الاثنين 22 ديسمبر 2025
كتاب الرأي

عصام خايف الله: كأس إفريقيا للأمم 2025 فرصة ذهبية لتسويق الموروث الثقافي والحضاري للمملكة

عصام خايف الله: كأس إفريقيا للأمم 2025  فرصة ذهبية لتسويق الموروث الثقافي والحضاري للمملكة عصام خايف الله
مع اقتراب انطلاق صافرة البداية لنهائيات كأس أمم إفريقيا 2025، تتجه أنظار القارة السمراء والعالم نحو المملكة المغربية الشريفة، البلد المضيف الذي لا يرى في هذا الحدث مجرد منافسة رياضية، بل فرصة استراتيجية لإطلاق فصل جديد في مسيرته التنموية. ففي ظل الرؤية الملكية السامية التي تضع التنمية الترابية والجهوية المتقدمة في صميم أولوياتها، يتحول هذا العرس الكروي إلى رافعة محورية لتحقيق إقلاع اقتصادي واجتماعي، وتسويق هوية حضارية ضاربة في جذور التاريخ.

فاستضافة بلادنا لهذه البطولة بهذا الحجم ليست غاية في حد ذاتها، بل هي محرك لتحديث شامل للبنى التحتية في المدن المستضيفة الكبرى كالرباط، طنجة، مراكش، أكادير، وفاس. الاستثمارات الضخمة في تأهيل الملاعب، وتوسيع شبكات الطرق، وتطوير الخدمات اللوجستية، لا تخدم فقط ضيوف المملكة المغربية خلال البطولة، بل تشكل رأسمالا دائما يعزز جودة حياة المواطنين ويرفع من جاذبية هذه المدن كأقطاب للاستثمار والسياحة. هذا التخطيط المندمج، الذي يوازن بين الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية، هو تجسيد عملي لمفهوم التنمية الترابية الذي يهدف إلى تحقيق العدالة المجالية وتقريب الخدمات من الساكنة.

وتعد البطولة فرصة ذهبية لتقديم المغرب كواجهة حضارية فريدة، حيث يتدفق آلاف الزوار والإعلاميون من مختلف أنحاء العالم. إنها دعوة مفتوحة لاكتشاف قصة بلد تتناغم فيه الأصالة مع الحداثة؛ من عظمة العمارة الإسلامية في فاس ومكناس، إلى سحر مراكش وعبق تاريخ الرباط. كما أنها فرصة لإبراز كنوز التراث اللامادي، كالموسيقى الأندلسية، والفنون الأمازيغية، والمطبخ المغربي الذي نال اعترافا عالميا من اليونسكو. ومن خلال تنظيم معارض ثقافية وعروض فنية موازية، يمكن تحويل الحدث إلى تجربة سياحية متكاملة ترسخ صورة المغرب كوجهة آمنة، مضيافة، ونابضة بالحياة.

علاوة على ذلك، وبعيدا عن التنافس، تشكل البطولة منصة لتعزيز الروابط الإنسانية وتعميق البعد الإفريقي للمملكة. فالتجمعات الجماهيرية والمبادرات الثقافية والتضامنية الموازية تخلق فضاء للتقارب بين الشعوب، وتنعش روح التعاون "جنوب جنوب". هذا التوجه ينسجم تماما مع السياسة الخارجية للمغرب، القائمة على التضامن الإفريقي والشراكة المتكافئة، مما يحول الرياضة إلى لغة عالمية للتفاهم والسلام.

ولتحقيق هذه الأهداف الطموحة، لا يمكن النظر إلى كأس أمم إفريقيا 2025 كحدث عابر. إنه مشروع مجتمعي متكامل يتطلب انخراطا فعالا من كافة الأطراف: من الجماعات الترابية والمجالس الجهوية، إلى الفاعلين الاقتصاديين والمجتمع المدني. إن إشراك الشباب والنساء في هذه الدينامية لا يعزز فقط الشعور بالانتماء الوطني، بل يفتح آفاقاً واسعة لخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.

إن نجاح المغرب في هذا الرهان لن يقاس فقط بالتنظيم المحكم للمباريات، بل بقدرته على تحويل هذا الحدث الرياضي إلى إرث تنموي مستدام، يرسخ مكانته كقائد إفريقي في مجال التنمية المندمجة، ويترك بصمة حضارية تخدم الأجيال القادمة.