الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الرحمان العمراني: تأملات وأسئلة استراتيجية في المعترك الأفغاني

عبد الرحمان العمراني: تأملات وأسئلة استراتيجية في المعترك الأفغاني عبد الرحمان العمراني
كل الأقلام والأصوات التي تكتب أو تنطق في الشأن الاستراتيجي في الولايات المتحدة انبرت، بعد دخول طالبان كابول، بالتقييم والانتقاد العلني الصريح لسياسة أمريكا في أفغانستان على امتداد عشرين سنة من الوجود المكثف (100ألف عسكري امريكي وملايير الدولارات عتاد وتدريبات للجيش الافغاني ولوجستيك خلال فترة اوج التدخل)، مسنودة بعقيدة عسكرية تشكلت معالمها تباعا بعد وصول المد الإرهابي إلى مداه الأقصى في هجمات11 شتنبر، والذي كان لمنفذيه صلات وعلاقات بنظام طالبان. 
حتى المنابر الاعلامية القريبة أو المتفهمة لخط بايدن في السياسة الخارجية (نموذج النيويورك تايمز سي إن إن) أفاضت في إبراز الغموض والتعثر وغياب الرؤية المنسجمة للإدارة الجديدة في هذا الملف مبرزة كم كان قرار الانسحاب المفاجىء، التي أعلن عنها بايدن قبل شهر، قفزة نحو المجهول غير محسوبة العواقب.
فهذا  أحد المحررين المرموقين في "سي إن إن" لم يتردد في مساءلة الشعار الذي بنى عليه بايدن كل حملته الانتخابية، شعار الكفاءة في إدارة الأزمات، مبرزا كم كانت القرارات والترتيبات والسيناريوهات التي خطط لها فريق بايدن أبعد ما تكون عن تجسيد هذا الشعار في إدارة هذا  الملف الساخن والمشتعل. 
منظر جنود طالبان يأكلون الأطعمة في اطمئنان كامل بأرجل حافية فوق الصالونات في القصر الرئاسي، ثم منظر جموع الأفغان مسرعة الخطى في مطار كابول تتعلق بالطائرة الأمريكية التي جاءت في مهمة إجلاء الرعايا الأمريكيين، كان منظرا شبيها بما قد نشاهده في أفلام الخيال السياسي، وهو بالتأكيد ما زاد في توسيع علامات الاستغراب والتعجب لدى جزء من القيادات العسكرية والخبراء والمتتبعين والرأي العام داخل الولايات المتحدة. 
والحاصل الآن أن الرئيس الأمريكي في تصريحاته الأخيرة عبر عن تشبثه بوجاهة قراره، معللا ذلك بأن الجنود الأمريكيين لا يجب أن يقاتلوا في حرب لا تخوضها القوات الافغانية ذاتها .
Us  troops shouldn't fight a war that Afghan forces  won't fight .
والحال أن هذا التصريح يتناقض في الروح وفي النص مع تصريحات سابقة كان قد ادلى بها، وكانت تعبيرا عن ثقة زائدة في قدرة القوات الأفغانية على الدفاع عن البلد ضد أي اختراق من قوات طالبان. 
أسئلة سياسية واسترايجية كبيرة يوحي بها المشهد الأفغاني اليوم تتجاوز عنصر المفاجأة أو مآلات التطور أو المرونة الإيديولوجية المزعومة لطالبان، والتي لا تظهر معالمها اليوم إذا ما أخذنا بعين الاعتبار هلع الأفغانيين والافغانيات  كما بثته مباشرة وسائل الإعلام خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، وهم وهن بالطبع أدرى بحقائق الأمور وعلب التفكير الطالبانية التي جربوا نيرانها في السابق. 
ومن هذه الأسئلة الاسترايجية  نكتفي بثلاثة: 
أولا، ما طبيعة الضمانات الأمريكية التي تشكلت عبر الحوارات غير المباشرة مع عناصر طالبان قبيل إعلان الانسحاب؟ علما أن الرائج وقتها أن الأمريكيين كانوا يأملون في حوار واسع لا يلغي الوجود لنظام الرئيس الأفغاني في اية عملية تسوية استراتيجية؟ 
ثانيا: هل تحولت ممارسة   السياسة الواقعية لدى الإدارة الأمريكية الجديدة إلى تبني أطروحة الفوضى الخلاقة، هذه المرة ليس بالتدخل وطبق نظرية وهدف تغيير الأنظمة (كما في العراق على عهد بوش الإبن) ولكن عبر الانسحاب من مناطق النزاع المرهقة وترك الأمور تعيد أو تستعيد توازناتها الطبيعية؟ 
ثالثا :من أين لطالبان بكل هذه الوسائل العسكرية التي تجعلها تهزم جيشا نظاميا في أقل من أسبوع من هجمات خاطفة، علما بأن بعض الانظمة الخليجية وضعت منذ زمان مسافة نهائية مع  طالبان على مستوى الدعم والمساندة؟ 
رابعا: ما دور باكستان بالضبط في المنطقة مع رئيسها الجديد "امران خان" وهي بمثابة الحليف المشاكس لأمريكا، وهل استبطنت باكستان عقيدة التوجه الإسلاموي بعد غياب عائلة ذو الفقار بعد قرابة عقدين؟وما مغزى طلب الولايات المتحدة من باكستان أن تأخذ العصى من الوسط وأن تقوم بدور إيجابي في هذا المعترك الأفغاني الساخن؟ 
أسئلة استراتيجية وغيرها بالطبع كثير، لا شك أن الأسابيع والشهور القادمة ستقدم الاجابات الواضحة حولها.