القرار الفرنسي حول تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف، أثار استغراب المواطنين المغاربة من خلال تعليقات الاستهجان على شبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك الحكومة المغربية التي اعتبرت، أن "القرار غير مبرر".مطالبة بعدم إقحام المغرب في القرارات السياسية الداخلية أو المرتبطة بالحملة الانتخابية حسب وزارة الخارجية.
هذا القرار الفرنسي لا يقتصر على المغرب، بل مس بلدان المغرب العربي الأخرى أي تونس والجزائر. هو لإرضاء مزايدات اليمين واليمين المتطرف اللذان جعلا قضية الهجرة احد المواضيع المزايدة الانتخابية على الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون سبعة أشهر انعقادها. وهو ما يعني أن المغرب ومواطنيه بالهجرة سيكونان احد مواضيع الحملة الانتخابية المقبلة. هذا الوضع قد يزيد من تصعيد التوتر بين الرباط وباريس التي لها علاقات معقدة مع باقي بلدان المنطقة المغاربية بما فيها بعض بلدان الساحل كمالي التي اختارت الاستعانة بالروس لمواجهة الاضطرابات الأمنية والسياسية التي يشهدها هذا البلد الإفريقي.
القرار المثير للجدل أعلن عنه المتحدث باسم الحكومة غابريال أتال لإذاعة "أوروبا 1" إنه سيتم تشديد منح التأشيرات في غضون أسابيع قليلة لمواطني المغرب والجزائر وتونس التي "ترفض" إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لعودة المهاجرين المرحلين من فرنسا."
وأضاف أتال "إنه قرار صارم، قرار غير مسبوق، لكنه صار ضروريا لأن هذه الدول لا تقبل باستعادة رعايا لا نرغب بهم ولا يمكننا إبقاؤهم في فرنسا".
جاء تصريح أتال ليؤكد ما أوردته الإذاعة التي تحدثت عن التوجه نحو خفض عدد التأشيرات الصادرة لمواطني المغرب والجزائر بنسبة 50% ولمواطني تونس بنسبة 33%. وذلك كعقاب لهذه البلدان التي تعتبرها باريس لا تطبق الاتفاقات المشتركة ولا تصدر تصاريح لتسهيل عودة بعض المطرودين من اللذين لا يتوفرون على الإقامة.
رد الرباط على ادعاءات باريس لم يتأخر هذه المرة، وقال وزير خارجية ناصر بوريطة خلال مؤتمر صحافي بالرباط إن المغرب "أخذ علما بهذا القرار الذي نعتبره غير مبرر". وأكد أن الرباط سوف "تتابع الأمر عن قرب مع السلطات الفرنسية".
الحكومة الفرنسية بررت هذا القرار المفاجأ والذي تم دون التشاور مع البلدان المعنية، إنها كانت صبورة بما يكفي منذ المفاوضات الأولى في 2018 حول هذا الموضوع. في حين يتهمها اليمين واليمين المتطرف بعدم ترحيل أعداد كافية من المهاجرين، فإنها تحمل البلدان الثلاثة مسؤولية ذلك. وقال أتال بهذا الصدد "كان هناك حوار، ثم كانت هناك تهديدات. اليوم نضع هذا التهديد موضع التنفيذ".
وسبق لإيمانويل ماكرون أن وعد في بداية ولايته الممتدة على خمس سنوات بتنفيذ قرارات الترحيل بنسبة 100% لجميع البلدان المعنية. وفي يونيو، طلب من حكومته اتخاذ إجراءات "تنفيذية سريعة للغاية"، على أن تعطى الأولوية لترحيل الأجانب بدون إقامة الذين ارتكبوا أعمال إرهابية أو المدرجين على القوائم الأمنية بسبب التطرف وأولئك الذين ارتكبوا جنح أوجرائم وغيرها من الانتهاكات الخطيرة.
قرار الحكومة الفرنسية خفض التأشيرات لم يكن صدفة، بل جاء في الوقت الذي عرضت فيه المرشحة الرئاسية اليمينية المتطرفة مارين لوبن مسودة مشروعها لاستفتاء الهجرة. وقالت لوبن في تغريدة على تويتر "منذ يناير، لم تنفذ 99,8% من قرارات الترحيل إلى الجزائر. وانتظرت الحكومة حتى سبتمبر للتحرك بشأن منح التأشيرات".
قضية الهجرة بفرنسا طغت على الحملة التمهيدية، وقد ساهم في تركيز النقاش السياسي حولها بروز الشخصية المثيرة للجدل إريك زمور الذي يثير تكهنات حول ترشيح محتمل له ويعيد طرح موضوع "الاستبدال الكبير" الذي يتحدث من خلاله عن حلول مهاجرين محل الأوروبيين. من خلال تبنيه نظرية رونو كامي احد منظري اليمين المتطرف العنصري بفرنسا والذي ألف كتابا يدافع فيه عن أطروحة عنصرية وهو ان سكان فرنسا الأوربيين أصبحوا مهددين بسكان من أصول افريقية مهاجرة ومسلمة.
إقحام المغرب ومهاجريه في هذا الجدل الذي يرافق الانتخابات التمهيدية بفرنسا، لم يسكت عنه المغرب هذه على غير العادة، وكان رد الرباط سريعا وبالأرقام، وكذلك من خلال تفسير أسباب تأخر الترحيل الذي يرتبط بالقوانين الفرنسية الداخلية أكثر منه بالجانب المغربي وأكد بوريطة "أن المصالح القنصلية للمملكة في فرنسا منحت خلال الأشهر الثمانية الأخيرة فقط ما يقارب 400 تصريح مرور لأشخاص كانوا في وضعية غير قانونية".لكن ما يعيق الأمر برأيه هو مسألة على فرنسا أن تحلها، إذ يفرض المغرب ضرورة الخضوع لاختبار الكشف عن وباء كوفيد "بي سي آر" لدخول أراضيه، "وما يجب أن تقوله فرنسا، هو أن هؤلاء الأشخاص يرفضون إجراء هذا الاختبار لأنه اختياري هناك وليس إلزاميا ".
وأضاف "هناك أشخاص لديهم تصاريح مرور لكنهم لم يستطيعوا العودة لعدم خضوعهم لهذا الاختبار".
وخلص السيد بوريطة إلى أن القرار الفرنسي اتخذ دون أي تنسيق أو إخطار مسبق للمغرب، مشددا على أن تدبير مسألة الهجرة ينبغي أن يكون محصنا من السياقات السياسية الداخلية ويجب ألا يخضع لظروف سياسية وانتخابية.
وبذلك كان رد الرباط سريعا هذه المرة وهو مطالبتها لباريس بعدم إقحام المغرب في الجدل السياسي والانتخابي الذي سيرافق الحملة الانتخابية لرئاسيات والتي بدأت بشكل مبكر هذه المرة. وقرر أقطاب اليمين المتطرف التركيز على قضية الهجرة لمهاجمة حصيلة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي وعد أثناء انتخابه بترحيل 100% المائة من الأشخاص الذين يصدر في حقهم قرار الترحيل .