الثلاثاء 23 إبريل 2024
فن وثقافة

"يَوْمِيَّاتْ قَنَّاصْ" تروي حكاية "مْقَدَّمْ اَلرّْمَا" مع التِّيسْ واَلذِّئبْ (2)

"يَوْمِيَّاتْ قَنَّاصْ" تروي حكاية "مْقَدَّمْ اَلرّْمَا" مع التِّيسْ واَلذِّئبْ (2) الزوزي رفقة النشاش عبد الله

بمناسبة عِيدْ اَلرّْمَا، وفي الحلقة الأولى من "يَوْمِيَاتْ قَنَّاصْ" تحت عنوان "لَا تَكْتَمِلَ "فْرَاجَةْ" اَلْقَنْصْ إلا برفقة "اَلنّشَّاشْ" الحاذق واليقظ والصياد الماهر"، تناولنا في جريدة "أنفاس بريس" كيفية الاستعداد ليوم افتتاح موسم القنص الذي ينطلق الأحد الأول من شهر أكتوبر من كل سنة، (ترقبوا العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن")، واسترجعنا مع صديقنا القناص نور الدين الزوزي مشاهد من عمليات الصيدة التي تتأسس أصلا على مرافق القناص الذي يسمى في أعراف وعادات الصيادة بـ "اَلنّشَّاشْ" حيث استحضرنا نموذج عبد الله النقرة الذي يشهد له بالحنكة والدربة في ميدان تقفي أثر الوحيش والطرائد.

في الحلقة الثانية من هذه اليوميات، التي حكاها ضيف الجريدة الطبيب نور الدين الزوزي، سنورد في مقالنا محكيات من نوادر جميلة وقعت لبعض الصيادة سواء أثناء عملية اَلصَّيْدَةْ، أو روايات شفهية لها علاقة بمحيط القناصة العائلي والأسري..

هدفنا من تقديم هذه النوادر هو إشراك القراء في محكيات تساعد على فهم سلوك "اَلصَّيَّادَةْ" ومعاناتهم مع "اَلْبَلْيَةْ" التي يتجرعون من وقائعها ألطف الذكريات وأجمل المقالب وأشرس المواقف مع الطرائد.

 

من نوادر "مْقَدَّمْ اَلرّْمَا" مع التِّيسْ واَلذِّئبْ

قبل سرد هذه الحكاية الجميلة التي تروى بمنطقة الرحامنة منذ زمن بعيد، لا بد أن نحيل موضوعها تاريخيا من خلال العيطة الحوزية التي تناولت في متنها الغنائي صيد الذئب بشعاب الرحامنة ووديانها حيث يقول المتن " أَمُولْ اَلجَّعْبَةْ لِيكْ ذِيبْ". وحسب المتداول شفاهيا فإن الأمر يتعلق بنداء "اَلْحِيَّاحْ" الذي يقتفي أثر الذئب ويستفزه للخروج من مخبئه وتهيئ شروط قنصه من طرف الصيادة المتأهبين للحظة إطلاق البارود وإصابته، على اعتبار أن منطقة الرحامنة كانت موطن الذئاب المفترسة نظرا لطبيعة تضاريسها.

 

ضَرْبُوا، ضَرْبُوا أَوْلِيدَاتِي... ضَرْبُوا وَغِيرْ ضَرْبُوا كُلْشِي لْحَمْ

كانت كلما تكبدت ساكنة منطقة الحدرة بالرحامنة خسائر في رؤوس البهائم من (مَاعِزْ، وَخِرَافْ وَنْعَاجْ..) بفعل تربصات الذئاب المفترسة، كان "شَيْخْ وَمْقَدَّمْ اَلرّْمَا" يتخذ قراره رفقة الصيادة المتعلق بتنظيم عملية تمشيط ومطاردة الذئاب واصطيادها لإبعاد شبح القلق عن المنطقة التي تكبدت خسائر في قطعان الماشية.

كان اَلصَّيَّادَةْ في تلك الفترة الزمنية لا يتوفرون إلا على سلاح "مُكَحْلَةْ بُوحَبَّةْ"، وكانت الطريقة الذكية التي يلجأ لها هؤلاء القناصة بفتوى من "مْقَدَّمْ اَلرّْمَا" هي ربط "عَتْرُوسْ" بحبل ممتد إلى وَتَدْ يُدَقُّ في أرض صلبة حتى لا يفر التيس من مَضْرَبْ اَلصّيَّادَةْ.

 

من المعلوم أن رائحة الماعز يَشُمُّهَا الذئب عن مسافة بعيدة ويقتفي أثرها لافتراسها، لذلك كان "مْقَدَّمْ اَلرّْمَا" يصر على اختيار المكان المناسب لِمَضْرَبْ اَلصّيَّادَةْ حيث يتم تكبيل الضحية "اَلْعَتْرُوسْ" بإحكام مع ضمان هبوب الرياح في اتجاه الذئب، ويَتَمَوْضَعْ القناصة في مكان لا يمكن أن يكتشفهم فيه أو يشم رائحتهم. وكان من المفروض في مكان اَلْمَضْرَبْ الذي يكبل فيه التيس أن يضمن لِلصَّيَّادَةْ مساحة أمنة لإطلاق البارود نحو الذئب دون إصابة اَلْعَتْرُوسْ.

 

استعد الصيادة رفقة مْقَدَمْ اَلرّْمَا للإيقاع بالذئب، وفوضوا أمر تكبيل "اَلْعَتْرُوسْ" في مكان اَلْمَضْرَبْ لأحدهم، لكن هذا الأخير لم يحكم ربطه مع اَلْوَتَدْ بالشكل المطلوب، واختبئوا بعيدا عن حواس الذئب متأهبين للإيقاع به عند لحظة الصفر، وما هي إلا لحظات حتى ظهر المفترس عدو الماشية وهو مقبل للانقضاض على فريسته، لكن التيس فطن لقدوم الذئب المتربص به، وحاول الفرار من موقع المضرب وكان له ذلك بعد أن تنصل من الحبل وأطلق ساقيه للريح والذئب يركض خلفه.

الصدمة كانت قوية في لحظة فرار "اَلْعَتْرُوسْ" والذئب يركض خلفه، ولم يتمالك مقدم الرما أعصابه أمام فشل المهمة، فصاح بأعلى صوته في وجه الصيادة قائلا: "وَااا ضُرْبُوا ضَرْبُوا يَا وْلِيدَاتِي..ضَرْبُوا وَغِيرْ ضَرْبُوا كُلْشِي لْحَمْ".

 

لقد أوقع لا محالة خطأ إحكام تكبيل "اَلْعَتْرُوسْ" في مربط اَلْمَضْرَبْ "مْقَدَّمْ اَلرّْمَا" فِي مصيبة بعد أن تيقن بأنه لم يعد هناك أمل في إصابة الذئب المفترس لوحده دون إصابة التيس الفار من أنيابه، وفضل أن يطلق الصيادة بَارُودَهُمْ في اتجاه التيس والذئب معا لذلك صاح فيهم بالقول: "غِيرْ ضَرْبُوا ضُرْبُوا... كُلْشِي لْحَمْ".

 

كانت هذه حكاية الدكتور نور الدين الزوزي الذي سمعها عن شيخه الراحل السي رشيد أكرم الله متواه وختمها بالقول: "فِينْ مَا مْشَاتْ غَزَّاتْ".

 

(حكاية الحلقة 3 تتعلق بليلة مخاض زوجة أحد الصيادة الذي فضل افتتاح موسم الصيدة على انتظار قدوم مولده الجديد)