الجمعة 26 إبريل 2024
اقتصاد

عبد العزيز عليلي: حرائق  الواحات تطرح من جديد  سؤال غياب  العدالة المجالية 

عبد العزيز عليلي: حرائق  الواحات تطرح من جديد  سؤال غياب  العدالة المجالية  عبد العزيز عليلي ومنظر لحريق أتى على مساحات شاسعة من النخيل المثمر
عرفت واحة اوفوس بالراشيدية يوم الأحد 22 غشت 2021 حريقا مهولا  أتى على مساحات شاسعة  من النخيل المثمر. "أنفاس بريس" أجرت  الحوار التالي مع عبد العزيز عليلي كاتب عام جمعية درعة الكبرى للتنمية والتضامن، لتسليط الضوء على تداعيات هذا الحريق بالجنوب الشرقي.
 
ماهي الإكراهات  التي يعاني منها سكان  الواحات بالجنوب الشرقي؟
عتقد بداية أنه إلى جانب ما يكابده الإنسان الواحي بالجنوب الشرقي من شظف وعوز ومحن عمرت لسنين طويلة. وكفاحه من أجل بقاء بقاء من سماته العامة: التهميش ، الفقر، الجفاف، ندرة الماء، ضعف الاستثمارات، شيخوخة أشجار النخيل، مرض البايوض العاصف، المردودية الضعيفة للتمور، التصحر، التراجع الكبير لأشجار النخيل المغروسة، هلاك السياحة، الهجرة شبه التامة للسكان. هناك ظاهرة تزيد من ضيق، كرب وبؤس إنسان هذا المجال و تزيده شقاء، إنها ظاهرة الحرائق التي تأتي كل سنة على مساحات هائلة من أشجار النخيل والأشجار المثمرة، مهددة حياة كافة الكائنات بالفناء بهذا المجال الإيكولوجي المتفرد الحاضن لثقافة وحضارة عمرت لآلاف السنين، إلى أن أضحت الواحات الآن تتوسل الحياة بطريقة التقطير الوريدي.
 
على ذكر الحرائق ما هي حصيلة هذه الآفة التي باتت ظاهرة مزمنة ومقلقة  بالمنطقة؟
لقد شهدت العديد من واحات الجنوب الشرقي صيف هذه السنة2021  العديد من الحرائق أتت على مئات الهكتارات من أشجار النخيل مخلفة أضرارا اقتصادية، اجتماعية وبيئية هائلة. مهددة واحات الجهة بالزوال والاندثار. حرائق مدمرة تندلع بشكل مفاجئ ومتكرر حتى أضحت ظاهرة مزعجة وغريبة يكتنفها اللبس والتعمية. وقد أصبح من باب المألوف مشاهدة تأجج وتوهج نيران مشؤومة تعانق سماء الواحات العابقة مصحوبة بوهج القيظ وحر لافح وبدخانٍ أسود قاتم. وما أن يتمكن الأهالي ورجال الوقاية المدنية من السيطرة على حريق في واحة من واحات النخيل حتى يندلع آخر بعد أن يأتي على مئات من أشجار النخيل المثمرة، مصدر رزق أغلبية الأهالي. مع العلم أننا نجهل لحد الساعة أسباب اندلاعها. وبالتالي أيام رمادية كئيبة عاشتها واحات كانت بالأمس تجاهد من أجل البقاء. نذكر في هذا الباب واحة أفرا بزاكورة التي أتت فيها الحرائق على 45 هكتارا منتصف شهر يوليوز 2021 ملتهمة أكثر من خمسة آلاف نخلة، واحة اولاد شاكر بالراشيدية التي أتت فيها النيران مئات أشجار النخيل في غضون هذا الشهر. أضف إلى ذلك واحة لمعاضيد بأرفود التي ازدردت فيها ألسنة اللهب المئات من أشجار النخيل. وكذا واحتا دوار توغزى و دوار تاكرسيفت بالجماعة الترابية تمزموط بزاكورة، حيث أحرقت نار مستعرة عددا هائلا من أشجار النخيل بداية الأسبوع الثاني من هذا الشهر غشت 2021. وفي كل مرة يهرع رجال الوقاية المدنية لتطويق الحريق قبل أن تتمدد رقعته، رفقة القوات العمومية، مستعينين بأهالي الواحات الذين لم يدخروا جهدا في عملية الإخماد، في مشهد لافت يعرب عن دماثة و شهامة و فيض عطائهم. ليكون الإصرار الدافع القوي في الإنتصار على جبروت هذه الحرائق.
 
ما هي  مبادرات  الفعاليات المحلية والمجتمع المدني  من أجل وضع  خطط لمكافحة حرائق  الواحات؟ 
لقد اجتاح عبر وسائل التواصل الاجتماعي غضب شديد من طرف نشطاء وفاعلين جمعويين منتقدين ومعاتبين عدم ارسال الطائرات القاذفة للمياه من طرف السلطات الوصية لإخماد حرائق الجنوب الشرقي. و الأنكى من ذلك ومما زاد من حجم غضبهم ومن هول صدمتهم هو ادعاء بعض الصفحات والجهات تدخل هذه الطائرات لإخماد هذه الحرائق بفعالية وكفاءة عالية. في الوقت الذي تسخر هاته الطائرات لمساعدة دول الجوار كفرنسا، إسبانيا، البرتغال لإطفاء حرائق غاباتها. كما نشر العديد من شباب المنطقة عبر صفحاتهم على الفايسبوك وعبر التغريدات العديد من  الهاشتاغات مثل: # بغينا طائرات كنادير في الجنوبالشرقي. #الواحةتنزف  #أنقذو_واحاتنا... صيحات مفعمة بالإحساس بالإجحاف والضيم، لكنها تحمل آمالا كبيرة. صيحات لعلها تلفت الانتباه باحثة عن آذان صاغية وقلوب واعية تساعد على إنهاء ما تكابده واحات الجنوب الشرقي من إهمال. ولا غرابة عندما تقابل صيحات هؤلاء بالتجاهل والتعامي، لأنها غالبا ما تدوي في واد سحيق.
وفي ظل هذه المشاهد والحرائق المتوالية طرح سواد من النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي العديد من التساؤلات من قبيل: هل التغير المناخي وراء هذه الحرائق ؟ أم هو التدخل غير المحسوب للإنسان في استغلال المجال؟ هل قدر للجنوب الشرقي أن يكابد معاناة تلو أخرى؟ هل بسبب موجة الحر الشديد التي تعصف بالجنوب الشرقي صيفا؟ لماذا تطير طائرات الكنادير صوب الشمال ولا تتحرك تجاه الجنوب الشرقي؟ لماذا تعرض نفس الطائرات لخدمة الجارة الجزائر لإخماد حرائقها، ويحرم أبناء هذا الوطن من خدماتها؟ هل أصبحنا غير مرئيين وغير مرغوب فينا حتى يتم تهميشنا بهذا الشكل؟ بل هناك منهم من أصبح ينفر   من مقولة ''ناس ديال الجنوب الشرقي الله إعمرها دار''، ظانا في نفسه بأن هذه العبارة هي سبب كل ما يقع وسبب إهمال وتهميش المنطقة. تساؤلات مشروعة تنم عن شعور هؤلاء بالغبن، المداهنة والمخاتلة التي يتعرضون لها منذ عقود، جعلتهم يفقدون الثقة في الموكول لهم حل مثل هاته المعضلات.
 
في نظرك  هل أسباب  الحرائق طبيعية فقط أم تعود إلى عوامل أخرى؟
قحولة الواحات ليست فقط بسبب توالي سنوات الجفاف ولكن كذلك بفعل استغلال فاحش ومبذر للماء نتيجة تبني نظام سقي تقليدي يبدده. وبفعل بروز زراعة دخيلة، غريبة، عجيبة، تم إدغامها عنوة في المنطقة وهي زراعة البطيخ الأحمر (الدلاح) بفعل كسبها السهل والسريع، جعلها تنتشر انتشار النار في الهشيم. زراعة ساهمت بشكل مباشر وواضح في إفناء ما تبقى من الفرشة المائية الباطنية، وأدت إلى استفحال يبوسة ما تبقى من نخيل الواحات بالجهة ليصبح حطبا قابلا للاشتعال في أي لحظة. زراعة جانحة وجارحة أجدها من العوامل المساعدة على تعاظم الحرائق بالواحات. وأجدني مستغربا لمسؤول كبير يتفوه و يدعي بأن زراعة البطيخ الأحمر بالمناطق القاحلة لا تشكل خطرا على أمن المنطقة المائي و الإيكولوجي، ليعطي الضوء الأخضر لناهبي الحياة من رأسماليي الكوارث لمزيد من الاستغلال والاستنزاف لفرشة قد تنضب في أي لحظة، وتؤدي بالواحات إلى أن تصبح أجذب وأقفر مما كانت عليه، حطاما تنتظر شرارة فقط لاندلاع حريق لتسوى مع أديم الأرض، وتسوى معها آخر عمود من أعمدة اقتصاد الواحات.
 
ما هي إذن  المقترحات  الكفيلة  بانقاذ الواحات  من خطر الحرائق؟
حماية  زراعة النخيل التي تعد عماد الاقتصاد الواحي بالجنوب الشرقي، حيث تنتج جهة درعة تافيلات لوحدها أكثر من 90% من التمور بالمغرب وبفضلها رتب المغرب في الرتبة 12 عالميا على مستوى الإنتاج. كما توفر الجهة نفس النسبة في إنتاج التفاح وطنيا (90%). إنتاج يدر عائدات مهمة على الاقتصاد الوطني بفضل ما توفره من رقم معاملات وأيام عمل. تساهم الواحات كذلك وبشكل كبير في الحفاظ على استقرار الساكنة. كما تضمن أيضا تناغما ايكولوجيا وتنوعا بيولوجيا. و تعد مجالا حاضنا لحضارة و ثقافة متفردة وأصيلة تجعلها متحفا مفتوحا مؤهل لاستقطاب أنشطة سياحية واعدة. من هذا المنطلق وجب التفكير على نحو يستحضر هاته المقومات الحفاظ على هذا المجال الغني من الاندثار بفعل هذه الحرائق المتكررة. ووضع استراتيجية تضع حدا لتعاظم هذه الظاهرة وخطط تنموية تنموية تثمن الإقتصاد المحلي و تدفع به إلى الأمام.  وعلينا جميعا إشاعة الوعي بخطورة الحرائق على المستوى الإيكولوجي، الإقتصادي ، والاجتماعي،الثقافي والحضاري بواحات المغرب. وجب تنظيم قوافل توعوية إرشادية في أوساط فلاحي الواحات و تدريبهم على كيفية حماية أشجار النخيل والمحافظة عليها.على الدولة أن تسن قوانين عادلة وموحدة تنصف المجال الواحي بمختلف مناطق المغرب. عليها كذلك أن تمنع الزراعات المستهلكة للماء بكثرة كزراعة البطيخ الأحمر. ودعم إمكانات الوقاية المدنية التي تعاني نقصاً كبيرا مع ضرورة توفير طائرات كتلك التي تحوم في سماء (المغرب النافع). واعتماد أساليب متطورة لمنع الحرائق كالقيام بتطوير أدوات رصد الحرائق والتنبؤ بها. كما يجب استكمال بناء السدود التلية كسد أكدز مثلا ،وبرمجة سدود أخرى بمختلف مناطق الجهة ،لضمان تأمين الماء والحفاظ عليه، باعتباره ملك عام ينبغي تدبيره واستعماله استعمالا مثاليا. ولتوفير يد عاملة مؤهلة، يجب تشييد معهد لتكوين التقنيين في مجال الزراعة والبيطرة بالجهة، وتكوين الفلاحين المحليين وتشجيع التعاونيات الفلاحية… كما أنه علينا أن ندرك بأن معاناة واحات الجنوب الشرقي كثيرة ومتعددة وليست وليدة اليوم. وما تمر به من ظروف عصيبة اليوم بفعل الحرائق ليس إلا جزءا من هاته المعاناة، غير أن هذه الحرائق تدق اليوم ناقوس الخطر وتستغيث. فهل من مجيب؟ تحذير  ينضاف إلى سابقيه ينذر بزوال إرث إيكولوجي، ثقافي و حضاري مهم إلى الأبد. علينا كذلك أن ندرك بأن النخيل المتواجد بمدينة مراكش هو نفسه المتواجد بالجنوب الشرقي. الفرق بينهما أن الأول يحظى بالرعاية والحماية والتكريم وتسن من أجله أسمى القوانين لمنع اجتثاثه بالرغم من عقمه ومحدودية إنتاجه وجودته، بينما الثاني لا حول له و لا قوة معاناة تلو الأخرى بالرغم من غزارة إنتاجه وجودته المشهود له بها. نحمل آمالا كبيرة للتغيير المنشود. ونتمنى أن تكون هذه الحرائق إنذارا كافيا للفت انتباه المسؤولين مركزيا، جهويا و محليا من أجل رفع البؤس والتهميش عن الجنوب الشرقي وتحسين ظروف العيش هناك. لا نريد لساكنة عمرت لمئات السنين أن تهاجر أو يتم إخلاؤها قسرا. لا نريد ولم نعد نقبل أن تتحكم الأمية و الفساد والاستغلال في مصائر البلاد و العباد. لا نريد لفتيل نيران الواحات ولهيبها أن يمتد إلى الشارع السياسي لتعود وتعج الشوارع ثانية رافعة مطالب مثل العدالة المجالية، الكرامة... علاوة على كل هذا، لا نريد للمال أن يغرينا ويتحكم بنا ليقودنا إلى الهاوية ويلحق المأساة بمصيرنا. كما نتمنى من صميم القلب من هذا الجيل أن يكون بالفعل أخضر، وأن يكون هناك تأثير إيجابي يحرك سلسلة من المشاريع التنموية إنصافا للجنوب الشرقي.