الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الغلوسي: الحاجة الماسة لتفكيك شبكات الريع والفساد

محمد الغلوسي: الحاجة الماسة لتفكيك شبكات الريع والفساد محمد الغلوسي

بعض المفسدين وناهبي المال العام وذوي السوابق الإجرامية يبدعون كثيرا من أجل ضمان ولوجهم الدائم للمؤسسات التمثيلية والحرص على استمرار كل أشكال المنافع والريع والامتيازات وتغذية أرصدتهم ومصالحهم المختلفة لمراكمة الثروة وبناء شبكات لامحدودة من العلاقات المتشعبة في مختلف الاتجاهات...

 

شبكات محلية بالخصوص تقف عائقا ضد أي تنمية أو تطور طبيعي وتضمن ديمومة نفس النخب ونفس الوجوه وبأشكال مختلفة على التدبير المحلي.. شبكات تتبادل المعلومات والمعطيات الحصرية والتي تسهل لهذه النخب الفاسدة المتمددة الحصول مثلا على العقار العمومي بأثمنة رمزية تحت ذريعة الاستثمار، كما يمكنها ذلك أيضا من معرفة تصميم التهيئة مسبقا قبل خروجه لحيز الوجود...

 

وهكذا تلج هذه النخب إلى سوق العقار وابتزاز مالكيه بدعوى أنه لا يصلح لأي شيء، وأنه مجرد عقار فلاحي.. والحال أنها على دراية بأن العقار سيصبح ضمن المجال الحضري وستصبح قيمته تسيل اللعاب ويستفيد من امتيازات متعددة؛ وهي نفس النخب المحلية التي ستسهر على وضع تلك الامتيازات على طاولة التنفيذ؛ كما أن  تلك النخب الفاسدة وبحكم تلك العلاقات التي توفر لها كل شيءٍ وتستمد منها سلطتها وسطوتها تدرك جيدا موقع العقارات "المهملة" كتلك التي يملكها بعض الأجانب وغادروا المغرب منذ مدة طويلة وتلك التي يتوفى مالكوها دون أن يعرف أي وارث لهم.. وهنا تلجأ هذه النخب الفاسدة إلى صناعة وثائق مزورة للسطو على هذه العقارات...

 

هذا التلاعب والتحايل يمتد إلى مجال الرخص الاستثنائية ورخص التعمير ورخص فتح المحلات التجارية واحتلال الملك العمومي والضريبة على الأراضي الحضرية العارية، وغيرها من الضرائب الأخرى، مع ما يصاحب ذلك من "دهن السير يسير"..

 

هكذا تغتني هذه النخب بشكل غير مشروع.. فكثيرا ما نسمع بأن فلان أو علان كان مجرد عامل بسيط أو مياوم أو ذا حرفة بسيطة، وبين عشية وضحاها أصبح من أثرياء البلد بعدما خاض غمار الانتخابات وتمكن بقدرة قادر من "الظفر" المستمر بنتائجها وغير مهنته وأصبح "منعشا عقاريا" أو رجل أعمال له شركات في مجالات متنوعة تستفيد من كعكة الصفقات العمومية.

 

هذه النخب تغتني بوتيرة سريعة ودون أن تتعرض في يوم ما لأية محاسبة أو مساءلة؛ وهو ما يجعل بعض أبناء الحي أو المدينة التي ينتمي إليها رموز هذه النخب الهجينة يبحثون عن سلوك نفس المسلك بحثا عن نعيم ينقذهم من الفقر والحرمان.. وهكذا تدور عجلة الفساد والريع وتصبح ثقافة في المجتمع وينظر إليها كقدر لا مفر منه ويصبح السلوك النزيه سلوكا شاذا بل ويعتبر صاحبه ساذجا ومغفلا لأنه لا يتقن لغة الهمزة !!

 

وتبدع  هذه النخب لضمان البقاء في المواقع المدرة للثروة المشبوهة وضمان الإجماع على ذلك وتوفير كل الشروط التي تسهل استمرار تدفق المنافع والامتيازات؛ فضلا عن محاصرة كل الأصوات التي قد تزعجها لاحقا.. وهكذا تلجأ هذه النخب موظفة كل تلك العلاقات الأخطبوطية التي تتوفر عليها إلى تقديم لوائح متعددة "للتنافس" في الانتخابات، سواء تحت لواء أحزاب أخرى أو ما يسمى بلوائح المستقلين، وهي من تقوم بتحمل كافة "الأعباء" التي تتطلبها  هذه العملية بما فيها تعبئة "الناخبين" للتصويت لفائدتها..

 

إنه إبداع نخبة متلهفة على المال والجاه والثروة لضمان ديمومة الفساد والريع واستمرار مظاهر الفقر والهشاشة والهجرة وصناعة مجتمع المفارقات والتفاوتات المجالية والاجتماعية.. نخبة تشكل خطرا على الاستقرار الاجتماعي والأمن العام  وعلى كل نماذج التنمية، وتساهم في صناعة اليأس وهدم كل بصيص الأمل والثقة في المستقبل، وتجعل الناس يشعرون بكل أنواع الظلم والحيف يجد ترجمته في مختلف أشكال الحنق والغضب التي تنتشر عبر فيديوهات أو مقالات أو أشكال احتجاجية غير مألوفة، كسكب البنزين على الذات وإحراقها كتعبير عن إدانة لكل أساليب امتهان كرامة بني البشر.

 

إنه وضع لا يجب أن يستمر، واستمراره يشكل خطرا علينا جميعا وعلى بلدنا الذي نحبه كثيرا ونخاف عليه.. لذلك لابد من تفكيك هذه الشبكات التي تنتعش على الفساد والريع والنهب والرشوة، وذلك بتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة والقطع مع الإفلات من العقاب، واتخاذ تدابير وإجراءات شجاعة لمكافحة كل مظاهر الفساد والرشوة، وإعادة النظر في قانون التصريح بالممتلكات وتجريم الإثراء غير المشروع وتفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتعزيز دور المجتمع المدني والإعلام وكل مؤسسات الحكامة في تخليق الحياة العامة، وقيام القضاء بدوره في هذا المجال بردع المفسدين وناهبي المال العام، وغيرها من التدابير الأخرى التي من شأنها أن تساهم في تقوية مجتمع المواطنة ودولة الحق والقانون؛ وما ذلك بعزيز إذا توفرت الإرادة السياسية الحقيقية...