الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الإلاه حبيبي: قصص الحب الجميلة تنمي قلب الطفل وتساعده على فهم مشاعره وتمييزها...

عبد الإلاه حبيبي: قصص الحب الجميلة تنمي قلب الطفل وتساعده على فهم مشاعره وتمييزها... عبد الإلاه حبيبي
الحب المفقود في المجتمع ينتقل إلى النصوص، ومنها إلى قلوب الأطفال ليعود من جديد إلى ممارسة التسكع في الأزقة والدروب والحقول والمعامل والشركات والإدارات... إنه الحب المنبوذ، أو الرابطة المقدسة المهجورة تحت وابل من التوصيفات والاتهامات، أولهما أن الحب يأسر القلب ويسبب السقم ويضعف الإرادة ويعلم الكسل والخمول والطاعة ونسيان الواجبات... صك من التهم جعلته طريدا، شريدا، وملعونا....
لكن سرعان ما سيستعيده اليافعون، الصاعدون من الطفولة نحو مرحلة البلوغ وهم يكتشفون جسدهم النبض المؤثث بتضاريس مثيرة، ونتوءات بارزة  تستدعي المرآة وبداية الانهمام بالذات، إنه لحظة الشعور بالتدفق الهرموني الساخن، هرمونات الحب تتسلل كحمم بركانية لتتدفق في الدم والأعضاء والعضلات والمشاعر والأحلام، مما سيغير الإدراكات، ويقلب المعادلات، ويخلق علاقات جديدة بميولات جنسية- إنسانية يطغى عليها، أولا، سؤال الحب، في عبارات متنوعة: أريد أن أُجرِّب الحب، أو بمعنى أكثر نفسانية أريد شخصا آخرا يحبني غير والداي وأفراد أسرتي...
نُضج الجسد بشكل طبيعي يطرح على الشخص حاجات جديدة لا علاقة لها بالأكل والشرب واللعب والأحلام، بل تدفعه نحو البحث عن علاقات اجتماعية خارج دائرة الأسرة، مغامرة لقاء الآخر المختلف، الطرف المتخيل في القصص والروايات والأفلام، الجسد الذي سيتحقق به الاكتمال في صورة الإنسان الطبيعية التي نادرا ما تقدمها بيداغوجيا الكتب المدرسية والنصوص التي تملأ بياضاتها بخطابات التحذير والتخليق والابتعاد عن اكتشاف الذات قبل العالم والطبيعة والقيم والموت والحياة...
قصص الحب لا يصادفها الصغار في محيطهم الأسري ولا في وسطهم المدرسي، وغالبا ما تُعوَّض بنصوص تُمجِّد قيم أخلاقية تحيل على النظام الأخلاقي السائد لتمرين الصغار على نسيان كينونتهم الطبيعية لحساب تقديس وتعظيم أنظمة أخلاقية قاهرة وماحقة... لكن لو علم المانعون والممانعون أن الحب هو الذي يتوج كل القيم، ويكثف كل المعاني، ويلخص كل العقائد، ويتصدر كل الروايات والأشعار، بل وحتى في السياسة التي يسكنها المكر والخبث والغدر يظل الحب فيها هو محرك الفواجع والمواجع، لما ترددوا لحظة واحدة عن تأثيث المشهد التربوي بحكاياته ومسرحياته ونبضه الجميل... ولعل أكبر دليل على فضح السياسة لأزمة الحب يتجلى في تلك المغامرات الفضائحية التي يقع فيها شيوخ السياسة وسادة الحكم الذين حرموا من الحب مبكرا ليظلوا باحثين عنه في نحور تجلبها المواقع والمناصب...
ليس الحب هو الجنس كما يخطر في أغلب أوهام المهووسين بالمنع والرقابة والوصاية على قلوب الناس وعواطفهم الإنسانية النبيلة، بل هو الرابطة الأولى التي منها يتدفق الدم بعدما ينفصل الجنين عن أمه، ويصرخ رافضا لهذا الانفصام الذي سيظل يقاومه مدى الحياة، بحثا عن حبل سري جديد يربطه بأنثى تعيده إلى سكون الرحم وهدوء الأحشاء، وإذا فشل تحول إلى شاعر أو إلى مستبد وقح... 
الحب هو الدرس الأول الذي ينبغي التأسيس له، بيداغوجيا، عبر تشجيع الصغار، وحتى الكبار الذين تجمدت قلوبهم من فرط ترديد بارد لدروس الاخلاق والسلوك القويم، وذلك من خلال حثهم على  قراءة الروايات التي تنتصر لقيمة الحب وأخرى تحكي نبله وقدسيته وضرورته لتصبح الحياة قابلة للعيش...
إن العنف المستشري في كل فضاءات اللقاء الاجتماعي أكبر دليل على أن الناس يعانون من داء فقدان رقة القلوب، ودقة المشاعر، ونبل الأحاسيس، بل وينافقون حتى أنفسهم بسرد النصوص التي ترفع من شأن الأخلاق والقيم الكبرى، لكنها لم تفدهم في شيء لأنهم فقدوا أهم شيء، لقد فقدوا هشاشة الروح لهذا سيظلون دوما أعداء بعضهم بعضا حتى ولو تنزّل عليهم أرقى قانون، وأحاطت بهم الأخلاق من كل الجهات، وحرستهم العيون والكاميرات الفتاكة بكل الحميميات... الحب ليس جرأة بيداغوجية او صيحة متهورة أو رعونة فكرية ، بل هي العادة الطبيعية المفقودة... والإنسان المتصالح مع هويته الأرضية أولا وجمالها السماوي ثانيا...