدءا من الغرف المهنية حيث وصل الصوت في بعض القطاعات إلى خمسة ملايين سنتيم إلى الانتخابات الجماعية التي وصل فيها الصوت أحيانا في بعض الجماعات القروية إلى 1000,00 درهم ، أما انتخاب الرؤساء فحدث و لا حرج .إنها مظاهر اصبحت معروفة  في الوسط الاجتماعي  و أمام أعين الداخلية و القضاء ، و هو ما أثار  استغراب المتتبعين لعملية الانتخابات عن قرب و ليس عبر أبواق إعلامية تم تسخيرها لتلميع الصورة السوداء لهذه الانتخابات أو عبر أبواق  وزارة الداخلية التي لم تغير من نهجها الانتخابي  من  شيء رغم التحول الذي عرفه العالم على المستوى الديمقراطي .
إن الدولة المغربية لا زالت على عادتها القديمة  حيث تضع قوانين انتخابية ذات خلفية تحكمية و إقصائية  من خلال التقطيع الانتخابي و القاسم الانتخابي أو العتبة و من خلال اللوائح الريعية تارة لفائدة الشباب و تارة لفائدة النساء حتى أصبح لكل موسم انتخابي  صورة  كاريكاتورية .  إذ ترى أحزابا تستبق الزمن لتزكية الأعيان و أصحاب " الشكارة " و المتابعين قضائيا في ملفات الفساد و نهب المال العام ،  فلا تهمهم في ذلك الكفاءة و لا حسن الخلق في شيء. كما ترى أفواج الانتهازيين الباحثين عن تزكية بالملايين و مغيرين لون أحزابهم السابقة.    إنها مظاهر  تكشف عن فشل الأحزاب في تنمية مواردها البشرية و تأهيل أطرها تأهيلا يساهم في التنمية الديمقراطية بالبلاد ، كما تؤكد  هذه المظاهر بان الأحزاب  لا تمارس السياسة الحقيقية بل تبحث  فقط عن الدعم  المالي و عن الريع السياسي بمساعدة الدولة . مما يدفع بالدولة في  كل مرة إلى تشكيل معظم أعضاء الحكومة من تكنقراط و إعطائهم نسبا حزبيا ، كما هو الشأن بالنسبة لحكومة أخنوش .  
لماذا لجأت الدولة لهذه الأساليب الانتخابية التي لا علاقة لها بالديمقراطية الحقة التي تحترم فيها كرامة الشعب و ربط المسؤولية بالمحاسبة  ؟ 
أولا : لأن الدولة تريد أن تتخلص من عقدة المقاطعة حيث الأغلبية المقاطعة تفوق الكتلة  الناخبة الفعلية ، ذلك لأن  الشعب المغربي  أخذ منذ السبعينات مسافة بينه و بين الانتخابات لما تعرفه من تعيينات انتخابية بالسلطة أو بالمال بالإضافة إلى المقاطعة التي ظل يمارسها اليسار لمدة طويلة ، لأنه ظل يطالب  بتوفير  الشروط الديمقراطية الحقيقية و تصفية المناخ السياسي  و وضع دستور ديمقراطي يضمن للشعب المغربي  حق تقرير مصيره  الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي بنفسه .و إسناد مهمة الانتخابات إلى هيئة مستقلة عن وزارة الداخلية ، مما جعل المقاطعة هي الأغلبية و ليس الكتلة الناخبة رغم تزوير الأرقام في كل موسم انتخابي .  
ثانيا : لأن الدولة سمحت باستعمال المال لضمان مشاركة أوسع من جهة و لإقصاء مرشحي اليسار( تحالف فيدرالية اليسار و الاشتراكي الموحد ) من جهة ثانية حتى لا يشكلوا عائقا  للأغلبية  المخطط لها سلفا و المكونة من بعض  الأحزاب الإدارية  و التقليدية  و معارضة تعمل تحت الغطاء المخزني .
إن هذه الانتخابات لا علاقة لها بالديمقراطية و إنما هي عبارة عن موسم للبيع و الشراء و تبديد مال الشعب . أما صناديق الاقتراع   لم  تفرز من الفائزين  إلا من دفع أكثر أو من  له تغطية مخزنية أكبر.
البدالي صافي الدين، قيادي في حزب الطليعة