الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

الزوزي: لا تكتمل "فْرَاجَةْ" القنص إلا برفقة "اَلنَّشَّاشْ" الحاذق واليقظ والصياد الماهر (1)

الزوزي: لا تكتمل "فْرَاجَةْ" القنص إلا برفقة "اَلنَّشَّاشْ" الحاذق واليقظ والصياد الماهر (1) النشاش عبد الله النقرة رفقة القناص نور الدين الزوزي

لم تعد تفصلنا عن موعد افتتاح موسم القنص سوى وقت قليل تلتهم دقائقه عقارب الساعة بِنَهَمْ، لكن بالنسبة للقناص "اَلْمُولُوعْ" العاشق "لِلصَّيْدَةْ" يعتبرها أطول مدة زمنية في حياته، حيث يفر النوم من جفونه ويفقد شهية الراحة، نظرا لاشتياقه وحنينه لحمل سلاح القنص واصطحاب كلاب الصيد ولقاء رفاق "اَلْبَلْيَةْ"في ميدان قنص الوحيش المرخص وفق الضوابط القانونية.

من نافلة القول أن شريحة "اَلْمَبْلِيِّينْ" بطقوس "اَلصَّيْدَةْ" ينكبون مدة شهر قبل موعد افتتاح موسم الصيد، على جَمْعْ لوازم ومستلزمات رحلة القنص الجميلة التي تدوم شهرين متتاليين (ابتداء من يوم الأحد الأول من شهر أكتوبر)، بعد أن يفتحوا صندوق عدة الرصاص وتفقد أوراق وتراخيص الصيد، وبندقية القنص وتشحيمها، وتوفير اللباس والحزام والحداء المريح والمحصن للأقدام التي تقطع المسافات الطويلة في الجبال والسهول والتلال ووسط الغابات بحثا عن الطرائد.

تقول أبيات أغنية مجموعة مسناوة التراثية

"مُوسَمْ اَلصَّيْدَا بْدَى

ذَاكْ اَلرَّامِي مَا بْغَى يَهْدَى

شَاعْلَةْ فِيهْ اَلْكَبْدَةْ غُدَّةْ

فَرْحَانْ يَجْمَعْ اَلْعَدَّةْ

أَنْسَى لَفْطُورْ ؤُ لَغْذَا

وُ فَرْحَانْ يَمْشِي لِلصَّيْدَةْ

وُ اَلسّْلَا ضَارْيَةْ تَتْهَدَّا

وُ تَبْكِي مَنْ طُولْ اَلْــَعْدَةْ"

جريدة "أنفاس بريس" كان لها لقاء مع نموذج "تَامَغْرَبِيتْ" المتأصلة في جدور وأصول الدكتور نور الدين الزوزي عاشق التراث في شق "بَلْيَةْ" (اَلْعَيْطَةْ واَلتْبَوْرِيدَةْ واَلْقَنْصْ وتَارَامِيتْ)، حيث فتحنا نافذة على "يوميات قناص" وهو يعد الساعات نحو نقطة الصفر ويده على الزناد.

الحكي عن طقوس وأعراف "اَلصَّيْدَةْ" في حضرة ضيف الجريدة، دو شجون ويحتاج إلى صفحات كثيرة لتدوين منطوقه الشفهي، هي حكايات ونوادر وأحداث عميقة يمتزج فيها المقدس بالبركة، ودعاوي الخير والنية الصادقة، ترويها سيرة رجل خبر ميدان القنص رفقة صديقه "اَلنَّشَّاشْ" عبد الله النقرة ابن دوار الطلبة بمنطقة صخور الرحامنة، هذا الأخير الذي يشم رائحة الوحش (أرانب وحجل) عن مسافات بعيدة، ويتقفى أثره بنظره الحاد وحدسه الذي لا يخطئ أبدا، لكنه لن يتسامح مع حامل سلاح القنص إن هو أخطأ الهدف.

عبد الله "اَلنّشَّاشْ" رجل يمسح مجال اختباء الطرائد بحواسه ويكره الفشل

عبد الله النقرة، يمتهن حرفة "زْلَايْجِي" (تركيب الزليج)، مهندس عبقري في مهنته بـ "اَلْمَلَّاسَةْ" التي يكسب منها قوة عيشه لأسرته الصغيرة بالرحامنة، لكن في موسم الصيد يهب يومين من الأسبوع للخروج في جولاته وصولاته رفقة الطبيب نور الدين الزوزي الذي يتفنن في إصابة الوحش والذي يصفه "نَشَّاشِهْ" بالظاهرة الفريدة في ميدان اَلصَّيْدَةْ بمنطقة الرحامنة. دائما تجده على أهبة الإستعداد من أجل "لَفْرَاجَةْ" وما أدراك ما "لَفْرَاجَةْ" بالقرطاس الذي يلعلع في سماء اَلْمَحْمِيَّاتْ المرخصة.

"اَلنَّشَّاشْ" السي عبد الله، الرجل البسيط في كل شيء، حيَّر أعتى الصيادة في تقفي أثر الوحيش في مختلف تضاريس مجالاتنا الجغرافية، في الجبال والسهول والوديان، و بين الأعشاب والصخور وخلف ألواح الصبار وفي حقول أشجار الزيتون وسْدَرْ اَلنّْبَـْ واَلشْطَّبْواَلْخُشْلَاعْ، قادر على أن يجعل من القناص رجل الميدان وهو يفتخر ويتباهى بكلابة وسلاحه بين رفاقه إن كان فعلا يستحق لقب "رَامِي مَنْ اَلرْمَا" الذي يؤشر عليه "اَلنَّشَّاشْ" عبد الله النقرة.

في ميدان "اَلصَّيْدَةْ"، لا يُعوِّلْ "اَلنَّشَّاشْ" عبد الله إلا على حواسه المستنفرة في ساحة القنص، يركز بحدسه ويشم رائحة الوحش ويتتبع أثره ويستعمل نظره الحاد كزرقاء اليمامة، إلى درجة أنه يقرأ أثر الأرنب ويحسب بسليقته حجمها، وهل هي حامل (ضَارَّةْ) أم لا وفق أثر بطنها الذي يلامس تربة الأرض، و "يَخْزِرْ" مكان اختفائها عن الصيادة وكلابهم المدربة، هو وحده من يعلم بتفاصيل مسيرتها نحو النجاة من قرطاس بندقية الصياد.

الإحتراف في ميدان "اَلنَّشَّانْ"، يتطلب دربة ومهارة ويقظة خاصة، خصوصا مع عبد الله "اَلنَّشَّاشْ"، الذي يكره ويمقت القناص الذي لا يُسَدّدْ بالدقة المطلوبة زمن هروب الوحيش من دائرة الخطر والموت، وقد ينتفض في وجه حامل السلاح، ويسمعه ما لا يطيق من نقد لاذع . في هذا السياق يقول نور الدين الزوزي: "بعد أن شخص (اَلنّشَّاشْ) عبد الله مساحات تواجد أرنب بري وهندس مكان وقوف مرافقيه من الصيادة، للإستعداد للتصويب وإطلاق الرصاص... لكن الأرنب أطلق سيقانه للريح في لحظة تراخي أحد الصيادة الذي فضل أكل فاكهة الكرموس الهندي عوض حرصه على إصابة الهدف".

كثم عبد الله غيضه في قلبه، وفرك يديه بشدة، وهو يتكأ على عصاه التي يهش بها على الطرائد، وتنهد تَنْهِيدَةْ عميقة أرسل من خلالها رسالة احتجاج بليغة وهو ينفث داخن سيجارته الشقراء، و يتابع فرار الأرنب نحو فضاء الحرية والنجاة.

 لكن يضيف ضيف الجريدة حدث ما لم يكن في الحسبان بعد أن ضبط عبد الله بحدسه المعتاد أرنبا بريا آخر في مكان غير بعيد من موقع الهزيمة: "يَالّلهْاَلرْمَا. وَجْدُوا رُوسْكُمْ هَا هِيَّا هْنَا"، وأشار بيده نحو مخبئها، و في لحظة ارتباك بعض الصيادة فضل "اَلنّشَّاشْ" أن ينقض بكلتا يديه على الأرنب من وسط شوك الصبار حتى لا يتكرر الفشل والهزيمة التي لن يبلعها هذه المرة وقال متهكما "هَا هِيَّا اَلشْرِيفْ فِي يَدِي، صَلِّي عْلِى اَلنْبِي وُخَلِّي قُرْطَاسَكْ عَنْدَكْ"، ثُمَّ أَخْرج سكينه ودبح الطريدة دون تردد.

و أوضح القناص نور الدين الزوزي بأن شخصية "اَلنّشَّاشْ" تلعب دورا محوريا و مهما في "فْرَاجَةْ اَلرْمَا" بفضل حنكته ودربته على تقفي أثر الطرائد كيفما كان نوعها، وخصوصا إن كان "اَلرَّامِي" يتقن ويجيد الرماية في ساحة الصيد، حيث يرتفع منسوب الفرح والمرح والسعادة التي لا تقاس في تلك اللحظات المتميزة لذلك فالنظم الشعري الشعبي خلد أروع الوصف في لحظة القنص بالقول مثلا: "قْرُصْ قْرُصْ يَا اَلصِيَّادْ، رَاهْ اَلجْعَبْ مْقَادْ"، و "أَضْرُبْ اَضْرُبْ يَا اَلرَّامِي وُحْدَرْ يِدِيكْ لَتْخَصَّرْ لَوْشَامْ".

يتبع