السبت 20 إبريل 2024
سياسة

الفارح: هل الجزائر قادرة على خوض حرب مسلحة مباشرة ضد المغرب؟

الفارح: هل الجزائر قادرة على خوض حرب مسلحة مباشرة ضد المغرب؟  المصطفى الفارح، والجنرال الجزائري السعيد شنقريحة

ما يحصل في الجزائر من غليان واحتقان اجتماعي وما يصاحبه من ضجيج وقرع لطبول الحرب من قبل نظام حكم الجزائر من أجل تحويل الأنظار، داخليا وخارجيا، عما يمكن تسميته بدون مجانبة الصواب، أزمة الجزائر، يدفعنا إلى محاولة استشراف المستقبل في هذا البلد وفي منطقة شمال إفريقيا، وعلى وجه التحديد ما اصطلح على تسميته " منطقة المغرب العربي".

لماذا تحديد المجال الجغرافي وحصره ؟

- بخصوص الجزائر، كل الأحداث التي تقع أو يمكن أن تقع ، ومهما كانت النتائج فإنها لن تتجاوز علاقة الجزائر بهذه الرقعة الجغرافية، وأكبر الانعكاسات ستقع على شعب الجزائر ودولة الجزائر .

- أما بخصوص المغرب ، نظرا لموقعه ووضعه الجيوستراتيجي وما أحدثه في السنوات الأخيرة على المستوى الجيوبوليتيكي، من خلال توطيد وتطوير علاقاته السياسية التاريخية مع حلفاء تقليديين ( الولايات المتحدة الأمريكية ، بريطانيا و دول إفريقية....) ومن خلال الاختراقات الديبلوماسية والعلاقات الاقتصادية على المحور جنوب-جنوب، على قاعدة رابح-رابح، بفعل وعي متقدم وعمل استباقي، على كل المستويات، بضرورة الانخراط المبكر في النظام العالمي الجديد الذي أصبح واقعا ملموسا، سرعت من وثيرة إنجازه جائحة كوفيد19، التي أمدت الدول الكبرى الماسكة بخيوط التحول، بحرية التصرف بعيدا عن كل أشكال المراقبة المرتبطة بالحريات وبحقوق الإنسان التي من شأنها تأخير وصول قطار النظام العالمي الجديد إلى محطاته المحددة سلفا.

لقد استفاق نظام حكم الجزائر متأخرا، مثل شخص فاته اقتناء تذكرة الركوب ولم يتبق مكان شاغر. واعتقادا منه بأنه الأحق ، ها هو يملأ الدنيا صراخا وضجيجا . إنه بدون شك لا يدرك بأن الوضع تغير والمعطيات تغيرت. لا حائط برلين، ولا جبهة الرفض العربي قائمة، ولا أوروبا اللاتينية تمتلك النفوذ والقوة التي تسمح لها بفرض إملاءاتها إقليميا وعلى مستوى القارة الإفريقية والشرق الأوسط.

سيتشكل وفق ما اعتاده في النظام السابق، على أساس تقسيم مناطق النفوذ بين كتلتين، وبالنظر لاعتقاده بالتواجد في حدود كتلة معينة وهو أحد سلالاتها المتحورة، فإنه يرى بأن لازال بإمكانه لعب دوره القديم " الدوزييم فرانسيس" في إفريقيا وفي المنطقة، من خلال ابتزاز فرنسا والغرب وإظهار استعداده للارتماء بين أحضان الروس.

قوة وأهداف واحتياجات الروس بالأمس ليست هي ما عليه اليوم، المارد الصيني يضغط بكل ثقله الديمغرافي والتكنولوجي، أوروبا تنكمش اقتصاديا وسياسيا وتسلم مفاتيح اقتصادها إلى ألمانيا الموحدة القوية التي تستعيد زمام المبادرة ومجدها الغابر، لكنها في وضع حرج بخصوص أمنها العسكري وتأرجحها بين أمريكا وروسيا، وبين خيار المظلة النووية الفرنسية، الذي تبقى حظوظ قيامه ضئيلة جدا. هل يقبل به الألمان؟

في الوقت الذي كانت فيه الدول الأصيلة تستغل وتستنفر كل إمكانياتها المادية والبشرية، من أجل تطوير بنياتها واقتصادها وتأهيل شعوبها للقادم والمستقبل، جعلت الجزائر نفسها كوكبا معزولا يدور حول نفسه. بذرت ثروات هائلة في التسلح وفي تسليح جماعات وعصابات إرهابية وفي زرع الفتنة بين الشعوب وبين فئات شعب الجزائر نفسه ليتقاتل وتبيع له في نفس الوقت وهم المؤامرة الخارجية والعدو الكلاسيكي، فيبقى نظام العسكر بعيدا، إلى حين، عن المحاسبة القادمة يوما لاريب فيه.

عندما تدق الجزائر طبول الحرب على كل الواجهات وترسل تهديدات هي أبعد ما تكون عن تحقيقها وتجسيدها على أرض الواقع، اللهم بعض الشطحات والمبادرات الاستعراضية المثيرة للشفقة والاستهزاء، كما هو حال إغلاق أجواءها في وجه الطيران المغربي، أو محاولات التحرش واستفزاز حرس الحدود المغربي والقوات المسلحة الملكية المرابطة على الحدود الشرقية والجنوبية الشرقية للمملكة، هو قرع للطبول من أجل ترهيب شعب الجزائر واستمرار وضعه تحت الضغط واستمرار حالة الاستثناء التي تعيشها الجزائر منذ أزيد من ربع قرن من الزمن.

 

إن وضع حالة الحرب يعيشها المغرب منذ نهاية حرب الرمال سنة 1963، لكنها أخذت شكلا آخر أكثر عدوانية، عندما صنعت الجزائر عصابات البوليساريو واحتضنتها فوق أراضيها ودربتها وسلحتها وجعلت تندوف قاعدة متقدمة لإطلاق هجوماتها الغادرة على الأراضي المغربية.

 

لكن هل الجزائر قادرة على إعلان حرب مباشرة على المغرب وخوض مواجهة مسلحة والاطمئنان على نتائجها؟

هل لديها الإمكانيات العسكرية والقدرات البشرية القيادية التي تضمن لها الانتصار وتحقيق حلم القوة الإقليمية العسكرية الأولى، بلا منازع. هذا الحلم الطي أصبح هدفا جزائريا عوض القوة الإقليمية الحقيقية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا؟

إن الحقد الأعمى والكراهية هي العناصر الوحيدة التي يتوفر عليها نظام حكم الجزائر، ولا أشك لحظة في أنهم، بعد أن وضعوا أنفسهم في مأزق لا يحسدون عليه أمام العالم وأمام شعب الجزائر، سيعصفون بآمال أكبر العقلاء وسيقومون بعمل عسكري قد يكون إلى جانب عوامل أخرى ذاتية، تلك القشة التي ستقسم ظهر البعير، كما يقول المثل وستخلص شعب الجزائر وشعوب المنطقة والعالم من نظام مغامر، لم يعد لمثله مكان في العصر الراهن وفي النظام العالمي الجديد.

إن المتتبع للمناورات العسكرية الجزائرية التي تتركز بالأساس على الناحية العسكرية الثانية والتي يدخل في إطارها الجغرافي الأراضي المتاخمة للحدود مع المغرب على طول الشريط الممتد من السعيدية فوجدة حتى منطقة الراشيدية، مرورا بفجيج وحتى مشارف منظقة آسا الزاك، يدرك بأن هذا الشريط هو الأكثر عرضة لهجوم عسكري جزائري.

لماذا؟

- لأن هذه المناطق عرضة للتحرش منذ فترة طويلة والجزائر تختلق الذرائع لخلق أجواء التوتر وتنازع في السيادة المغربية على بعض أجزاء من تراب المنطقة، وهو ما يمكن تسويقه مبررا ، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

- لا يمكن للقوات الجزائرية المغامرة بالخروج بعيدا عن قواعدها الرئيسية لكي لاتنقطع عنها الإمدادات واللوجيستيك وخصوصا أنها لا تتوفر على محطات ومراكز ربط لوجيستيكي وتخزين في عمق التراب الجزائري ، لأنها لم تكن ، في يوم من الأيام في حاجة أليها.

-أما بخصوص القوات البحرية الجزائرية، ورغم ما تحاول الجزائر من استعراض ومحاولة الإبهار بها، فدورها سيكون محدودا جدا وقد يكون منعدما بالنظر لضيق مساحة التحرك والمناورة، فالمسافة الفاصلة بين الحدود البحرية الجزائرية ومنطقة الحسيمة مثلا، حيث مدينة مليلية على مرمى حجر، لا تتعدى 90 كلم، وهي المياه التي يمكن للبحريتين التصادم فيها بدون مس بحرية الملاحة الدولية. وفي الحسيمة كما نعرف قاعدة بحرية عسكرية من القواعد الأكثر تطورا وتجهيزا، وبها فرقة ضفادع البحرية الملكية الشهيرة، كما إنه غير بعيد توجد القاعدة العسكرية الحديثة من الجيل الجديد بالقصر الصغير، هذا بدون احتساب الوحدات العسكرية المنتشرة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط..

ماذا لو غامر الجيش الجزائري وتوغل جنوبا وفي الجنوب الغربي من أراضيه من أجل مهاجمة مناطق حدودية بعيدة لهدف عسكري أو استراتيجي حربي ما؟

عمل من هذا القبيل لا يفكر فيها إلامغامر أو انتحاري ، لأنه في هذه الحالة ستقع القوات الجزائرية بين كماشتي القوات المسلحة الملكية للمنطقة الجنوبية وقواتها الضاربة المرابطة في مناطق أسا والزاك والقوات المغربية للمنطقة الشمالية المرابطة على طول الشريط الحدودي من وجدة إلى الراشيدية. وسيتكرر ما حدث في معارك أمغالا وقد يسقط جيش كامل في الأسر.

 

                                                 المصطفى الفارح/ مهتم بالشؤون الأمنية والعسكرية